لا أحد جلس علي السلم يبكي بجوار شقتهم يبص علي بابهم المغلق ويبكي. لا أحد يدق الباب بيده، «إفتحي يا ماما.. افتح يا بابا». لكن.. لا أحد الجرس يرن تحت يده رنيناً متواصلاً، القطة فوق صفيحة القمامة تموء، تقفز أمامه في فزع.. تبخ في وجهه، ورقة بالتطعيمات التي أخذها قبل سنوات مكتوبة علي ملصق أصفر صغير علي بابهم، بيان بكشف النور فيه قراءة العداد تركتها أمه للمحصل. فتحة المفتاح مكشوفة بدون غطاء، تجول بإصبعه من حولها، أدخل سلكاً رفيعاً في عين الباب فلم ينفتح، شب علي أطراف أصابعه يكلم الباب: «أنت أطول مني، لكني أذكي منك تقفل علي نفسك من جوه ليه؟، افتح لي يا صاحبي، أنا كنت دايماً بافتح لك، أطلع علي الكرسي وأمد إيدي وافتح لك أبواب الدنيا، تشوف معايا بياع اللبن، وكشاف الغاز، وكشاف النور، وبيتزا الديليفري والمكوجي. افتح لي يا صاحبي، ماما سابتني وبابا وأنا قدام الدنيا وحدي، والجيران؟!.. جارة تقفل الباب في وشنا في الطالعة والنازلة، لاصباح ولا مسا.. ماما قالت: السلام لله لكنهم لا يردون السلام وجارتنا الأخري نسمعها وهي تضرب ابنها بالشبشب.. صوت الضربات بيوجعني في كل مرة مع أن بابنا مقفول علينا، خرَّجته كالعادة من باب الشقة وقفلت الباب، دموعه كتيرة، ودموعي، وأنا وهو واقفين لوحدنا علي السلم. صعبت علينا نفسنا، نشفت دموعي، ونشف دموعه بكمه وسألني: - أمك ضربتك وخرَّجتك من الشقة؟! - لأ.. لما أرجع من المدرسة تبوسني في خدي وتقول لي يا نور عيني لكنها نسيتني النهارده! - وأبوك؟! - في الشغل - وأمك في الشغل؟ - يمكن! - أمي وأمك.. لا سلام ولا كلام! - أمك قاطعتها مع أن السلام لله. - حقيقي؟ - طبعاً - لما تفتح أمي هقولها! - نلعب بقي؟ - نلعب إيه؟ - أي لعبة - لكن إيه حكايتك أنت؟! - رجعت من المدرسة بالباص، بابا متعود يوديني ويجيبني بعربيته كل يوم لكني ركبت الباص مع زميلي في الفصل.. جارنا أنا أحب الباص أكتر من عربيتنا. - أنا كمان لكن ماما بتقول أن الباص وحده يتكلف تسعميت جنيه. - لكن الباص جميل فيه تكييف يبخ الهوا البارد في وش الراكبين، ومنه تشوف الدنيا، هو أعلي من عربيتنا وأعلي من ضهر الحصان، ومن ضهر الحمار، ومن ضهر الخروف. - ومن ضهر القطة! - باص المدرسة أعلي من باب شقتنا وشقتكم! - باص المدرسة أعلي من عمارتنا نفسها! - تيجي نلعب - نلعب إيه؟! - لو فتحت ماما الباب هتدخل معايا إنت في «الفيس بوك»؟ - طبعاً - يعني ممكن تبقي صاحبي علي الفيس بوك - يا ريت - أعملك طلب صداقة أول لما تفتح الباب - وأنا أعمل لك إضافة لما يرجعوا - تعال نخبط علي الباب.. يمكن تفتح! - أنا عاوز ألعب - نلعب.. لكن نلعب إيه؟! - عندك «جيرل فرند» - لأ.. وأنت؟ - باحب بنت مستر سامي - بتحب فيها إيه؟! - شوْرتها - بتضحك ليه؟! - بتحب شورْتها ليه؟! - لإن عليه شمس وقمر وجنينة - حقيقي؟! - وعندها شورت تاني عليه قزازة لبن وجاموسة وكباية وبعدين قزازة لبن وجاموسة وكباية! - شفته إزاي؟! - لما تجري وتقع علي الأرض - قلت لها إنك بتحبها؟ - لأ - ليه؟ - لأنها تسحب كل اللي يضايقها من ياقة قميصه وتوديه لمستر فتحي وتقول: أي حد يزعلني.. في لحظة في لحظة فتفوتة هقول لمستر فتحي! - ومين مستر فتحي؟! - ناظر المدرسة - هي صعبة جداً! - لكني بحبها.. لما تفتح أمي أوريك صورتها. - فين؟ - علي الفيس بوك - أخاف لو أمك شافتني معاك تسيبنا واقفين، إذا بصت من العين السحرية وتْلصصت علينا زي ما بتعمل مع الجيران هتشوفني! - عيب تقول الكلام ده عن ماما. - أمي اللي قالت مش أنا! - دلوقت أمك مش هتفتح لنا هتكون أنت السبب في حرماني من البيت - أمي بتقول أنكم السبب الحقيقي في حرماننا من الجنينة. وأمي بتقول إن توسيع الشقة أولي من الاحتفاظ بالجنينة!، - ليه سرقتم البياض والخضار، وقتلتم أشجار الجنينة. - أنا شفت شكاير الأسمنت والزلط وعمو مدحت اللي تحتنا، وعمو سيد اللي تحت اللي تحتنا، وعمو منير اللي ساكن في الدور الأرضي كانوا فرحانين بتوسيع شققهم، كل واحد عنده خمس مطارح وصالة. - بيتنا مطرحين وصالة! - لكن بابكم مقفول علي طول - صح، لكن عندنا حمام وبانيو - بتستحمي فيه وتعوم في رغاوي ريحتها حلوة وتغسل شعرك بالشامبو وتغطس رأسك وتسمع صوت البحر وتقول له: - بس بقي يا أبو جلمبو! - لأ.. نملأ البانيو بالمية لأن المية علي طول مقطوعة - زينا! - نلعب؟! - نلعب إيه؟! لما تفتح ماما تاكل معانا مكرونة.. إنت جعان؟. - طبعاً.. لكن لو بابا وماما نسيوني هيكون حالي إيه في الدنيا؟ - نقدر نكسر الباب وندخلك الشقة! - وأفضل علي باب الدنيا لوحدي؟! - ناخدك معانا وتعيش ما بينا.. لكن المشكلة ماما مش هتفتح الباب إلا لو سال دمي علي الأرض وخبطت رأسي في الحيطة وقلت لها: أنا آسف.. افتحي يا ماما.. أنا خلاص حرَّمت - اخبط راسك، وتمرغ وقل: آسف خلاص حرَّمت - لكني عاوز ألعب - نلعب إيه؟! ..... آه فتحت أمه الباب، عينها حمراء وفمها مفتوح وشعرها منكوش، أمسكته من ياقة قميصه وأدخلته، وبصت له بصة مخيفة وأغلقت الباب في وجهه.. أخذت منه صاحبه وتركته وحيداً، وظل يكلم الباب. - افتح يا باب، افتح يا صاحبي.. افتح يا نور عيني!