"المعلومة كانت مكتوبة على الحائط"، مثل إنجليزى معروف، فحينما قررت الحكومة القطرية إبعاد سبعة من أبرز قيادات جماعة الإخوان المسلمين، ومنحهم مهلة لمغادرة أراضيها، كانت هناك أمور قد مهدت السبل للوصول لتلك النقطة، فعندما أُعلن فى اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجى فى مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، وبحضور وزير خارجية قطر خالد العطية، أن الخلاف بين إمارة قطر من ناحية و3 من دول الخليج "السعودية والإمارات والبحرين" من ناحية أخرى، قد انتهى، كان واضحًا فى الأفق أن هناك استجابة قطرية للشروط الخليجية بقطع علاقة الإمارة بالإخوان. ولكن أين سيذهب المبعدون؟ وهل طويت صفحة الإخوان فى قطر؟ وما المكان الذى سيلجأ إليه قيادات الإخوان فى قطر؟ وما طبيعة العلاقة فى المستقبل بين مصر "السيسي" وقطر؟ وما الاستراتيجية الجديدة للجماعة لمواجهة التضييقات الدولية الأخيرة على تحركاتها؟ أم أن النار ستظل تحت الرماد؟ قطر تغلق "الصداع" المزمن لنظام السيسي لو نظرنا لإغلاق "الجزيرة مباشر مصر"، من ناحية الدور الإقليمى لها ومن خلال التفاعل مع الحدث المصرى الحالى، فقد لعبت ولا تزال قناة "الجزيرة" القطرية دورًا كبيرًا جدًا فى بلورة الخلاف الكبير بين مصر وقطر، وأظهر للعلن الحقيقة الخفية للصراع بين الدوحة والقاهرة، بعد عزل الرئيس محمد مرسى فى 3 يوليو من العام الماضي. فى هذا السياق، يقول اللواء محمد على بلال، الخبير العسكرى والاستراتيجي، إن قرارًا قريبًا سيظهر من جانب الحكومة القطرية يتم بموجبه وقف بث قناة "الجزيرة مباشر مصر" من قطر، وذلك فى إطار رغبتها فى تحسين علاقتها مع مصر ودول التعاون الخليجي. وأضاف بلال فى تصريحات خاصة، أن قرار الحكومة القطرية بمطالبة 7 من قيادات جماعة الإخوان المسلمين بمغادرة أراضيها، يأتى فى إطار سعى الدوحة لتحسين علاقاتها مع دول الخليج بعد الأزمة الأخيرة. وتابع بلال، أنه من المنتظر وقف بث "الجزيرة مباشر مصر"، قبل انعقاد قمة وزراء خارجية دول التعاون الخليجى فى أكتوبر المقبل فى العاصمة القطريةالدوحة. وأشار بلال، إلى أن سفراء دول التعاون لم يعودوا حتى الآن إلى الإمارة الخليجية، وبالتالى على قطر أن تبدى استعدادها لتبنى سياسات أكثر اعتدالًا فى موقفها تجاه نظرائها فى الخليج، حتى يمكنها من تنظيم القمة الخليجية أكتوبر المقبل، بحسب قوله. المصائب لا تأتى فرادى! وكشفت مصادر وثيقة الصلة بالقيادى بجماعة الإخوان المسلمين، الدكتور عمرو دراج، عضو المكتب التنفيذى لحزب الحرية والعدالة، عن امتلاكه شركة كبيرة فى العمل الإعلامى فى الإمارة القطرية. وقال المصدر، الذى فضّل عدم ذكر اسمه، إن الأزمة ليست فى خروج القيادات، لكنّها تتمثل فى طريقة إدارة أعمالهم واستثماراتهم فى قطر. كيف ستتعامل الجماعة مع الأزمة؟ من المرجح أن تكون وجهة القيادات المبعدة من قطر، إما انجلترا أو إندونيسيا أو ماليزيا، وبحكم العلاقات القوية ربما تكون إسطنبول هى المحطة الأكثر تفضيلاً، حيث باتت السلطات التركية برئاسة رجب طيب أردوغان الحاضنة لهؤلاء. ومن هذا المنطلق، قالت مصادر خاصة بجماعة الإخوان المسلمين، إن قرار الحكومة القطرية بترحيل قيادات إخوانية من أراضيها يعود إلى شهر تقريبًا، وإن مصير هؤلاء سيكون ما بين تركيا أو إندونيسيا، وربما إنجلترا بعد التسريبات التى قالت إن الحكومة البريطانية انتهت بعدم وجود علاقة بين جماعة الإخوان المسلمين وممارسة أنشطة إرهابية على أراضيها. وأوضحت المصادر أن قيادات أخرى تقوم حاليًا بتوفيق أوضاعها للرحيل من الإمارة الخليجية، إلى تركيا، لممارسة العمل الإعلامي، أو إدارة مؤسسات إسلامية بتركيا كغيرهم من القيادات الحالية. وكشف مصدر خاص مقرب من الجماعة، فضّل عدم ذكر اسمه، أن هناك نية لتغيير استراتيجية الجماعة فى الفترة المقبلة، وعلى رأسها القيادات الحالية، وهو ما أكدته الانتخابات التى جرت سرًا داخل مكتب إرشاد الجماعة خلال الأيام الماضية، والتى انتهت بتغيير الصف الأول كاملاً، دون تحديد الأسماء الجديدة، مع بقاء الدكتور محمد بديع على رأس مكتب الإرشاد، رغم صدور أحكام بالإعدام والمؤبد بحقه. وقال المصدر، إن القيادات الحالية ظلت متصدرة المشهد الحالى على مدى عام كامل منذ ما وصفه بالانقلاب العسكرى فى 3 يوليو من العام الماضي، لكنّها لم تحقق المرجو منها، رافضًا ذكر أي من تلك الأسماء، ومن المنطلق ذاته، أكد المصدر رفض جميع المبادرات التى تطالب الجماعة بالقبول بالأمر الواقع وتبنى فكرة التصالح مع نظام السيسى، مقابل الحصول على عدة امتيازات، من بينها المشاركة فى الحياة السياسية والإفراج عن عدد من شباب الجماعة المعتقلين، والذين لم تثبت بحقهم إدانات قضائية بارتكاب أعمال عنف. وأوضح المصدر أن السبب الرئيس الذى تتبناه الجماعة لرفض ذلك الإجراء، خشيتها من انقلاب الشباب عليها بعد كم التضحيات التى قدموها فى سبيل العودة لما قبل بيان 3 يوليو. من جهته، أرجع محمد السيسي، عضو اللجنة القانونية لحزب الحرية والعدالة والقيادى بجماعة الإخوان المسلمين، قرار الحكومة القطرية بترحيل 7 قيادات إخوانية من أراضيها، للضغوط الخليجية والمصرية التى مورست ضدها، فى ظل الدور السياسى المحدود للإمارة الخليجية. واستنكر السيسى فى تصريحات خاصة، قرار الترحيل، لأنه يتنافى مع حقوق الإنسان فى اللجوء الدولي، مضيفًا أنه "الأولى أن نسأل لماذا لا تعود هذه القيادات إلى مصر دون قتل أو اعتقال، فإذا كنا نلوم قطر بقرار كهذا علينا أن نلوم مصر أولاً". وحول الوجهة المتوقعة للقيادات المرحلة، قال السيسى إنه من المتوقع أن يذهبوا إلى تركيا أو جنوب إفريقيا أو أمريكا، وإن أرض الله واسعة أمامهم. وحول علاقة الجماعة بقطر، أوضح السيسى بالقول إن مصالح الدول فوق الأفراد، والجماعة لا علاقة لها بدول، فهى ليست دولة حتى تقيم علاقة مع دولة. ورأى أنه ربما يتم التضييق على قيادات إخوانية وحمساوية أخرى بقطر، وأن مصير قناة "الجزيرة مباشر مصر"، التى تعتبر لسان حال الجماعة فى يد أصحابها – فى إشارة إلى قطر. وأكد أن تركيا ستقف بجوار قيادات الثورة المصرية، وعلى رأسهم قادة الإخوان، خاصة بعد وصول أردوغان إلى رأس السلطة هناك، وفى ظل اعتبار تركيا أمة إسلامية. قربانًا للسيسى لمحاربة داعش صعود داعش وتهديدها لدول الشرق الأوسط عامة، وتشكيل الحلف الدولى الجديد ومشاركة 9 من الدول العربية معه, أدى إلى مرونة الأطراف الخليجية، وقطر على وجه التحديد، لطى صفحة