تعددت تجارب الامم في ضبط وتنظيم الاداء الاعلامي للعاملين في المؤسسات الاعلامية واختلفت المؤسسات والهيئات وفقا للانظمة السياسية والثقافة المجتمعية ومستوي الوعي لدي جمهور وسائل الاعلام وفيما يلي بعض التجارب ذات الاهمية للحالة المصرية . 1- تجربة لولايات المتحدةالامريكية (الهيئة الفيدرالية للاتصالات(FCC) تعد الهيئة الفيدرالية للاتصالات هيئة حكومية أمريكية مستقلة وهي مسئولة بشكل مباشر أمام الكونجرس الأمريكي، تم تأسيسها بمقتضي قانون الاتصالات لعام 1934 وتم تكليفها بتنظيم الاتصالات المحلية والدولية الإذاعية والتليفزيونية واللاسلكية واتصالات الأقمار الصناعية والكابلات. تغطي اختصاصات الهيئة الفيدرالية للاتصالات خمسين ولاية ومقاطعة كولومبيا وكافة المناطق التي تدخل في حيازة الولاياتالمتحدةالأمريكية. ولقد توجه الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات للمكتب الدولي التابع للهيئة الفيدرالية للاتصالات من بين مكاتبها الستة ويتألف المكتب الدولي من ثلاث إدارات: إدارة السياسات وإدارة التحليلات الإستراتيجية والمفاوضات وإدارة الأقمار الصناعية. 2- التجربة الالمانية: تنظيم الإعلام في ألمانيا يستمد قوته من المادة الخامسة من الدستور والتي تنص على: "لكل إنسان الحق في التعبير عن رأيه ونشره بالكلمة والكتابة والصورة، كما أن له الحق في الحصول على المعلومات من المصادر المتاحة للعامة دون أي إعاقة. كما يجب أن يتم ضمان حرية الصحافة وحرية نشر الأنباء الصحفية من خلال وسائل البث والأفلام، ولا ينبغي إخضاعها لأي رقابة." بينما تحدد الفقرة الأولى – المذكورة سالفاً – الحريات، وتمنع تدخل الدولة، فإن الفقرة الثانية تضع الضوابط والتي تعتبر مصدرًا هامًا لكافة التشريعات الإعلامية، وبالتالي لتنظيم وسائل الإعلام: "تنطوي محددات هذه الحقوق ضمن أحكام القوانين العامة، والأحكام الخاصة بحماية الأحداث، وحق الشرف الشخصي" وقد أصدرت المحكمة الدستورية الألمانية عدة قرارات توضح أن تلك المادة ليس من شأنها حماية المواطنين (ووسائل الإعلام) من الرقابة فحسب، بل ومن شأنها أيضًا إلزام الدولة بالعمل على وجود نظام إعلامي يضمن تحقيق الأهداف المذكورة: الديمقراطية والتكامل الاجتماعي. تنظيم الصحافة الالمانية: ألمانيا الاتحادية هي دولة فيدرالية، تتولى فيها الولايات الفيدرالية مسئولية الشئون المتعلقة بالإعلام والصحافة. لذا فإن ألمانيا يوجد بها من القوانين الخاصة بالصحافة ما يوازي عدد الولايات الموجودة بها. وبشكل عام فإن القوانين الخاصة بالصحافة تهدف إلى: أ) حماية التعددية الصحفية، ب) حماية جودة المحتوى الصحفي. وبالرغم من بطء التوجه نحو التركيز في المجال الصحفي، ومع وجود عدد كبير من مختلف الصحف، إلا أن أكبر خمس دور نشر تسيطر على حوالي 45 في المائة من إجمالي حجم السوق. وقد تم وضع تشريع خاص بمراقبة عمليات الدمج، وذلك من أجل حماية التعددية الصحفية (ومنع هيمنة السوق)، ويحقق هذا التشريع فاعلية في منع سيطرة دار نشر واحدة على أكثر من ثلث حجم السوق. كما توجد العديد من التشريعات التي تستهدف المحتوى الصحفي من خلال تحقيق معايير محددة. بالإضافة إلى سريان القوانين الجنائية على الصحفيين، فمثلا: - يحظر عليهم نشر الأسرار الخاصة بالدولة - يحظر إثارة الفتن الطائفية أو العرقية أو الدينية - يحظر القانون الجنائي الألماني الدعوة إلى شن حروب عدائية - كما يحظر إنكار حدوث الهولوكوست ويجب النظر لتلك الأحكام في ضوء الإلمام بالتاريخ النازي الديكتاتوري والجرائم التي ارتكبت باسم ألمانيا ضد العديد من شعوب العالم. وبعيدًا عن تلك المحظورات، توجد أيضًا الضوابط التي تهدف لحماية حديثي السن من المواد الإباحية والعنف. وأخيرًا هناك الحقوق الشخصية للأفراد، حيث يحق للأفراد مقاضاة وسائل الإعلام إذا ما استشعروا انتهاكًا لحقوقهم الشخصية من قبل تلك الوسائل. تقوم القوانين الخاصة بالصحافة – بالإضافة إلى القوانين العامة – على وضع الضوابط الخاصة بعمل محرري الصحف والصحفيين. ومع اختلاف القوانين الخاصة بالصحافة من ولاية لأخرى، إلى أن جميع القوانين الخاصة بالصحف تحتوي على مواد بعينها متعلقة بمساءلة الصحفيين والتقصي النافي للجهالة، بالإضافة إلى النص على الفصل الواضح والصريح بين المحتوى التحريري والمحتوى الإعلاني. وتحمي تلك القوانين في الوقت ذاته صالات التحرير من قيام السلطات بحملات التفتيش والمصادرة ضدها. للصحفيين أيضًا الحق في إخفاء مصادر معلوماتهم. وأخيرًا، تلزم القوانين الصحف بنشر تكذيب أو رد في حالة نشرها لأخبار مغلوطة. المجلس الالماني للصحافة: أنشئ عام 1956، ويمثل أعلى هيئة مسئولة عن التنظيم الذاتي للصحف. يمثل المجلس الألماني للصحافة جمعيات الناشرين والصحفيين على حد سواء، ويكون التكافؤ في التمثيل مضمون في كافة الأجهزة التابعة له – حتى في لجنة الشكاوى، ففي الفصل الأول من الإجراءات الخاصة بالشكاوى يتم النص بوضوح على مهمة تلك اللجنة على أنها: "لكل شخص – بشكل عام – الحق في التقدم بشكوى إلى المجلس الألماني للصحافة بخصوص مايتم نشره بخصوص أية إجراءات تخص الصحافة الألمانية أو أي شئ يتم نشره بها. كما أنه يحق لأي شخص يرى في نشر المعلومات الشخصية – لأغراض صحفية أو تحريرية سواء في إطار البحث أو النشر – انتهاكًا للحق في حماية البيانات، أن يتقدم بشكوى" تُجرى المداولات ويتم اتخاذ القرارات في المجلس الألماني للصحافة بناءًا على "مدونة الصحافة الألمانية" لعام 1973. وتُعرِّف تلك المدونة المعايير الأخلاقية والمهنية للصحافة بشكل واضح. وتنص المدونة في ديباجتها على وجوب إلمام كل من الناشرين والمحررين والصحفيين بمسئولياتهم تجاه العامة، ومعرفتهم بواجبهم في "الحفاظ على هيبة الصحافة". كما يتم التنويه للدستور والقوانين الدستورية و"واجب" الصحافة في الدفاع عنهم وحماية حرية الصحافة. تجتمع لجنة الشكاوى بشكل دوري لمناقشة الشكاوى المقدمة، وتوجد أربعة جزاءات من الممكن إيقاعها في حالة وجود مادة منشورة "غير أخلاقية" أقساها هو "توجيه اللوم العلني" – والذي يعد دعاية سيئة للجريدة. تنظيم البث: مبدئيًا، يوجد في ألمانيا نظام مزدوج للبث: من ناحية يوجد الإرسال الإذاعي والتليفزيوني العام (الحكومي)، ومن ناحية أخرى توجد وسائل الإعلام المرئي والمسموع الخاصة (ابتداءً من منتصف الثمانينات). ولأسباب جلية تختلف الآليات التنظيمية الخاصة بكل منهما اختلافا جوهريا. 