منذ سقوط النظام السابق ورموزه تفرغ الرأي العام للحديث عن قضايا الفساد المالي وما يشمله من نهب أراضي الدولة والاستيلاء علي مدخرات الشعب وبيع القطاع العام والكسب غير المشروع بينما تجاهل العديد من قضايا الفساد الأخري والتي تعد من وجهة نظري الشخصية لا تقل أهمية عن الفساد المالي.. ملفات فساد كثيرة تورط فيها النظام السابق ورموزه منها الملف الصحي للمصريين وتعرض الملايين منهم للاهمال بالمستشفيات الحكومية ناهيك عن اصابتهم بشتي الأمراض الخطيرة نتيجة للمبيدات المسرطنة التي استوردها الدكتور يوسف والي نائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة الأسبق من اسرائيل.. وهناك ملف التعليم الذي انهار بصورة خطيرة.. وهناك الملف الزراعي الذي جعل مصر من الدول المستوردة للمحاصيل بعد ان كانت من الدول المصدرة خاصة القمح.. وهناك ملف حوادث الطرق الذي جعل مصر تحتل المرتبة الأولي عالميا في نسبة الحوادث بعد أن أكدت التقارير الرسمية ان حصيلة تلك الحوادث أكثر من عشرة آلاف قتيل و60 ألف مصاب سنويا ناهيك عن الخسائر الاقتصادية.. وهناك ملف حوادث القطارات الذي جعل مصر تحتل ايضا المرتبة الأولي عالميا في نسبة حوادث القطارات.. وهناك ملف غرق العبارات في أعماق البحار مثلما حدث في كارثتي العبارتين سالم اكسبريس والسلام 98 واستشهاد أكثر من 1700 مواطن بسيط.. وهناك ملف البطالة الذي أدي إلي غرق المئات من الشباب في أعماق البحر المتوسط أثناء محاولتهم السفر الي البلدان الأوروبية بطرق غير شرعية هربا من شبح البطالة الذي يطاردهم ناهيك عن انتحار الشباب بسبب فشلهم في الحصول علي فرص عمل.. وهناك ملف سقوط العمارات فوق رءوس سكانها وهي لا تعد ولا تحصي طوال السنوات الماضية.. وهناك ملف الجوع والعطش.. وهناك ملف حقوق الانسان وتزوير الانتخابات وقمع المظاهرات السلمية والتعذيب الوحشي والاعتقال وهناك ملف الفساد الاجتماعي والأخلاقي الذي انتشر بصورة مرعبة في عهد النظام السابق.. ومن صور هذا الفساد ظاهرة زواج القاصرات وهي محور حديثي في السطور التالية. لقد تحدثت أكثر من مرة عن ظاهرة زواج القاصرات في مصر من أثرياء عرب وذكرت ان تلك الظاهرة تعد من الكوارث الاجتماعية والأخلاقية التي يمكن أن تؤدي إلي تدمير الأسرة المصرية.. ورغم انها ظاهرة قديمة وموروثة إلا انها انتشرت في السنوات الماضية بصورة خطيرة بسبب الفقر والبطالة والجهل.. ورغم ان الأبحاث والدراسات أكدت ان مصر تتصدر قائمة الدول العربية التي ينتشر فيها ما يعرف بالزواج السياحي إلا ان النظام السابق وقف مكتوفي الأيدي أمام تلك المصيبة الخطيرة.. ورغم ان زواج القاصرات جعل من مصر محطة "ترانزيت" للأثرياء العرب والخليجيين إلا ان النظام السابق وقف يتفرج علي تلك المهزلة. وزواج القاصرات أو الزواج السياحي والصيفي كما يطلق عليه أسبابه كثيرة ومتعددة منها الفقر والظروف المعيشية الصعبة التي تدفع الآباء لتزويج بناتهم القصر من أثرياء عرب مقابل