مخاوف من تكرار سيناريو جنوب السودان.. واستغلال إسرائيل للاحتقان لتعزيز النعرات الانفصالية حبيب: الإخلاء يوفر حاضنة للإرهاب.. وناجح إبراهيم: مدينة رفح الجديدة حل للأزمة
أعطى القرار بإخلاء منطقة الشريط الحدودي في سيناء المتاخم لقطاع غزة، عقب الهجوم الذي استهدف نقطة عسكرية في منطقة "كرم القواديس" يوم الجمعة قبل الماضية ما أوقع عشرات الشهداء والجرحى، الفرصة للإسلاميين المعارضين للسلطة الحالية لتوجيه سهام انتقاداتهم ضدها، واتهامها بأنها تنتهك بصورة صارخة حقوق المصريين. وفي حين عزت الحكومة القرار إلى ضرورات الأمن القومي، اعتبر الإسلاميون أن "القرار يعد تهجيرًا قسريًا بشكل يخالف الدستور المصري الحالي وجريمة لا تسقط بالتقادم يمكن أن تشعل الأوضاع في سيناء". وحذروا من أن "الخطوة قد تنمي النزعات الانفصالية في هذا الجزء المهم من الوطن، في ظل الأنباء عن إجراءات تعسفية تقوم بها السلطات، فيما يتعلق بالإخلاء، وعدم منحها السكان المهلة الكافية للبحث عن أماكن بديلة". وأعلنت الحكومة عن منح الأهالي المضارين من قرار الترحيل تعويضات. وتشمل المرحلة الأولى من التعويضات والتي يستحقها نحو 900 من قاطني المنازل المجاورة للشريط الحدودي، وسيتم استثناء أصحاب حوالي 230 منزلاً اكتشف وجود أنفاق داخل بيوتهم، لاسيما أنهم تحولوا إلى أثرياء ونزحوا من المنطقة، بحسب مصادر حكومية. ولم تخف المصادر خشيتها من تداعيات تلك الإجراءات في تحويل سكان هذه المنطقة إلى قنابل موقوتة، في ظل حالة الغليان السائدة بين أهالي رفح والشيخ زويد من إجراءات "التهجير"، ورفض غالبيتهم إبعادهم عن مسقط رأسهم. يأتي ذلك في ظل تخوفات من إمكانية استغلال إسرائيل حالة الغليان هذه بين السكان المهجرين في تعزيز النعرات الانفصالية داخل سيناء، لاسيما أن هناك بيانات سرية وزعت في سيناء عام 2006 بعد تفجيرات دهب وشرم الشيخ موقعة مما أطلقت على نفسها "جبهة تحرير سيناء" تطالب بتنظيم استفتاء لتقرير المصير في سيناء. الأمر الذي تخشى المصادر من إمكانية أن تستغله قوى دولية لابتزاز مصر، لاسيما أن الرئيس عبدالفتاح السيسي كان قد حذر في تسريب له إبان شغله منصب وزير الدفاع من أن تعامل الأمن بشكل قاسٍ مع أهالي سيناء قد يكرر سيناريو انفصال جنوب السودان. على صعيد ردود فعل الإسلاميين، استنكر الدكتور طارق الزمر، رئيس حزب "البناء والتنمية"، الذراع السياسية ل "الجماعة الإسلامية"، القرار ب "التهجير القسري" للسكان السيناويين في منطقة الشريط الحدودي مع قطاع غزة، قائلاً إنه يتجاوب مع تطلعات إسرائيل في تهجير المصريين من هذه المنطقة. وأضاف ل "المصريون"، إن "عين السلطات الحاكمة في مصر حاليًا منذ3 يوليو تاريخ الإطاحة بالرئيس محمد مرسي متجهة نحو غزة لإحكام الحصار عليها، والمرحلة الثانية تتسق مع الأجندة الإسرائيلية فى سيناء والتي تهدف إلى تهجير أهلنا في رفح.. ثم إدارة معركة واسعة مع أهل سيناء في إطار إعادة توزيعها السكاني". واعتبر الزمر أن "هناك عدة أهداف من وراء عملية التهجير القسري، منها توطين قبائل معينة متهمة بالعلاقة بإسرائيل بالقرب من الحدود، والعمل على تركيع أهل سيناء لسلطات الانقلاب، وهو غير متصور فى ظل الطبيعة البدوية الحرة، وأساليب السلطات المستفزة، ومن ثم تحول سيناء لساحة صراع مفتوح". وحذر من أن "هذا الصراع بدوره سيحول على المدى