هل هي حقاً مذبحة؟ تلك التي يسارع فيها المسلمون إلى تلبية نداء نبيهم –صلى الله عليه وسلم-حين قال: "إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر، مَن فَعَلَه فقد أصاب سنتنا". وهل كانت حقاً كابوساً؟ تلك الرؤيا الصادقة التي رآها أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام، وسارع إلى تنفيذها تيقناً منه بأن رؤيا الأنبياء حق، بل هي وحي وجزء من أجزاء النبوة، على خلاف الكابوس الذي يهرب منه النائم ويفر منه؟ وهل سيدنا إبراهيم عليه السلام مجرد رجل صالح كآحاد صالحي المؤمنين، وهو مَن قال فيه ربه: "إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين، شاكراً لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم، وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين، ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين" {النحل : آية120-123}؟ وهل تبلغ رهافة الحسِّ –حقاً- درجة لا يستطيع الإنسان معها أن يعيش في هذه الحياة بشكل طبيعي خشية إيذائه لمخلوقات أخرى لها الحق في الحياة؟ فلا يستطيع –مثلاً- أن يستمتع بشيِّ سمكة أو قَليها خشية أن يلقي بها في الزيت، أو يخشى أن يقطف زهرة جميلة خشية القضاء على رائحتها وجمالها، أو يمتنع عن رش المبيدات الحشرية في المنزل خشية القضاء على مخلوقات لها حق في الحياة (الصراصير والبراغيث والبعوض وغيرها)؟ هل كل هذا وغيره حق، أم هو التصنع والمبالغة التي لا داعي لها؟ هذا ما تناقلته وسائل الإعلام ملخصاً لتدوينة لسيدة من مثقفي القوم، وقد كادت هذه المثقفة بهذه التدوينة أن تحرِّم على بسطاء الناس تناول اللحم الذي لا يراه أكثر من نصف المصريين إلا في مثل هذه المناسبات والأعياد عن طريق الهدايا والصدقات. إن الله –عز وجل-قد خلق الخلق جميعاً، وجعل بعضه مسخراً لبعض، فالنبات مسخر للحيوان والإنسان، والحيوان والنبات مسخران للإنسان، على أساس أن الإنسان هو أرقى مخلوق في هذا العالم، قال الله تعالى: "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً" {الإسراء: آية 70}. بل إن الله رفع بعض البشر على بعض ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً، قال تعالى: "أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخريا ورحمت ربك خير مما يجمعون" {الزخرف: آية 32}، وإلا فما بالنا نتخذ الخدم خدماً؛ أليس هؤلاء الخدم بشراً مثلنا، لماذ أجلس أنا ويطبخ لي أناس، ويقود لي السيارة آخرون، ويمسح لي حذائي فريق ثالث، وهكذا؟؟؟ إنها حكمة الله –عز وجل-في أن جعل كل مخلوق في هذا الكون يقوم بمهمة ووظيفة لا يحسنها غيره، وهو يساهم بهذه المهمة في عمارة الكون، والبهائم لها مهام كثيرة في هذه الحياة من أهمها: الأكل منها، والحمل عليها، والتزين بها؛ كما صرح الله –عز وجل-بذلك في كتابه، فقال وهو أرحم الراحمين: "والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون، ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون، وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرءوف رحيم، والخيل والبغال لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون" {النحل: آية 5-8}. فهل الأستاذة المثقفة أرحم بخلق الله من الله؟ وهل رسول الله –صلى الله عليه وسلم-قاسي القلب لدرجة أنه يدعو إلى مذبحة تجرى لجنسٍ له الحق في الحياة، وهو الذي أرسله ربه رحمة للعالمين؟ إن الإسلام بهذا المنطق الناعوتي به مذابح كثيرة، من هذه المذابح مذبحة الهدي في فريضة الحج التي يقول الله فها: "والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون، لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين" {سورة الحج: آية 36، 37}، ومنها مذبحة العقيقة، والوكيرة، والعتيرة ... إلخ، وكلها مذابح دعا إليها الله ورسوله. وأخيراً أقول: بدلاً من هذه الشفقة الزائدة على الحيوانات تعالوا بنا نحارب القتل والعنصرية والاستعباد بين بني البشر، و هيا بنا نشفق على هؤلاء الثكالى واليتامى والأرامل والمساكين والمشردين الذين لا يجدون مأكلاً أو مشرباً أو ملبساً أو دواء آدمياً، هيا بنا ندافع عن حقوقهم المستلبة، وآدميتهم المفقودة. إنني لا أنكر على الأستاذة المثقفة أن لا تأكل من لحوم الأضاحي، ولا أدعوها إلى أن تضحي وتشهد أضحيتها، وإنما فقط أطلب منها أن لا تتهكم من شعيرة من شعائر الإسلام، وأن تترك للناس دينهم كما شرعه له ربهم. ومن تمام القول أن نبين أن شريعة الإسلام في الذبح هي من أرقى الشرائع، ويكفيك أن تقرأ تلك التوجيهات النبوية الكريمة في وجوب إحسان الذبح؛ في قوله –صلى الله عليه وسلم-: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته". وفي قوله حين رأى رجلاً أضجع شاة يريد أن يذبحها، وهو يحد شفرته: "أتريد أن تميتها موتات؟ هلا حددت شفرتك قبل أن تضجعها؟" وروي عن سيدنا عمر -رضي الله عنهما- أنه رأى رجلاً يسوق شاة ليذبحها سوقاً عنيفاً، فضربه بعصاه، ثم قال له: سقها إلى الموت سوقاً جميلاً لا أُمَّ لك". إن الإسلام هو دين الرحمة، والرفق، فلا يزايد عليه المزايدون.