مبالغ مالية علاوة علي جهل الأسرة بالآثار السلبية الناجمة عن زواج ابنتهم القاصر ناهيك عن الجهل والأمية وعدم الوعي والبطالة والهروب من التعليم وكثرة عدد الأبناء ورغبة الفتيات في مساعدة أسرهم اقتصاديا. ويمكن القول ان زواج القاصرات المنتشر في العديد من قري ونجوع مصر له آثار سلبية كثيرة سواء علي المجتمع المصري بصفة عامة أو علي الأسرة بصفة خاصة.. فزواج القاصرات قد يعرضهن لخطر الاصابة بالعقم وتزايد فرص تعرض أطفالهم حديثي الولادة للوفاة علاوة علي مخاطر صحية كتسمم الحمل وفقر الدم وصعوبة الولادة والاجهاض والانتهاك البدني للفتاة.. وأكدت دراسة حديثة ارتفاع نسبة الوفيات بين القاصرات نتيجة للحمل المبكر لعدم اكتمال الأجهزة التناسلية بالإضافة إلي تعثر الولادة وانجاب أطفال غير مكتملي النمو. الغريب ان النظام السابق لم تشغله هذه الظاهرة الخطيرة رغم انها قضية معروفة منذ زمن بعيد في العديد من المحافظات المصرية ورغم ان الدراسات المحلية والعالمية أكدت ان مصر تتصدر قائمة الدول العربية التي ينتشر فيها ما يعرف بالزواج السياحي. تقارير ودراسات عديدة صدرت مؤخرا عن زواج القاصرات في مصر فهناك التقرير الأمريكي عن الاتجار في البشر الصادر عام 2009 أكد ان هناك رجالا خليجيين أثرياء يأتون لمصر للزواج من فتيات ممن هن دون سن ال 18 فيما يعرف بظاهرة الزواج المؤقت ويتم إعادة ترتيبه عن طريق سماسرة أو أهل الفتاة.. وذكر التقرير ان الحكومة المصرية لا تمتثل "حتي للحد الأدني من المعايير في سبيل القضاء علي الاتجار في البشر" وانها لم تبد أي تقدم في تطبيق قانون مكافحة الاتجار بالبشر علي مدار السنوات الماضية.. وهناك دراسة فرنسية صادرة من جامعة السربون أكدت ان مصر تتصدر قائمة الدول العربية التي ينتشر فيها زواج القاصرات. وهناك دراسة مهمة اشتركت فيها وزارة الدولة للأسرة والسكان والمجلس القومي للطفولة والأمومة وصندوق الأممالمتحدة للسكان أجريت علي عينة من 2000 أسرة ببعض ومناطق 6 أكتوبر.. أكدت ان السبب في انتشار الظاهرة هو فقر الأسرة وانخفاض دخلها وذلك لزيادة المهور التي يدفعها الأزواج غير المصريين علاوة علي ان تلك المناطق تتميز بالفقر والبطالة والهروب من التعليم وقلة المرافق والخدمات.. وذكرت الدراسة ان السمسار له الدور الأكبر في إتمام الزواج وان زواج الفتاة القاصر يساهم الأسرة في رعاية باقي اخوات البنت ومساعدة الأسرة اقتصاديا. وأشارت الدراسة إلي وجود أضرار بالغة بسبب هذا الزواج منها ضياع حقوق الفتاة وسوء معاملتها علاوة علي ان هناك بعض الأزواج يهربون وأحيانا تكون الفتاة "حامل" مما يترتب عليه وجود مولود مجهول النسب وهناك البعض يمنع الفتاة من الانجاب وآخرون يجبرونها علي بعض الممارسات غير الأخلاقية ناهيك عن أخذهن إلي بلادهم ليعملن خادمات لزوجاتهم.. وانتهت الدراسة إلي ان نسبة زواج القاصرات بالمناطق التي اجريت عليها بلغ 74% بينما بلغت نسبة الزواج العرفي 29%. [email protected]