الخلاف ولو مؤقتًا. من هذا المنطلق، قالت قيادات ب"التحالف الوطنى لدعم الشرعية"، إن رفض جماعة "الإخوان المسلمين" للمبادرات المطروحة فى الآونة الأخيرة، ورفضها الانضمام للتحالف الدولى الذى تتزعمه الولاياتالمتحدة، كان السبب وراء ترحيل قياداتها بقطر. وقال مصطفى البدري، القيادى ب"الجبهة السلفية"، و"التحالف الوطنى لدعم الشرعية"، إن سبب ترحيل قطر لقيادات جماعة "الإخوان المسلمين"، يرجع إلى صمود الجماعة وعدم قبولها التفاوض، مع ما وصفهم ب"قادة الانقلاب"، إضافة إلى رفضها الانضمام للتحالف الدولى الذى تتزعمه الولاياتالمتحدة لوأد الثورات العربية، تحت ذريعة الحرب على الإرهاب. ورجّح البدرى أن تكون الوجهة لقيادات "الإخوان" إلى ماليزيا أو تركيا أو غيرهما، بحسب اختيار كل واحد منهم للدولة التى يريدها. وأضاف، أن هذه الخطوة فى إطار تنفيذ اتفاقية التصالح الخليجي، وخاصة بعد زيارة وزيرى الخارجية والداخلية ورئيس المخابرات السعوديين، لقطر. ووجه البدرى، الشكر لقطر على موقفها طوال الفترة الماضية، قائلًا: "نقدر صعوبة مواجهتها لضغوط إقليمية ودولية شديدة، قد لا تستطيع دولة فى حجم قطر الصمود أمامها". وفى السياق ذاته، قال الدكتور سعد فيّاض، القيادى بالجبهة السلفية وتحالف دعم الشرعية، إن ضغوطا دولية مورست على قطر دفعتها لمطالبة قيادات إخوانية بالرحيل من أراضيها، مؤكدًا أن السياسة القطرية لن تطرأ عليها أيةتغييرات، ولو افترض ذلك فهو تأكيد أن هذه الثورة مصرية خالصة، وهذا وسام شرف جديد للتحالف، بحسب تعبيره. وأضاف فيّاض فى تصريحات خاصة، أن "الضغوط الدولية على قطر قربان للسيسي، دافعها توريط الجيش المصرى فى حرب برية بالإنابة عن أمريكا والجيوش الغربية فى حربهم الدولية على داعش فى العراق والشام، وهو ما ترفضه الشعوب العربية". وتابع: "الحقيقة الراسخة أن كل يوم يمر على مصر فى الانقلاب، تزداد آلام الشعب ومعاناته، ولا سبيل أمام مستقبل حقيقى وكرامة وحرية لهذه البلاد إلا بإسقاط الانقلاب العسكري، وهو ما يترسخ فى الوعى المصرى كل يوم، ومن أول يوم كان قرار التحالف أن قيادته فى الداخل، وأن من فى الخارج يؤدون أدوارًا دبلوماسية فقط، ولذلك فالتحالف لن يتأثر بهذا، وأتوقع مزيدًا من التصعيد الثوري، خاصة من شباب الجامعات الأيام القادمة". وأكد فيّاض أن الغرب هو من يحتاج تيار الإسلام السياسى وليس العكس، وأن التسريبات التى تقول إن بريطانيا ستحد من أنشطة الإخوان على أراضيها، تأتى تأكيدًا على استقلالية التيار الإسلامى وعدم تماهيه مع الأجندة الغربية، وتقديمه لمصلحة الوطن والأمة الإسلامية. وبخصوص مصير القيادات الإخوانية التى طلبت الحكومة القطرية منهم الرحيل من أراضيها، قال فياض، إن الترتيبات المقررة لهم لا علم لقيادات التحالف بها، وتخضع لوجهتهم الشخصية. فى ذات السياق، أرجع المهندس هانى سوريال، المفكر القبطي، وأحد القيادات المعارضة، الحرب الدولية على داعش، فى الخطوة التى اتخذتها قطر فى ترحيل 7 من قيادات جماعة الإخوان المسلمين من أراضيها. وقال سوريال، إن دخول داعش فى الحسابات السياسية فى المنطقة، أثر بالسلب أو الإيجاب على بعض الدول، وظهر للمراقبين أن دولة مثل دولة قطر الشقيقة قد آثرت مصالحها أولًا.