1. الإرسال الهوائي العام تنص المادة الخامسة من الدستور الألماني على ضمان حرية البث، ويعني ذلك أن البث يجب أن يتمتع بالحرية من رقابة الدولة. بعد الحرب العالمية الثانية لم يتوفر الأساس الاقتصادي اللازم لتنامي وجود محطات بث هوائي خاصة، ولذلك سنت الولايات قوانين خاصة بها تنص على إنشاء محطات بث عامة – و"مستقلة عن الولاية" في ذلك الوقت. وفي مناطق أخرى من ألمانيا تم إنشاء محطات بث تتم إدارتها بشكل ذاتي ويسيطر عليها "مجالس البث"، وهو مالا يمكن مقارنته ب "مجالس المحافظين". وقد تم تنظيم عملية العضوية في تلك الأجهزة القوية من خلال القوانين المحلية الخاصة بوسائل الإعلام. وفي كل الأحوال تكون الأغلبية لممثلي الجهات المستقلة (غير التابعة للولاية)، ويمثلون "قطاعات مجتمعية" متعددة مثل الاتحادات التجارية وجمعيات أصحاب الأعمال والجمعيات الثقافية والرياضية والهيئات الدينية والأحزاب السياسية والمنظمات الأهلية...الخ. يضمن هذا النظام حماية التعددية بداخل نظام البث العام الألماني، فمن غير الممكن في هذا النظام عدم حصول الأصوات المُمَثلة في المجتمع على مساحات متساوية في البرامج التي يتم بثها. وتعمل "مجالس البث" بشكل مشابه لطريقة عمل البرلمانات، حيث تتولى انتخاب رئيس لمحطة البث والإشراف على البرنامج واختيار العاملين وإقرار الموازنة وتقدم محطات البث العام نفسها باعتبارها قائم على تقديم خدمة عامة، وتتعامل من هذا المنطلق. فتلزم تلك المحطات نفسها بمعايير صحافية متميزة وتنفق الكثير من الأموال على تدريب العاملين بها، كما تلتزم بمدونات السلوك الداخلية الخاصة بها. وقد اعتبر "بيان التعهدات للمشاهد والمستمع" الخاص بهيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي مقياسًا معياريا لتلك القواعد التنظيمية الداخلية. وتحصل محطات البث العام على "نظير مادي" لقاء الخدمات المقدمة، ويتم تحصيل هذا المقابل المادي من خلال هيئة عامة متخصصة في هذا الشأن – وليس من خلال الولاية – ثم يتم توزيعه على عدد من محطات البث. تدفع كل أسرة ألمانية حوالي عشرين يورو شهريًا، وهو ما يمكن محطات البث من تحصيل مبلغ كاف (جدا) لإنتاج برامج عالية الجودة. تنتج محطات البث العامة – حاليا – أكثر من خمسة وعشرون برنامجا تليفزيونيا (على المستوى الإقليمي) وأكثر من ستين برنامج إذاعي. ويتساءل النقاد حول جدوى وجود كل تلك البرامج بالنظر إلى التوسع المتزايد في مجال البث الخاص والإنترنت. . البث الخاص: مع بدء ظهور القطاع الخاص في مجال البث أصبح لألمانيا نظاما مزدوجا حيث تتولى السلطات الإعلامية الإشراف على محطات البث الخاصة، وتتم مراقبتها بنفس الطريقة المتبعة مع محطات البث العامة. يتم تمويل تلك الهيئات من خلال رسوم البث، وتتمثل مسئوليتها الرئيسية في منح التراخيص أو الامتناع عن إصدارها في حالة وجود خطر التركيز أو غياب التنوع. ويتم هنا تطبيق معادلة معقدة، تمنع بمقتضاها أي محطة بث خاصة من الاستحواذ بمفردها على أكثر من ثلاثين بالمائة من الحصة السوقية. كما يقتضي العمل بتلك المعادلة أن يكون أربعون بالمائة من الحصة السوقية (من ناحية نسبة المشاهدة) مخصصة لمحطات البث العامة
* استاذ الاعلام بجامعة المنيا ورئيس جمعية حماية المشاهدين والقراء