( بتحب مين أكتر بابا واللا ماما ؟ ) سؤال بايخ مع ضحكة ممطوطة من رجل غريب لا يعرفه الصغير ولكنه يمسك بتلابيبه مصرا علي الحصول علي إجابة . يرد الأب بسرعه محاولا انقاذ ابنه ( قول لعمو أحب الاتنين ) ويظل ( عمو ) ممسكا بالصغير يعصره بأسئلته البايخة التي لا هي أسئلة حقيقية ولا هو ينتظر حقا إجاباتها ( في سنه كام يا حبيبي ؟ ياتري بقي شاطر في المدرسة ؟ واللا العيال بيضربوك وياكلوا منك السندوتشات ؟ هاهاها ، ولما تكبر عايز تبقي إيه ؟ واللا ح تطلع خايب زي أبوك ؟ هاهاها ، أنت رفيع ليه ؟ ما فيش عندكوا أكل ؟ واللا أختك بتاكله كله ؟ قل لي بقي أنا مين ؟ وقريب بابا ازاي ؟ وبلدنا اسمها إيه ؟ باين عليك براوي مش اجتماعي ، لالالا ما عندناش رجاله في العيله كده ، واللا أنت مش راجل ؟ هاهاها ) عندما ينطلق الصغير بعيدا يتنفس الصعداء لنجاته من فخ أسئلة طحن ، تخرج من فم مثل المطحنة التي تطحن ماءا أو هواءا أو فراغا فتحدث ضجيجا ولا تنتج شيئا مفيدا بل قد تفسد بما تشغله من حيز يثقل علي سامعيه . يمطرك ( الفيس بوك ) ورواده بمثل تلك الأسئلة ، كل موقف بسيط أو كبير ، ذو أهمية أو عابر صار مثارا للتساؤل ثم التحيز والانقسام ، لن أستغرب لو طرح أحدهم سؤالا من نوعية ( هل تحب الشاي أم القهوة ؟ ) ثم أفرز السؤال متعصبين للشاي ومتعصبين مضادين لهم من أنصار القهوة ، وتحول تبادل الرأي إلي تبادل للشتائم والاتهامات ، فهذا عميل برازيلي لمصدري البن وذاك عميل سيلاني لزراع الشاي وهذا أخطر منهما فهو عميل مزدوج يعلن أنه محب للشاي مع أنه قد ضبط يشرب قهوة في كافيه شهير . رحل الاستبداد وبقيت ثقافته تعشش في النفوس ، لابد من رأي واحد ولون واحد واختيار واحد نتحيز له ونعادي من يخالفه وتنشب بيننا الحروب ، مع أن أبسط قواعد الحرية الإنسانية هي قبول التعدد في الرأي مع اعتزازي برأيي واليقين بأن التنوع هو سنة الحياة ، لا يكتمل جمال اللوحة إلا بتعدد ألوانها وعندما ننظر للطبيعة ونتأملها نري التنوع في أبسط المخلوقات و أرهفها ( جناح الفراشة مثلا ) ولوكان المطلوب هو التوحد علي شكل أو رأي لكانت الحياة أبيض و أسود . أفهم أن يتبادل الناس تحديد تفضيلاتهم في كل شئ لأن ذلك يحدد أذواقهم وشخصياتهم ، ولكن ما لا أفهمه أن يصبح ذلك سببا للخلاف والمشاحنات ، من أول القضايا الهامة ( نعم ولا للتعديلات الدستورية ) ثم ( الدستور أولا أم الانتخابات ) ثم ( مرشحك الرئاسي المحتمل ) حتي قضايا تافهه من نوعية ( من المخطأ في البرنامج التلفزيوني الشهير المذيع أم الضيف ؟ ) و( ما رأيك في حجاب الفنانة ذات الباروكة ؟ ) و ( هل تقترح علي فنانة أخري أن تمثل بالحجاب أم تخلعه أحسن ؟ ) و ( ما رأيك في الرسم الكاريكاتوري في جريدة بير السلم التي لا يقرأها أحد ؟ ) السؤال لم يحرم طبعا بل إنه بوابة المعرفة العامة والخاصة ، فكل الاكتشافات والاختراعات كانت أجوبة ناجحة لأسئلة أكثر نجاحا مثل سؤال نيوتن لماذا سقطت التفاحة لأسفل ؟ وكان الجواب يحمل سر الجاذبية الأرضية ، وهو وسيلة أيضا للتعارف مع الناس ليعرفوا من أنا ومن أكون ورب حوارات أدت إلي شراكة اقتصادية أو زوجية بما أنتجته من تقارب وتجاذب بين الطرفين ، ولكن المهم أن يكون السؤال ذكيا ومنتجا ، لبقا وجذابا ومثيرا لتداعيات نافعة للفرد والمجتمع . السؤال الجيد هو الذي يستخلص من الناس فضائلهم ويثير فيهم جوانب الخير ويغلق أبواب الشقاق ، أما هذه الأسئلة اللاهية فهي تعكس فراغا وفضاءا ليس إلا ، الأسئلة الهامة الآن هي سؤال أمن الشارع كيف يتحقق ؟ استقرار البلد ما السبيل إليه ؟ كيف نعمل وننتج وندفع الاقتصاد إلي الأمام ؟ كيف نتجنب الفتن والتخريب ؟ كيف ننهض ببلدنا بعد أن حررناها ، الأسئلة المطلوبة الآن هي أسئلة النهضة وليست أسئلة الغضب المكتوم والعدوانية السلبية والفراغ الطائش . بعض الأسئلة الهامة أرد عليها فبالطبع لي رأي محدد فيها ولي تفضيلات وأعلن عنها ولكن دون الاتهام والتجريح والتخوين للمختلف عني ، وبعض الأسئلة السخيفة والتافهه الساعية فقط لمزيد من الانقسام والتشرذم أهرب منها تماما كما هرب الصغير من أسئلة ( عمو ) فلا شئ أسوأ من الوقوع في فخ أسئلة طحن . [email protected]