عندما خرج الدكتور عصام شرف ليلة السبت 9/7/2011م للحديث إلى الشعب عقب جمعة "الثورة أولاً" فى 8/7/2011م كنت فى استديو برنامج "مال مصر" فى حلقته الأولى مع الأخ المهندس أشرف بدر الدين نتحدث عن رؤية حزب الحرية والعدالة للاقتصاد المصرى بعد الثورة. قطع الأستاذ : حازم شريف الحديث وراقبنا كلمة رئيس الوزراء وطلب منى تعقيباً سريعاً على وعود د. شرف. قلت ببديهة سريعة: نحن نريد أن يتحدث إلينا أحد أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وحديث د. شرف مهما كان ملبياً لبعض طلبات الشعب لن يشفى الغليل. وتساءلت لماذا لم يخرج عضو من المجلس العسكرى ليقول بوضوح " ما زلنا عند وعدنا بتلبية مطالب الشعب وحماية إرادته وأننا نرفض الضغوط الخارجية والداخلية التى تريد تعويق مسيرة الثورة وتهدد البلاد بالويل والثبور وعظائم الأمور إذا تمت محاكمة العهد السابق بعدالة " . السبب أن الأصيل هو المطالب وليس الوكيل، فمهما كان دور د. عصام شرف فلن يتعدى حدوده، وقد فرض عليه أكثر من نصف الوزراء من العهد السابق، وهم شركاء متشاكسون. وليس له أن يعد بشئ لا يستطيع الوفاء به، وإذا كان المجلس العسكرى وهو رأس المؤسسة العسكرية الوطنية يجد صعوبات فى الوفاء بما تعهد به، فكيف يستطيع د. شرف أن يحقق آمال الشعب وهو لا يملك كافة السلطات ولا الصلاحيات ؟! إن رسالة يوم 8 يوليو كانت موجهة إلى المسئولين عن إدارة البلاد، المجلس العسكرى والوزارة جميعها ووزارة الداخلية بالذات والقضاء المصرى الذى هو محل ثقة الشعب. أهمية رسالة 8 يوليو أنها جاءت من كل القوى السياسية والوطنية فى اتفاق طال انتظاره لمدة شهور بعد أن حاول البعض الالتفاف على إرادة الشعب الواضحة فى استفتاء 19 مارس ولا يزالون يصرون على تحدى الإرادة الشعبية ومحاولة شق الصف الوطنى من جديد حتى وصل الأمر ببعضهم إلى الإعلان أننا سنعلن عن موقف منفرد فى منتصف الليل بعد انتهاء المليونية وأننا سنعتصم من أجل مطالبنا القديمة وليس المطالب التى أصر عليها الملايين ويتناقلون إشاعات عن إجراءات وتمنيات سرعان ما يكتشف الجميع زيفها وعدم صدقها. ووصل الأمر ببعضهم إلى استمرار الإنسياق وراء كذب إعلامى مقصود ولم يتبينوا صدق ما نسب إلى رئيس حزب الحرية والعدالة وكذب بعضهم عندما قال إنه اتصل برئيس الحزب وأكدّ له الأكاذيب المنشورة، بينما قدّم بلاغاً ضد الصحيفة الكاذبة التى تدلس على الرأى العام وتصر على ممارسة غير مهنية مما سيؤدى بها إلى أن تتحول من صحيفة رصينة إلى صحيفة فضائحية إذا لم تصحح طريقة أدائها وتراجع نفسها وتحرر إرادة الصحفيين من سطوة رأس المال وطموحات المالكين وتفصل بين الخبر الذى هو حق القارئ وبين الرأى الذى هو حق الكاتب. كان يوم 8 يوليو مشهوداً بحق، وكنت فى ميدان التحرير أصلى الجمعة مع ابنى، والتقيت فى الميدان بحشود قدمت من كل المحافظات، وعادت إلى الميدان روح يناير وفبراير من جديد، ويصر البعض على قتل هذه الروح من جديد بإثارة القضايا الخلافية ورفع مطالب لم يتم الاتفاق عليها. الجديد الذى وصل إلى عين وأذن وأنف المجلس العسكرى أن مصر كلها كانت فى الميادين، وأن الشعب هو الذى يريد ، وأن القوى الوطنية لم تنقسم على المطالب الرئيسية وأن المطلوب هو رد الرسالة، أين الجواب ؟ السادة أعضاء المجلس العسكرى: نعلم أنكم لستم ثواراً، وأنكم تربيتم على الانضباط العسكرى والالتزام الوظيفى واحترام الأقدميات. نعلم أنكم أكثر منا علماً بخفايا وخبايا النظام السابق وأنكم تملكون الأدلة والبراهين والمعلومات حول جرائم تصل إلى الخيانة العظمى. نعلم أنكم كنتم شركاء فى الثورة عندما نزلتم يوم 28/1 ورفضتم إطلاق رصاصة واحدة على الشعب، وأنكم ظللتم على الحياد لمدة أيام حتى يوم 2 فبراير ، تحمون حق الشعب فى التظاهر السلمى، وتضغطون على النظام للاستجابة إلى مطالب الشعب لتجنيب البلاد فوضى عارمة وتجنيب الجيش مسئولية خطيرة. نعلم أنكم بعد موقعة الجمل تبين لكم بوضوح انتصار إرادة الشعب على أخطر محاولات النظام لإجهاض الثورة، وعندها وبعد سقوط مئات الشهداء قررتم أن الوقت حان للانحياز ضد رأس النظام وأولاده ورجاله وحزبه وبرلمانه. نعلم أنكم تركتم فرصة لنائب الرئيس ليتسلم السلطات التى لم يتسلمها أبداً وبعد أسبوع أدركتم أنه لابد من رحيل الرئيس مبارك ونائبه وتولى إدارة البلاد بأنفسكم رغم أنكم رافضون لذلك، راغبون فى تجنيب المؤسسة العسكرية التورط فى حكم البلاد عسكرياً ، وأنكم إذا خيرتم بين الحفاظ على المؤسسة وتماسكها وانضباطها وبين أى أمر آخر تختارون الحفاظ على المؤسسة درعاً للوطن وحماية للبلاد. نعلم أنكم فى حيرة من أمر البلاد التى خرج الملايين بدون قيادة واضحة، تقودهم أهداف تتعالى أسقفها يوماً بعد يوم، ولهم أحلام طال بهم انتظار تحقيقها طوال 30 سنة كبيسة على البلاد، وأن البديل لنظام بائد لن يكون إلا بتوافق وطنى عام على تقاسم الأعباء وتحمل الهموم والخروج بالبلاد من عنق الزجاجة. ونعلم أيضاً انكم تتعرضون لضغوط هائلة من أمريكا التى استثمرت فى مصر 60 بليون (مليار ) دولار على مدار 35 سنة وتريد أن تجنى الفوائد بتبعية مهينة وسياسة خارجية تضمن لها الاستسلام لإرادة العدو الصهيونى، والحفاظ على الأنظمة الموالية لها من تأثير الثورة المصرية ( كما حدث من قبل بعد ثورة 1952) واستمرار تدفق البترول بأسعار زهيدة ، والحفاظ على الهيمنة الأمريكية على أفريقيا وأواسط آسيا وأوربا الشرقية. كما نعلم أنكم تتابعون باهتمام رفض العدو الصهيونى لأى تغيير فى معادلة العلاقات المهينة المذلة التى حولت رئيس مصر إلى كنز استراتيجى ، وأنهم قد يكونون وراء تفجيرات أنبوب الغاز ليدللوا على ضعف قبضة الحكم على البلاد ويرسلون الجواسيس تلو الجواسيس لتخريب الثورة وتفسيم الثوار، وتأليب الشعب على بعضه البعض. نعلم أنكم تخافون على عجلة الإنتاج وإدارة الاقتصاد من رجال العهد السابق الذين سيطرت 500 عائلة منهم على معظم ثرورات البلاد ويحتاج الخروج من عنق الزجاجة إلى حكمة وروية . كما نعلم أنكم تتعرضون لضغوط من رجال حبيب العادلى فى وزارة الداخلية الذين ناصبوكم العداء لسنوات وكتبو عنكم التقارير لإيغار صدور مبارك على المؤسسة التى انتمى لها وليتحيّز للشرطة ضد الجيش، وأن هؤلاء ربوْا جيوشاً من البلطجية والمفسدين فى العشوائيات والمحليات. ولكننا نعلم أنكم أبناء هذا الشعب، من رحمه خرجتم، ومن لبن أمهاته رضعتم، ومن نيله شربتم، وعلى أرضه ترعرعتم ، وتحت سمائه أقسمتم الولاء للوطن وليس للرئيس، للشعب وليس للنظام، وأنكم ستكونون عند عهدكم مع الشعب، وقد تابعنا بياناتكم المتتالية وكنتم فى غاية الوضوح أثناء الثورة، فهل تغيرتم؟ أم تغيرت الظروف ؟ وهل ما زلتم عند وعودكم أم حدثت فى الأمور أمور ؟ نريد أن نسمع منكم جواباً واضحاً ، ونحن على يقين من انحيازكم لضميركم الإيمانى، وضميركم الوطنى، وفطرتكم السليمة. ونقول لكم: إن الشعب أقسم على تطهير البلاد وإسقاط النظام وتحقيق العدالة، وهذا الشعب سيبر بقسمه، ويريد منكم أن تكونوا فى صفه.