حذر خبراء سياسيون وعسكريون من مخطط لتوريط مصر عسكريًا في دول مثل العراق وليبيا، بعد أن طالبت الولاياتالمتحدة مشاركتها في التحالف الدولي الجاري تشكيله ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، إلا أنها لم ترد بعد على طلب مشاركتها في عمل عسكري ضد التنظيم. يأتي ذلك بعد في الوقت الذي تسعى فيه الولاياتالمتحدة إلي تشكيل تحالف يضم دولا عربية لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، وبعد أن طالب أحد كبار المسؤولين في البيت الأبيض، من السلطات المصرية إمداد التحالف الدولي بالمعلومات المتوفرة لديها عن التنظيم، وبحسب مصدر دبلوماسي رفيع. إلا أن مصر لم ترد إيجابًا أو سلبًا على الطلب، لانشغالها في "مواجهة الإرهاب داخل مصر، والقضاء على بؤره التي تستهدف قوات الجيش والشرطة"، وفق المصدر. وقال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري اليوم، إن الولاياتالمتحدة تؤمن بأن مصر تقف في الخطوط الأمامية لمعركة محاربة الإرهاب، ولذلك أعلنت أمريكا الشهر الماضي اعتزامها إرسال 8 طائرات حربية إلى مصر. وأضاف كيري، خلال مؤتمر صحفي عقد على هامش زيارته إلى مصر اليوم، أن خطر التنظيمات الإرهابية سيطول الجميع بلا استثناء، قائلاً "شر تنظيم الدولة الإسلامية المعروف باسم داعش لا يعترف بأي حدود ورسالته الكراهية والقتل ولا علاقة له بالإسلام". وشدد وزير الخارجية الأمريكي على أهمية بناء تحالف دولي لدعم الحكومة العراقية بما في ذلك تقديم العمليات العسكرية والمساعدات الإنسانية والمعالجات السياسية، داعيا إلى ضرورة إيقاف تدفق المقاتلين الأجانب إلى العراق. واجتمعت في مدينة جدة السعودية يوم الخميس الماضي، دول الخليج الست، وتركيا ومصر والأردن والعراق ولبنان، بمشاركة الولاياتالمتحدة، وتمخض الاجتماع عن دعم الدول العربية ال10 للتحركات الأمريكية ضد "الدولة الإسلامية". وجاء ذلك بعد أيام من تصريحات نبيل العربي، الأمين العام لجامعة الدول العربية، التي كشف فيها عن اتجاه عربي لتفعيل اتفاقية الدفاع المشترك بين الدول العربية بمشاركة القاهرة. فيما ذكرت صحيفة "العرب اليوم" الأردنية، أنه تم وضع ميزانية مبدئية لعمل مجلس الدفاع العربي تقدر بنحو 2 تريليون دولار، بهدف تزويد جيوش الدول المشاركة في عضويته بأحدث الأسلحة، وهذه الميزانية تعد ضعف ما تخصصه وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" لعملها إذ بلغت تريليون دولار عام 2013. ووصف العميد صفوت الزيات، الخبير العسكري والاستراتيجي، دعوة العربي لإحياء اتفاقية الدفاع العربي المشترك بأنها "متأخرة ومبهمة وفي توقيت غامض"، وقال إن "العالم العربي يمر بمرحلة إذا لم يتنبأ فيها بالأخطار التي تحيطه بشأن التحالفات الإقليمية والدولية سيكون أمام كارثة جيوبولتيكية خطيرة". وأضاف، أن "الأمر الأخطر الذى يواجه الدول العربية أن نظمها السياسية لا تعلم إلى أين تتجه وما مصير التحالفات الدولية التي تبنى عليها توجهها الإقليمي، وعلى رأسها التحالف مع الولاياتالمتحدة، وما هي الحالة التي ترغب واشنطن الوصول إليها بالمنطقة". وبخصوص تهديدات "داعش" للمنطقة العربية وعلى رأسها الخليج ومصر، رأى الزيات أن "ظهور داعش جاء نتيجة لمظلوميات تاريخية تعرضت لها الطائفة السنية الأكبر والمتواجدة فى منطقتي العراق والشام، بسبب سياسات الهيمنة