* ماالذى يجرى ويحدث في الإعلام هذه الأيام..؟. لقد قيل : لكل شئ حلية وحلية النطق الصدق . وقيل أيضا : الصدق عمود الدين وركن الأدب وأصل المروءة . فأين الصدق والأدب والمروءة فى الإعلام هذه الأيام..؟. هل صار الإعلام كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء , حتى إذا جاءه لم يجده شيئا , بل ووجد عنده النفاق والشقاق وسوء الأخلاق . وكأني بإعلامي اليوم يرددون قول القائل : والله لو لم نكذب لانشقت مرارتنا ...؟. إن الحر الكريم لايكذب أبدا إلا من مهانته أو فعله السوء أو قلة الأدب . وباليتهم يعلمون كما يقول القائل : لبعض جيفة كلب خير رائحة...... من كذب المرء فى جد وفى لعب . لكن يبدو أن بعض الإعلاميين اليوم يجعلون رزقهم أنهم يكذبون .
* لم تشهد مصر فى عمرها المديد إعلاما يقلب الحقائق ويشعل الحرائق مثل ماتشهد مصر فى هذه الأيام من كذب ممنهج وافتراء مرتب وتشويه وتدليس وتدنيس فاق قدرة العقل البشرى على التصديق . تشعر وكأن هذا الإعلام يخاطب مجانين أفرج عنهم توا بكفالة من مستشفى الأمراض العقلية...! . وهم لايعلمون أن المواطن المصري لم يعد أسيرا للإعلام الميرى الرسمي الموجه من الغرف المغلقة . كما كان من ذى قبل . قد نبذ المواطن الواعي هذه القنوات وهذه الصحف الصفراء وراء ظهره ولم يعد يعيرها أي اهتمام لأنها فقدت مصداقيتها . إنه إعلام العار الذي شوه وجه مصر وحط من قدرها وجعلها فى مؤخرة الأمم والشعوب . لم يعد هذا الإسفاف الإعلامي ينطلى على أحد بعدما تحول بعض الإعلاميين والكتاب إلى مخبرين ينقلون الأخبار ويكتبون التقارير وينتظرون التعليمات .
* إن هذا الإعلام لايمكن أن يكون إعلاما طبيعيا عاقلا يخاطب أناسا طبيعيين عقلاء عندهم القدرة على الفهم والتحليل والنقد . اشعر أن هذا الإعلام فقد عقله وفقد صوابه وتخلى عن رسالته المهنية ليذكرنا بأعلام النكسة فى العام 67 حيث صور لنا الإعلام أننا انتصرنا على جيش العدو الصهيوني واصطدنا طائراته كما يصطاد الصياد العصافير الشاردة فى يوم عاصف ممطر فتهاوت وتحطمت وانكسرت...! ثم يفاجأ الشعب المصري بما حدث من هزيمة ونكسة وانكسار. هكذا يفعل الإعلام اليوم. دماء المصريين فى كل مكان تسيل.. وكاميراتهم تصور زقزقة العصافير على ضفاف نهر النيل...! المظاهرات فى كل مكان وهم قد أصابت ذاكرتهم الزهايمر والنسيان. أين هذا الإعلام من واقعنا اليوم..؟
* لانريد إعلاميين الثعبان الأقرع الذين يذكروننا " ببهلوان السيرك في الأسواق. يشغلون الناس ويفتونهم بغير علم . يقولون مالا يفهمون . كره الناس وجوههم وسئموا طلعتهم لأنهم هم هم الذين تصدروا الفضائيات فى أيام الطاغية المخلوع . ليتهم يبحثون لهم عن مهنة أخرى يمتهنوها , أو عمل آخر يعملون به ويرتزقون منه بعيدا عن سياسية تزييف العقول وتغييب الوعي وطمس الحقائق وإشعال الحرائق . يجب أن يتصف الإعلامي الحر بالصدق والحيادية والموضوعية ومثل هولاء لايعملون ولا يتكلمون إلا وفق التعليمات التي تأتيهم بالنهار ليصدعوا بها رؤوسنا بالليل , فهم لم يكونوا ولن يكونوا يوما أحرارا يكشفون للناس الحقائق ويفضحون أوكار الفساد لأنهم هم أصل الفساد.
* نريد إعلام الرأي والرأي الآخر... ولا نريد الإعلام الأعور الذي يرى نصف الصورة ونصف الحقيقة ونصف الخبر . لانريد الإعلام الأحادي النظرة المعلوم الوجهة إعلام " ماأريكم إلا ماأرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد " الإعلام الفرعوني البغيض الذي يغازل أي نظام وشعاره دائما " أئنا لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين.." لانريد إعلام عصور الاستبداد المظلمة الذين تربوا فى كهوف العبودية يلعقون الأحذية ويسبحون بحمد أسيادهم . وإذا مات سيدهم بحثوا لهم عن سيد آخر لأن العبيد لايحلو لهم الحياة إلا تحت أقدام الطغاة...! . نريد الاعلامى الحر القوى الذي لايخشى فى الحق لومة لائم , ولايستئذن قبل الكلام ولا يخشى العتاب والملام…!؟.
