جاء قرار الهيئة العليا للمحطات التلفزيونية والإذاعية التركية يوم 9/3/2006 بالموافقة على إنشاء محطات تلفزيونية وإذاعية باللهجات الكردية فى مناطق شرق وجنوب شرق تركيا خطوة جديدة وشجاعة تخطوها حكومة حزب العدالة والتنمية نحو الحلول السلمية للحقوق الثقافية لأكراد تركيا.فالحق يقال أن حزب العدالة والتنمية التركى بزعامة طيب أردوغان والفلسفة السياسية لعبد الله جول وأحمد داود أوغلو ، يخطو خطوات رزينة وهادئة فى الطريق الصحيح لمعالجة المشكلة الكردية فى تركيا التى ظهرت منذ عام 1925 ولازالت مشتعلة حتى اليوم.وعلى الرغم من إستمرار الأصوات القومية المتشددة الكردية – التركية فى صراخها وعويلها الذى يؤجج المشكلة فإن الحزب سمح قبل حوالى عام ونصف العام ببدء بث برامج تلفزيونية قصيرة حكومية بلغات غير التركية وعلى رأسها الكردية ،كما أعلن أردوغان فى نهاية العام الماضى وبعد وقوع فضيحة شمدينلى – مركز سكنى بشرق تركيا تعرضت فيه مصالح كردية يوم 9/11/2005 لتفجيرات مشبوهة توجه فيها أصابع الإتهام للجيش - بوجود مشكلة كردية على أرض تركيا وهى المرة الأولى التى يعترف فيها رئيس حكومة تركية بوجود مشكلة للأكراد بتركيا تحتاج للحل. إن مجريات الأمور فى جانب المشكلة الكردية بتركيا والتطورات الرسمية الإيجابية التى تشهدها منذ تولى هذا الحزب الحكم فى نوفمبر 2002 تبرز بوضوح أنه بالإمكان حل سلمى للمشكلة الكردية.ولعل العريضة التى سبق وتقدم بها فى العام الماضى مجموعة كبيرة من المثقفين الأتراك وكذا من قبل المثقفين الأكراد بتركيا للحكومة للتأكيد على ضرورة الحل السلمى لهذه المشكلة المزمنة والتخلى عن الحل الأمنى والعسكرى الذى لم يقدم غير سقوط ألوف من الطرفين قتلى وإعاقات مزمنة لعدد كبير من رجال الجيش والشرطة وترميل النساء وتيتيم الأطفال وفجع الشيوخ فى أبنائهم وخسائر مادية تقدرها تركيا بمائة مليار دولار.لعل مثل هذه النوايا الشعبية الحسنة تبرز وجود منحنى جديد لدى الطرفين وكذا السلطات التركية وخصوصا حزب العدالة ، يتجه نحو الحل السلمى. هذا المنحنى الجديد يلزم تشجيعه وتقديم العون له لكى يستمر ، لأن المشكلة الكردية ليست فقط موجودة على أرض تركيا بل لها وجود بإيران وسوريا والعراق وآذربايجان، ويمكن لنا أن نشاهد تكرار مشهد غزو العراق وأفغانستان. إن نظرة بسيطة على ما حدث من أكراد العراق و من المسلمين الشيعة فى جنوب العراق وقت الغزو الأمريكى للعراق عام 2003 يؤكد أن ترك مشاكل الأقليات بكل أنواعها مفتوحة ومتروكة لعوامل الزمن خطأ كبير فى ملف الأمن القومى لشعوب المنطقة وتتحول مثل هذه المشكلات الداخلية لتهديد خطير للسيادة والتراب الوطنى.إن هذه المقالة بالطبع لا تلوم أكراد أو شيعة العراق وحدهما فى مسؤولية سقوط وطنهما العراق تحت الإحتلال المتغطرس المتصهين ولكن تلوم أيضاً الحكومات التى أهملت البحث عن حلول لمشاكل داخلية مزمنة مهملة بمنطق وكأنها غير موجودة. من ثم تعد الخطوات التى يخطوها حزب العدالة والتنمية تستحق التقدير حتى وإن كانت بطيئة ولم ترض بعد كل الأكراد فى عموم شرق تركيا ، لكن على الطرف الكردى أيضاً مسؤولية التوقف عن العمليات العسكرية والمسلحة ضد رجال الأمن والشرطة التركية المتصاعدة والتى تضيف ضغوطا ضخمة على الحكومة، تتوقف على الأقل لكى تعطى لهذه الحكومة فرصة الإستمرار لتقديم المزيد من الحلول والمكتسبات السلمية للأخوة الأكراد.خصوصا وأن الجيش والتيار القومى التركى المتشدد يضغطان عليها بقوة لكى لا تستمر فى هذا الطريق بمنطق تصلبى عنيد يبدو أنه لم يأخذ العبرة والدرس من غزو العراق وأفغانستان. إن الأكراد والأتراك جزء هام من شعوب الأمة الإسلامية لهما فى تاريخها صفحات بيضاء مشرفة وقد آن الآوان للتخلى عن السلاح فى التعامل مع قضايانا الداخلية والتوجه نحو الحوار والتفاهم السلمى لكى نتراص ونقف فى خندق واحد لمواجهة الهجمة الصهيونية العنيفة علينا، ونتذكر قول الحق تعالى " إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم وأتقوا الله لعلكم ترحمون " وكذا قوله تعالى " يا آيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم: الآيتان 10 و 13/ سورة الحجرات " . * كاتب مصري مقيم بتركيا