الطويل دون تنمية سيناء، إذ لا يعقل أن يذهب مستثمر أو سائح ليلقى حتفه هناك.. علمًا بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق آرييل شارون كان يرى أن تنمية سيناء أخطر على إسرائيل من امتلاك مصر للقنبلة النووية". ورأى الزمر أن "هذه التطورات ستؤدي وفق الرؤية الاستراتيجية الإسرائيلية إلى تنامي الروح الانفصالية التي ستتلقفها إسرائيل حينئذ وتسوق لها دوليًا.. علما بأن هناك بيانات صدرت من داخل سيناء عام 2006 تطالب بالانفصال ردًا على تجاوزات الأجهزة الأمنية آنذاك". فيما اعتبر الدكتور كمال حبيب، الخبير في شئون الحركات الإسلامية، أن "معركة مصر الحقيقية تكمن في حرمان قوى الإرهاب والتطرف من أي حاضنة اجتماعية؛ فالإرهاب يظل محاصرًا إذا افتقد هذه الحاضنة". وأشار إلى أن "حرمان الإرهاب من الحاضنة الاجتماعية لن يأتي إلا بمراجعة السياسيات المتصلة بطريقة التعامل مع الأهالي والقبائل في سيناء"، محذرًا من أن "يدفعنا الغضب لسياسات خاطئة تجاه أهالي سيناء". ووصف قبائل وأهالي سيناء بأنهم يمثلون "البوابة لبناء تفاهم حقيقي معها على كيفية المواجهة وليس جعلها هدفًا للانتقام"، معتبرًا أن الحديث عن تهجير أهالي سيناء، وبناء منطقة عازلة على الحدود لخمس كيلومترات "حديث غير منطقي يجب التوقف عن ترديده، فنحن لا نريد مناطق عازلة في بلادنا، كفى سيناء عزلة عن أمتها". وأصدرت أحزاب "الوطن" و"مصر القوية" و"الجبهة السلفية"، بيانات حذرت خلالها من مخاطر ما أسمته "التهجير القسري" لمواطني شمال سيناء، فيما وصفته بأنه "جريمة فاشية لا تسقط بالتقادم ودليلاً على الفشل الذريع للحكومات المتتالية بالتعامل مع سيناء وأداة لتفجير الأوضاع"، مشددة على أن "مواجهة الإرهاب لا تتم إلا من خلال منظومة تنموية وفكرية شاملة وليس الرهان على المعالجة الأمنية فقط". بدوره، قال الدكتور ناجح إبراهيم، منظر الجماعة الإسلامية، إن إيجاد منطقة عازلة بين مصر والقطاع ليست فكرة جديدة بل هى مقترح يتم تداوله منذ عدة أعوام، وعرض على الرئيس المعزول محمد مرسي بعد مقتل الجنود ال16 في رفح في أغسطس 2012 ولم يبد حماسًا لها وقتها. وشدد إبراهيم على أن "هذه الفكرة تبدو جيدة حال القيام ببناء مدينة رفح الجديدة، وهدم المنازل الملاصقة للحدود، وتسليم المنطقة لقوات حرس الحدود، وإخلاء المنطقة بالكامل، وبناء بوابات إلكترونية، وأجهزة إنذار مبكر تنهي هذه الأزمة من جذورها". ودعا إلى "ضرورة دخول الدولة في حوار مع عواقل وشيوخ القبائل في سيناء للبحث عن سبل تعويض الأهالي؛ فمن يعيش في بيت مستقل يُمنح له بيت آخر تعويضًا له، ومن يسكن في عمارة تخصص له شقة ويتم توفير أراضٍ بديلة لمن يعمل بالزراعة وإنشاء مجمعات خدمية متكاملة وبهذا يتم الوصول لحل جذري". من جهته، طرح الدكتور شعبان عبدالعليم، عضو المجلس الرئاسي لحزب "النور"، رؤية مفادها ضرورة المزاوجة بين اعتبارات الأمن القومي وحقوق مواطني سيناء، فلا يمكن قبول وجود أي أنفاق في المنطقة الحدودية، وفي الوقت نفسه ضرورة منح الأهالي تعويضات عادلة. وشدد على ضرورة التعامل برفق مع أهالي سيناء، لاسيما إخلاء لأي منطقة لايحظى بالغالب برضا السكان المحليين، مطالبًا بضرورة صرف تعويضات وتوفير مساكن بديلة لهؤلاء المواطنين حتى نقطع الطريق على أي محاولات لاستغلال هذه التطورات لتعزيز أجواء الاحتقان والغضب.