على مداخل كثير من معسكرات الجيش المصري حتى اليوم تقرأ اللافتات التي تبتهج بثورة 25 يناير ، وتعتبرها ثورة الجيش والشعب معا ، وعلى مدخل معسكر تدريب الشبان الجدد بالجيش في دهشور بأول طريق الصعيد تقرأ لافتة ضخمة مكتوب عليها : ثورة 25 يناير كفاح شعب ونضال جيش ، هذه اللافتات من بقايا تحالف الجيش مع الشعب في ثورة يناير ، وربما يتم رفعها في الأشهر المقبلة توافقا مع التوجه الجديد لدى بعض القادة الذي يروج لأن ثورة يناير كانت مؤامرة أمريكية لتدمير مصر . وكانت مصر وشوارعها وميادينها على مدار السنوات الأربع الماضية تمتلئ باللافتات والصور التي تعبر عن تضامن الجيش مع الشعب في ثورة يناير ، والخطب التي قدمها قادة المجلس العسكري الذين حكموا البلاد خلال عامين ونصف تقريبا أكثر من أن تحصى في حديثهم عن الجيش الذي حمى الثورة ، وقد قدم المجلس العسكري شرف العسكرية المصرية التحية العسكرية لشهداء ثورة يناير على الهواء مباشرة باعتبارهم أبطالا ضحوا بأرواحهم فداء للوطن وثورته النبيلة ، وقرر اعتبارهم شهداء للوطن وصرف تعويضات لأسرهم ، وخلال الفترة كلها قام المجلس العسكري بالاستجابة لجميع مطالب الثورة الشعبية ، فأجبر مبارك على التنحي ، وعزل نائبه عمر سليمان وحل الحكومة وشكل حكومة جديدة وحل الحزب الحاكم وصادر أملاكه وأبطل العمل بالدستور ودعا لتشكيل لجنة دستورية جديدة لوضع بيان دستوري مؤقت برئاسة المستشار طارق البشري ، وشارك فيها أعضاء بالإخوان المسلمين ، واستقبل اللواء عبد الفتاح السيسي مدير المخابرات الحربية وعضو المجلس العسكري حينها العشرات من شباب الثورة ومن قيادات التيارات الإسلامية ، الإخوان والسلفيين والجماعة الإسلامية ، ووثق علاقاته بهم لدرجة أنهم كانوا يعتبرونه "أخا" لهم بالمفهوم الشرعي المعروف بين الإسلاميين ، ولدرجة أن إعلامي الأجهزة الأمنية "توفيق عكاشة" كان يلسن عليه علنا ويقول أن اللواء السيسي هو اختراق جماعة الإخوان للمخابرات ، وعقد المجلس العسكري عشرات الاجتماعات مع قيادات الثورة مثل الدكتور محمد البرادعي وعبد المنعم أبو الفتوح وحمدين صباحي ومحمد مرسي ومحمد البلتاجي وأبو العلا ماضي وغيرهم ، فضلا عن الشباب الذين اقتحموا الميادين مفجرين الثورة ومعلنين عن مولد فجر جديد لمصر ، أمثال أحمد ماهر ومحمد عادل وسالي توما ووائل غنيم ونجلاء محفوظ وغيرهم ، وكان القادة بمن فيهم السيسي يحرصون على التقاط الصور التذكارية معهم ، حيث كانوا يعاملون من قبل المجلس العسكري وأجهزته الأمنية معاملة الأبطال والرموز الثورية التي تحظى بالاحترام . وعندما ضغطت الثورة لإنجاز التحول المدني والانتخابات الرئاسية ، لتسليم السلطة للمدنيين ، استجاب لها المجلس العسكري مجلس طنطاوي وعنان والسيسي ، وأدار المجلس كل خطوات الدولة وأجهزتها للوصول إلى انتخاب رئيس الجمهورية ، وقدمت جميع الجهات الأمنية والقانونية مذكراتها للجنة العليا للانتخابات عن المرشحين وسيرتهم الذاتية ، بمن فيهم المخابرات الحربية التي يقودها السيسي وقتها ، وتم استبعاد من كانت حوله شبهة أو سبق اتهامه أمام القضاء ، وفي النهاية وبعد التصويت والفرز أعلنت اللجنة محمد مرسي رئيسا للجمهورية ، وقدم له المجلس العسكري بكامل أعضائه التحية العسكرية وأقسم أمامه على التزام الولاء للوطن والطاعة لمرسي كقائد أعلى للقوات المسلحة ، بمن فيهم اللواء السيسي الذي رقاه محمد مرسي بعد ذلك وبعد أن أطاح بطنطاوي وعنان إلى رتبة فريق وقدم له الشكر والعرفان على هذه "المنحة" وعمل في طاعته بكل جد واهتمام منفذا توجيهاته وأوامره ، احتراما لأن هذا هو مسار الثورة ، والتزم الجيش بمن فيه السيسي بقرار الرئيس محمد مرسي عزل القائد العام ورئيس الأركان بوصفها صلاحياته الدستورية ، وهذا هو اختيار الشعب ، حتى وقع ما وقع في 30 يونيو ثم قرار المجلس العسكري في 3 