احمد السرساوى امام بيت الاذاعة الذى كان جوبلز يذيع من خلاله بيانات هتلر اقدم اسانسير في العالم مازال في الخدمة حتي الان الإحساس بالرهبة والقوة أكثر ما يفاجئك لحظة دخولك »بيت الاذاعة« في برلين. فهذا المبني الضخم الممتد علي شكل مثلث متساوي الأضلاع طول كل منها 004 متر ويرتفع لأكثر من خمسة طوابق.. هو قصر له تاريخ!. هنا يوجد أندر شريط إذاعي وأقدم أسانسير مازال يعمل في العالم.. والأهم أنه المقر الذي أدار منه جوبلز وزير الدعاية الشهير ترويجه لحروب هتلر، ومن هنا انطلق قولته الشهيرة: »اكذب واكذب ثم اكذب حتي يصدقك الناس«! لكن كل شيء تغير في هذا المبني العتيق ما عدا الحفاظ علي طابعه الأثري.. فأصبح يضم واحدة من أحدث شبكات البث الاذاعي والتليفزيوني وعلي الانترنت أيضاً ليس في ألمانيا وحدها بل في العالم كله، وأصبحت شبكة RBB التي تبث من المبني أكثر شبكات الإعلام الألماني مصداقية وتحظي بمتابعة الملايين. »أخبار اليوم« زارت المبني الواقع في شارع مازورين آليه في برلين، ضمن متابعتها لنهضة الصحافة الإلكترونية في ألمانيا، ولكن قبل التعرف علي هذا الجانب دعونا نتجول قليلاً في هذا المبني الفريد الذي يعد معجزة هندسية كما قال لنا مرافقنا من شبكة ل RBB وهي تعني إذاعة برلين وبراندنبورج، أي انها إذاعة مشتركة لولايتي برلين وبراندنبورج المتلاصقتين، وقد بدأت الشبكة العمل من المبني إبتداء من عام 3002. ويتخذ المبني من الخارج شكل المثلث متساوي الأضلاع، ويتوسطه بهو فسيح علي نفس الهيئة، وتتصل ممرات طوابقه الخمس في شكل مثلث أيضاً، والأعجب أنه يضم 3 مصاعد أو سلالم رخامية تنتشر حول أركان المبني وتلتف حول نفسها علي هيئة مثلث، بجانب المصعد الكهربائي القديم الذي مازال يعمل بكفاءة نادرة رغم تشغيله مع المبني قبل عام 1391. وفي الطابق الثاني من المبني من الجهة الغربية كان يقع مكتب جوبلز وزير دعاية هتلر الذي استخدم الاذاعة لإلهاب حماس الجماهير وإذاعة خطابات هتلر والأناشيد الحماسية الألمانية، بسبب ولع الألمان ومازالوا بالاستماع إلي الراديو رغم أن الفضائيات والصحافة والانترنت تكتسب أهمية كبري في حياة الشعب الألماني الآن ويستهلك منها أضعاف ما يستهلكه المواطن ليس في افريقيا ولا آسيا.. بل في أوروبا نفسها. أحدث إحصائية في هذا الصدد صدرت عن مركز الإعلام الدولي في هامبورج خلال الشهر الماضي فقط تقول ان 69٪ من الألمان فوق سن 41 سنة يستخدمون الانترنت بكل تطبيقاتها، و38٪ يشاهدون التليفزيون، و76٪ يستمعون إلي الراديو، و35٪ يداومون علي الجرائد اليومية »وصل عددها 253 يومياً« و34٪ يقرأون المجلات الاسبوعية »43 مجلة«، بينما يتابع 42٪ من الألمان الأخبار علي المحمول!!. والمثير أن الشعب الألماني لا يتلقي إلا إعلام بلاده الوطني، فليس هناك بث فضائي أو إذاعي أو حتي علي الانترنت يوجه للألمان من أي بلد خارجي باللغة الألمانية أو غيرها، وأكد لنا د.شتيفن بوركهارت أستاذ الإعلام وعلوم الاتصال بجامعة هامبورج أن ألمانيا تحقق السيادة الإعلامية الكاملة علي أراضيها من خلال الإعلام الوطني. ولأن الصحافة حرة تماماً في ألمانيا والإعلام يقول ما يريد فإن هناك شفافية مطلقة وصراحة بلا حدود في مناقشة الشأن العام فيستمع المواطن الألماني ويتابع الأحداث من عدة زوايا واتجاهات سواء من التليفزيون والراديو العمومي »وليس الحكومي« الذي يتم تمويله مباشرة من الجمهور بمعدل 81 يورو شهرياً لكل من يملك جهاز راديو أو تليفزيون أو كمبيوتر متصل بالانترنت.. بجانب القنوات الخاصة وهي كثيرة ومتعددة لكن لا يسمح فيها بأن يمتلك أي حزب سياسي قناة تليفزيونية، كما لا يسمح لأي فرد أو مؤسسة أو رجل أعمال ان تتجاوز حصته في رأيي مال أي قناة 03٪ حتي لا يسيطر أحد علي عقول الجماهير، وباختصار لا يستطيع أحد »اللعب في دماغ« الألمان، خاصة مع نظام تعليم راق ومتفوق ويكرس للتفكير والابداع. ومع كل هذه الحرية إلا أنها غير منفلته، فهناك من التنظيمات الألمانية ما يضمن تقويم الايقاع الإعلامي، سواء كانت تنظيمات تابعة لأبناء المهنة كنقابات الصحفيين والاعلاميين أو غيرها من التنظيمات التابعة للولايات والتي يحق لأي منها الاعتراض علي اي موضوع نشرته أو بثه أي وسيلة إعلامية بشرط أن تملك أسباباً حقيقية لتلك الشكاوي، أي تكون جدية وليست مجرد شكاوي كيدية وإلا تم حفظها. ورغم أن المبني يضم متحفا صغيرا خاصا به يشمل مقتنياته القديمة من ماكينات إذاعية وشرائط يعد أحدها أقدم شريط إذاعي مسجل عليه أناشيد ألمانية وموسيقي ومقاطع من خطب الزعماء السياسيين في بداية الثلاثينيات. إلا أنه يضم اليوم أحدث ما في العالم من تكنولوجيا البث عبر الأقمار الصناعية والانترنت، ويملك المذيع كل ما يمكنه من ملاحقة أحدث الأخبار أولاً بأول من داخل الاستوديو بمهارة فائقة. لكن مهارة العاملين في شبكة ال(RBB لا تتوقف فقط علي ملاحقة الأخبار واستخدام أحدث ما في العصر من تكنولوجيا لأن المسألة أعقد من ذلك بكثير، فجمهور المحطة هو خليط من البشر يعيشون داخل برلين العاصمة وفي ولاية براندنبورج التي كانت ضمن حدود ألمانياالشرقية سابقاً، وهناك حساسية خاصة في تناول بعض الموضوعات المتعلقة بالشعب الألماني قبل الوحدة، كما أن سكان المنطقة خليط بهم نسبة كبيرة من الأتراك والمسلمين والمسيحيين، ومن قيم المحطة الثابتة ألا يتم التمييز بين أي منهم وهو ما يستدعي مهارة أخري اضافية للعاملين فيها.