بدا المشهد عقب انقلاب الثالث من يوليو وكأننا نعيد اكتشاف الإسلام من جديد ، أوكأننا فى حاجة ماسة إلى إعادة تحرير المضامينوفك الإشكاليات التى سببت لنا أزمات متتالية وكانت سبباً – من وجهة نظر البعض – فى حدوث ما حدث . وكان من ضمن الأسئلة التى طرحت سؤال السياسة والدعوة ومضمونه أن الحركة الإسلامية لن تجمع بين السياسة والدعوة وأن على أن تختار ما بين السياسة والدعوة ، إذ الاثنان لا يجتمعان بأى حال من الأحوال ( هكذا قيل ) كما أن الحركة الإسلامية أضرت كثيرا بالدعوة حينما انجرفت إلى عالم السياسة . هذه الأسئلة وغيرها إنما تطفو على السطح فى حالات الضعف والتأزم والهزيمة تذكرك بتلك النوعية من الأسئلة التى طرحت عقب وقوع مصر فى براثن الاحتلال إذ ظهرت نوعية من الأسئلة تعكس حالة الهزيمة الداخلية أمام المحتل الغاصب ومحاولة إلقاء تبعية الهزيمة على منظومة العقائد والقيم وكأنها هى المسؤولة عن الهزيمة فكانت الأسئلة آنذاك تحاول رسم مسارات جديدة للأمة تعيد تعريف انتماءها وعمقها ومستقبلها ، فظهرت أسئلة الأصالة والمعاصرة ، القديم والحديث ، الدين والدولة ، مستقبل ثقافتنا ... إلخ هذه الحالة تم إعادة إنتاجها بعد الثالث من يوليو على وقع ما اعتبره البعض هزيمة للمشروع الإسلامى ولتياره الأكبر ( الإخوان المسلمون ) وعلى خلاف سابقتها فقد خرجت هذه الأصوات من داخل التيار الإسلامى مع ملاحظة أن معظمهم لم يكن فى حالة تصالحية حقيقية مع ثورة 25 يناير ولم يكن يريد الاعتراف أن عقارب الزمان قد دارت دورتها ولن تعود للوراء مرة أخرى ومن ثم فلم يكن من المتصور أن يدرك أن ما حدث فى يوليو من العام الماضى من الإطاحة بأول رئيس مدنى منتخب إنما يمثل حلقة من حلقات ثورة يناير التى لم تكتمل فصولها حتى الآن فما حدث لم يكن نيلا من الإخوان ولا من التيار الإسلامى بقدر ما كان استهدافاً لثورة يناير بجميع شخوصها ومكوناتها وهو ما اتضح بعد ذلك فى استهداف شباب الثورة من اليمين واليسار بالسجن وحملات التشهير والتجريس ، ولكن التيار الإسلامى ناله الضرر الأكبر باعتباره المكون الأكبر لثورة يناير . انقلاب الثالث من يوليو على الرغم من فداحته إلا أنه كشف عمق الأزمة الفكرية داخل بعض الأطياف فى الحركة الإسلامية فسؤال السياسة والدعوة سؤال تم إقحامه إقحاماً فى نقاشاتنا وجدلنا إذ إنه غير ملزم لنا ابتداء من واقع ملتنا وعقيدتنا فقد مارس الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – الاثنين معا ولم ينقل عن أحد من العلماء الثقات أنها حالة مخصوصة به صلى الله عليه وسلم . دعك مما سبق فإن واقعنا وواقع أمتنا هو الذى فرض على الحركة الإسلامية أن تقوم بالأمرين معاً وإلا فأين فى عالم السياسة من يكفيها ذلك ؟!! وقد اختار حكامنا منذ حوالى عقدين من الزمان وإلى الآن العلمانية السلطوية دينا يدينون به ويسوقون به العباد قسراً وبحد السيف ورهبة السوط يرغمونهم عليه . أما فى عالم الدعوة فالأمر أشد وأنكى بعد التخاذل الكبير للمؤسسات الدينية الرسمية فى القيام بمهام الدعوة والإصلاح ولولا الجهد الكبير الذى بذلته الحركة الإسلامية فى مضمار التربية والدعوة على مدار عقود متتابعة لصرنا إلى أوضاع أسوأ مما هى عليه الآن . وقد عاينا جميعا أداء وزارة الأوقاف فى عهد وزيرها الحالى الذى صار عليه ألف علامة استفهام فى ظل هجمته غير العادية على المساجد والدعوة !! ثم إن هذا السؤال القلق قد يكون مقبولاً لو أن التجربة طال أمدها فكيف والأمر لم يتعد السنتين ونصف وعدنا إلى قبل 25 يناير 2011 . السياسة أو الدعوة ، سؤال تم فرضه تحت وقع الهزيمة ولكنه عكس انعكاسات علمانية واضحة على بعض الرؤى الأطروحات التى وقعت فى الفخ العلمانى دون أن تدرى فانجرفت إلى تفكيك مسارات لم يعرف تاريخنا الفكرى لها تفكيكاً ولكن البعض يسمح لنفسه بالوقوع تحت الضغط العلمانى المتزايد حتى يبدأ فى تفكيك منظومته الفكرية ترساً وراء الآخر ، والعجيب أن من طالب الإسلاميين بالاختيار مابين السياسة أو الدعوة لم يطالب العلمانيين يوماً بالاختيار ما بين الكتابة والمحاضرة والتنظير وما بين السياسة والعمل الحزبى ! وهى مفارقة عجيبة . أسئلة الهزيمة أوضحت بجلاء أن بناءنا الفكرى فى حاجة إلى ترميم ليواكب أشواق وتطلعات الشعوب فى نيل حريتها واسترداد كرامتهاوإلا فستفنى أجيال وتتعاقب أجيال ولا شغل لها سوى القيل والقال .