الإيرانية، والسياسات الطائفية التي قامت عليها حكومات بغداد ودمشق فى الآونة الأخيرة، والانسحاب الأمريكي المفاجئ من العراق فى 2011 بعد احتلالها أوائل القرن الحالي". وتساءل الزيات: "هل ستتعاون الدول العربية ضمن تحالف دولي لمواجهة "داعش" كما فعلت إبان حرب الخليج أوائل التسعينيات من القرن الماضي، وغزو العراق في 2003، دون تحديد ماذا بعد الغزو، وما هي السياسة التي ستتبناها تلك الدول لإعادة إحياء البيئة المناسبة تمنع ظهور داعش جديدة، وما هي ترتيباتها السياسية فى المنطقة قبل التحالف والتحرك الدولي لمواجهتها؟ حتى لا تتكرر تجربة غزو العراق"؟. وقال إنه "في حال تم القضاء على داعش, فهناك داعش أخرى قادمة، لأن البيئة التي نبتت فيها الحركة ما زالت على ما هي عليه، فلم تنته جرائم الحرب والإنسانية، ولم تتحقق حقوق الإنسان"، مؤكدًا أن اتفاقية الدفاع العربي أهدرت منذ اتفاقية "كامب ديفيد" التي وقعتها مصر مع إسرائيل، وبها بدت الالتزامات بالنسبة للاتفاقية الدولية أهم من الاتفاقيات المحلية والإقليمية، وعلى رأسها الدفاع المشترك مع الدول العربية. وتابع، أن "غزو العراق واحتلاله والحروب الإسرائيلية تجاه حزب الله فى 2006 وغزة فى 2008 و2010 و2012 و2014 لم تدفع العرب لتبنى الاتفاقية، فما هو الأخطر من ذلك؟ بالإضافة إلى أن دول الخليج فى حد ذاتها لها اتفاقيات دفاعية ثنائية ومقدمة تسهيلات جوية وبرية وبحرية للدول الغربية وعلى رأسها أمريكا وفرنسا وإنجلترا، وهى ليست فى حاجة للجيش المصرى". وحذر الزيات من أن أى تدخل عربي فى الشام أو العراق سيصنف تدخلًا طائفيًا وجبهويًا، ولن يقدم ولن يؤخر مهما كانت النتائج العسكرية. وقال اللواء طلعت مسلم, الخبير العسكري, إن "تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك بين الدول العربية، ستحتاج إلى مدة زمنية طويلة، نظرًا لوقف تلك المعاهدة منذ عام 1984، وإعادة تفعيلها يحتاج إلى تنسيق مع جهات عسكرية". وأكد مسلم أن إعادة تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك بين الدول العربية تحتاج إلى إعادة تشكيل لجنة عسكرية دائمة والهيئة الاستشارية لدى جامعة الدول العربية، والتي توقفت عن العمل منذ مدة طويلة لذا إعادة تلك الجهات للعمل مرة أخرى لن ينتهي بين ليلة وضحاها. وأضاف أن الدول العربية فى حاجة إلى تفعيل القانون بعد التهديدات التي تقوم بها داعش للدول العربية, وأن دخول داعش مصر أمر لن يُسمح به حتى إذا كانت الأوضاع غير مستقرة فى ليبيا. وقال الدكتور سعيد اللاوندي, خبير العلاقات السياسية والدولية بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية ب "الأهرام"، إنه "لن يتم تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك بين الدول العربية، لأن تفعيلها مرهون بموافقة جميع الدول المشاركة فى الاتفاقية ولن يسمح لأي دولة بتوجيه ضربة دون اتفاق باقي الدول". وأضاف اللاوندي، أن "تفعيل الاتفاقية يخدم أهداف أمريكا لضرب العراق مرة أخرى", واصفً داعش بأنها "صناعة أمريكية, وتخدم أهداف أمريكا الدنيئة, وتوجيه ضربة لداعش بالعراق يخدم مصالح أمريكا فقط". واستبعد دخول "داعش" مصر، في ظل ضعف قدرتها وبنيتها، ولأن "الجيش المصرى العظيم وكذلك الشعب المصرى لن يسمحا بذلك"، معتبرًا أن "الخطر الحقيقي من داخل مصر هو التنظيم الإرهابي وبيت المقدس".