* نريد إعلام النزاهة ... لاإعلام السفاهة...! نريد بحق إعلاما نزيها يرى الباطل باطلا والحق حقا دون خوف أو وجل أو حسابات سياسية ضيقة . نريد إعلاما نزيها يحمل فى أحشائه أجندة وطنية , لا إعلاما عميلا يحمل فى أحشائه أجندة خارجية من السفارات الأجنبية . نريد إعلاما نزيها يشخص الداء ويصف الدواء .. لاإعلاما سقيما مريضا يزيد الجراح فى جسم الوطن فيستمر نزيف الدم إلى مالا نهاية. نريد إعلاما يكون بلسما شافيا , لاإعلاما يكون خنجرا فى ظهورنا وغصة في أفواهنا وشوكة في حلوقنا .
* نريد إعلام العفاف لااعلام الإسفاف... نريد إعلاما يحافظ على ثوابتنا الدينية والحضارية ويحفظ لمصر ماء وجهها أمام العالمين.. لانريد إعلاما يصور مصر وكأنها تحولت إلى ملاهي ليلية وحانات لتناول الكؤوس وتمايل الرؤوس للسكارى والمخمورين...! نريد إعلاما عفيفا شريفا .. يعطى لكل ذى قدر قدره ولكل ذى حق حقه.. لاإعلام التفاهات والنفايات والسفاهات والترهات والخزعبلات. نريد إعلاما ينشر الفضيلة ويحارب الرذيلة . نريد إعلاما كريما لاإعلاما مهينا. نريد إعلاما ينقل الصورة كما هي دون تجميل أو مبالغة أو حذف أو إضافة حتى يكون بحق مرآة المجتمع . لكن يبدو أن زجاج المرآة قد علاها وغطاها أكوام من الأتربة والغبار فحجبت الرؤيا السليمة عن أعين القوم .
* نريد إعلام العمالقة... لاإعلام الأقزام....! إعلاما يسيره أهل العلم والثقافة والأدب والحلم والأخلاق والمعرفة والفكر , ولا يسيطر عليه أشباه البشر والأقزام الذين يأكلون على كل الموائد ويرقصون فى كل الموالد ويعزفون على كل الطبول ويتلونون كالحرباء فى الصحراء. نريد إعلام العمالقة الذين يرتقون بالمهنة إلى عنان السماء ولا يهبطون بها إلى الحضيض . لانريد إعلام الأقزام الذين تسلقوا فوق أسوار المهنة وتسللوا إليها لواذا من الأبواب الخلفية , أبواب الرشوة والمحسوبية والوساطة وعدم الكفاءة المهنية. نريد إعلاميين ذي شخصيات مستقلة عن أى نظام سياسي حتى لايدوروا فى فلكه ويأتمرون بأمره ويعملون فوق توجهاته , ولتذهب مصالح الشعب من وجهة نظرهم إلى سواء الجحيم .
* نريد إعلام الكفاءات لاإعلام الرداحين والرداحات.........! نريد إعلاميين أكفاء يقنعون المشاهدين ويجذبونهم . نريد إعلاميين مخلصين لاإعلاميين منافقين . نريد إعلاميين مثقفين فاهمين متحضرين . و لانريد إعلاميين متخلفين متسلطين . نريد إعلاميين يحسنون نطق الحروف والكلمات لاإعلاميين تتلعثم الحروف على شفاههم كما يتلعثم الطفل حديث الولادة فى نطق الحروف والكلمات...! نريد إعلاميين يحترمون عقل المشاهد وثقافة المشاهد , لاإعلاميين رداحين وإعلاميات رداحات , لايفرقون بين القنوات الفضائية والبرامج الحوارية وبين الخناقات والمشاجرات فى الحارات الشعبية...! . لابد للإعلامي المحترم أن يحترم عقول المشاهدين ولايفترض فيهم أنهم مجرد رؤوس فارغة يسهل حشوها بالقمامات التي تخرج من أفواههم..!؟.
* أيها الإعلاميون :
التاريخ لايقف محايدا أمامكم وتجاهكم . لأن صفحات التاريخ لاتعرف المجاملة , إما أن تبيضوا صفحات هذا التاريخ بأعمالكم وصدقكم وإنجازاتكم وتحترموا إرادة الشعب , وإما أن تسودوها بأكاذيبكم وترهاتكم وسواد أكاذيبكم . . فحددوا غايتكم وأهدافكم من إعلامكم ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا. لم ولن ينسى التاريخ إعلاميين نقشوا أسماءهم فى ذاكرة المصريين إلى يوم الدين . ونسى التاريخ إعلاميين وكتابا رتعوا فى حظيرة السلطان فكان مصيرهم التجاهل والنسيان . الحقيقة لاتجتزأ ولاتقبل القسمة على اثنين , فإما أن تكونوا صورة تعبر عن آلام وأمال الناس , وإما أن تكونوا أبواقا لأى سلطة تنتظرون الأوامر وتتلقون التعليمات وتنفذون التوصيات . واعلموا أننا بلغنا سن الرشد ولا نحتاج منكم إلى أن نعيش تحت وصايتكم وكفالتكم .