يوليو بإطاحة مرسي وحكمه ، وأرسل الفريق السيسي لسعد الكتاتني لكي يحضر الإعلان عن مرحلة جديدة من حكم مصر ليكونوا شركاء فيها ، فرفض الكتاتني ، وكان هذا إعلانا بالصدام الكبير . ثم أدار الفريق عبد الفتاح السيسي الدولة وشؤونها صراحة أو ضمنا ، طوال العام التالي ، بوصفه صاحب القوة والهيمنة والوجود الحقيقي ، وأكد السيسي القائد العام للقوات المسلحة أكثر من مرة وفي أكثر من خطاب على أن 30 يونيو هو امتداد لثورة 25 يناير المجيدة وتصحيح لمسارها ، ثم دعا لدستور جديد انتهى إلى التأكيد على البديهة بأن ثورة يناير هي ثورة شعبية مجيدة فجرها الشعب المصري ، وأتى السيسي بموجب هذا الدستور رئيسا جديدا للبلاد ، ليحكم بهذا الدستور الذي نص على أن 25 يناير هو ثورة شعبية مجيدة ، وأقسم السيسي أمام الشعب على احترام هذا الدستور والعمل بموجبه . كل هذا المسار البديهي ، والذي نعيده مختصرا هنا من باب تحصيل الحاصل ، يعني أن الجيش كان شريكا في ثورة يناير ، وهو الذي حمى الثورة ، أي منع أي جهة من أن تتعرض لها بالأذى ، تأكيدا لشراكته معها وإيمانه بشرعيتها وشرعية مطالبها ، والجيش هو الذي أدار ونفذ كل الإجراءات الثورية التي أطاحت بالنظام السابق وفككته بالكامل وصنعت نظاما سياسيا جديدا ، وبالتالي فأي اتهام لثورة يناير بأنها مؤامرة يعني اتهاما مباشرا للعسكرية المصرية في شرفها ، وأنها كانت ضالعة في مؤامرة ، وأنها شريكة في مؤامرة على الوطن ، وأنها حمت مؤامرة أمريكية ، وإذا كان الجيش المصري ومعه أجهزته الاستخباراتية يعرف وقتها أنها مؤامرة ومع ذلك شارك فيها فتلك مصيبة وكارثة ، وإن كانوا لا يعلمون وتم استغفالهم والتلاعب بهم فهي مصيبة أعظم وكارثة أفدح ، ويعني أن جميع القادة الحاليين غير أمناء على الوطن وغير مؤهلين وينبغي إقالتهم فورا . بطبيعة الحال هذه كلها افتراضات وهمية ، لا صلة لها بالحقيقة ولا الواقع ، فلا ثورة يناير كانت مؤامرة ، ولا الجيش حمى مؤامرة ، ولا الجيش شارك في مؤامرة على الوطن ولا حتى على الرئيس الأسبق حسني مبارك ، ولكن المشكلة الآن أن هناك قوى نافذة ولها ظهير من بعض أجهزة الدولة السياسية والأمنية والإعلامية والثقافية والقانونية تصر على ترويج خرافة أن ثورة يناير مؤامرة أجنبية على مصر ، وهذا يعني ضمنا سبا وقذفا في شرف العسكرية المصرية ذاتها واتهام الجيش المصري بأنه كان شريكا في مؤامرة وأنه حمى مؤامرة وأنه اتخذ إجراءات قاسية في حق أركان النظام السابق وقياداته وحزبه على مدار ثلاثة أعوام تورطا منه في تنفيذ أجندة مؤامرة أجنبية وأنه تواطأ مع شبان عملاء وخونة ومتآمرين ضد مصالح الوطن ، وأخطر من ذلك أن مثل هذا الكلام يعني اتهام السيسي نفسه بأنه جزء من مؤامرة على الوطن وأنه شارك بحكم منصبه الرفيع والخطير كمسؤول أول عن مخابرات الجيش وجهازه الأمني والمعلوماتي وعضو بالمجلس العسكري في التستر على مؤامرة والمشاركة فيها . كل هذا يجعلنا نطرح السؤال الملح والمحير ، لماذا يصمت السيسي الآن عن نشر هذه الاتهامات في الإعلام الرسمي وعلى لسان قيادات أمنية رسمية سابقة وخبراء محسوبين على القوات المسلحة ويتحدثون باسمها وعلى لسانها كما يزعمون وفي التليفزيون الرسمي للدولة ومنهم قادة المخابرات العامة المصرية والمخابرات الحربية ، مثل اللواء مراد موافي ، ولماذا تسمح أجهزتك الأمنية والسياسية بنشر خزعبلات وسفالات المجرم اللص حسني مبارك وحبيب العادلي وحسن عبد الرحمن وأركان دولة الإجرام والنهب والفساد الذين قامت عليهم الثورة المجيدة وأطاحت بهم وزجت بهم في السجون وألقى القبض عليهم أنت وأجهزتك وشرطتك العسكرية . الرئيس عبد الفتاح السيسي ، هل كانت ثورة يناير مؤامرة ؟ بمعنى آخر : هل توافق على اتهام الجيش المصري بأنه شارك في مؤامرة ضد الوطن وحماها ودافع عنها منذ 28 يناير 2011 وحتى اليوم ؟ ننتظر إجابتك .