تؤرق أزمة الانفلات الأمنى في مصر الشعب المصري، كما أنها تعوق عجلة الانتاج والتنمية والاستقرار في الوطن، فأساس الحياة في أي بلد هو الأمان والرخاء، وهما ينبثقان من خلال سيادة القانون، لأن القانون هو الذي يسود في المجتمعات العمرانية لتحقيق العدالة. فمصر خلال ثلاثة العقود المنصرمة، كان المواطن البسيط لا يستطيع أن يحصل على حقه بالقانون أو بالعرف وبالتالي سادت حالة من الفساد وأصبح القانون يطبق لفئة معينة هم أصحاب النفود والصفوة ، أما الشريحة المتدنية من المجتمع المصري كان حقها مهضوم، وبالتالي عندما جاءت الثورة، كان لابد من انتفاضة هذه الشريحة على ما حدث لها من انتهاكات في حقوقها، من قبل رجل الشرطة، هذا الرجل الذي كان من المفروض عليه حماية المواطن والالتزام بالقانون، كان هدفه الأول تمكين نفوذه وتمديد منصبه من أجل الحفاظ على بقاء النظام واهل النخبة دون مراعاة لحقوق المواطن العادي. وكان لبعض رجال الشرطة صلاحيات مطلقة بالإضافة إلى رجالتهم المشهودين له بالولاء من (مخبرين وبلطجية وعساكروآمناء شرطة)، وهذا كان ظاهرًا للعيان، وبالدليل كانت توجد ميليشيات لمدير الأمن العام السابق المحبوس حاليًا "عدلي فايد" ، وميليشيات "حبيب- عز" ، وهذه الميلشيات التى كانت تظهر في الانتخابات أو قمع الأهالي الذين يعبرون عن غضبهم بوقفات احتجاجية وهذا ما كان يحدث، فكثير من المواطنين زج بهم في السجون والمعتقلات ظلمًا، والعديد منهم وقع تحت التهديد والتعذيب ومنهم من قتل داخل حجوزات أقسام الشرطة، وجهرًا في الشوارع. ففي أثناء اندلاع الثورة لم تستطع الشرطة الالتزام بضبط النفس أمام المتظاهرين، وتري مشاهد الثورة بأن الشرطة تمثل دور رجال الاحتلال أثناء توجيها الرصاص ضدهم، وكأن هؤلاء المتظاهرين من شعب آخر، فسقط العديد من الضحايا، وتفاقم الاحتقان من المواطنيين ضد الشرطة، كما أن هناك أرثا مليئا بالبغض ضد رجال الشرطة، فبالتالي زادت التراكمات والاحتقانات بينهما. وعندما حدثت الثورة كان هناك سينايوهات مضادة للثورة كان مخطط لها أيضًا من قيادات سابقة من الشرطة:. من ضمنها :. - ترك البلطجية لأشاعة الفوضي وإرهاب المواطنين، وتفاقم على هذا اخراج المساجين لترويع الأهالي، وناهيك عن ذلك كان جهاز أمن الدولة السابق له الحق في التنكيل والتعذيب لأي مواطن، هذا الجهاز الذي أعطى صلاحيات مطلقة لضباطه، فإذا سمع مواطن بسيط بأن هذا الشخص من أمن الدولة ترتجف اصابعه، ولا يستطيع أن يبلع ريقة، فالثورة أثبتت ضعف جهاز الشرطة كاملة لأنه كان منخرطًا في الفساد من القمة حتى القاع، والسوس عاش فيه سنين، كما ثبت فشله في علاج منظومة أمن المواطن؛ لأن هدفه كان قائمًا على منظومة أمن النظام. فجهاز الشرطة مازال عاجزًا لاستعادة دوره الفعلى الذي أنشأ من أجله، فليس هناك أطر واضحة لهذا الجهاز أو رؤية استراتيجية للشرطة، فهناك مشكلة تمر بها الشرطة في علاقتها مع المواطن، تلك المشكلة هي التى مازالت تسبب في استمرار مسلسل الانفلات الأمنى. ولكل مشكلة لها جوانب من الحلول ومنها ما يلى:. 1- أن تتغير منظومة جهازالشرطة فبدلاً من أن يكون هدفها حماية أمن النظام، بل يكون هدفها الحقيقي أمن المواطن، ويتم ذلك من خلال سرعة الاستجابة لاستغاثة المواطنين، حتى وأن كانت استغاثة أم بأن طفلها محبوس في غرفته، ولاتستطيع فتح باب غرفته؛ لأن نجاح أى جهاز شرطي في العالم، يعتمد على حماية المواطن، لتحقيق العدالة والاستقرار. 2- تدريب رجال الشرطة على ثقافة احترام حقوق وحريات المواطن، وكيفية التعامل مع المواطن بأسلوب جديد مختلف، بمعنى أن تكون هناك علاقة متغيرة يستطيع فيها رجل الشرطة التعامل مع المواطن غير طريقة التعامل مع المجرم معتاد الأجرام، وكذلك غير التعامل مع المذنب الذي يكون تحت سير العدالة أيضًا. 3- ضرورة محاكمة رجال الشرطة المتورطين في قتل المتظاهرين، وكذلك إقصاء رجال الشرطة المتورطين في قضايا فساد، حتى يشعر المواطن بالرضا والثقة، بإن هناك عدالة طبقت، وأن الثورة حققت أهدافها. 4- لابد لرجل الشرطة أن يبتعد عن أن تكون له مصالح خاصة يستغلها من خلال وظيفته، وأن تكون هناك مسألة فعلية وقانونية لأي شرطى يتربح من وظيفته . 5- أن تكون هناك أكاديميات أمنية يشرف عليها خبراء من رجال الشرطة الشرفاء الأكفاء، يلتحق بها رجل الشرطة بعد تخرجه من كلية الشرطة، وهذه الأكاديميات عليها أن ترقي من مستوى جهاز الشرطة ورجل الشرطة في تعاملها مع المواطن، وأن كلية الشرطة ليست إلا بداية مرحلة ثم يخضع رجل الشرطة بعدها إلى تدريب فعلى لمدة سنتين ثم الالتحاق بهذه الأكاديميات البوليسية حتى تكون ميزة عملية وفكرية ونهج متطور لرجل الشرطة. 6- إن تتغير طريقة عمل اقسام الشرطة مع المواطنيين، وحتى شكل القسم من الداخل، وضرورة ادخال عناصر وظيفية أخري مع جهاز الشرطة بصفة دائمة لمساعدة رجال الشرطة، وهذا ما يحدث في الدول التى تهتم بحقوق الإنسان، والدول الأكثر ديمقراطية، وهذه العناصر الوظيفية مثل الأخصائين النفسين والاجتماعين والقانونين الحقوقين، وكذلك ممثلى النيابة، كما أن تكون القضايا البسيطة غير مقترنة بالجرائم الجنائية يتم حلها بالتصالح والتراضى داخل القسم من قبل هذه العناصر الوظيفية، حتى يكون القسم هو الذي ينهي أي خلاف أو يمنع أي جريمة قد تحدث، ولا ينتظر الجريمة حتى تقع، وبالتالي يصبح القسم مكان يلجأ إليه المواطن وهو مطمئن، ومن ثم يكف القسم عن حبس المواطنين في الحجز على اتفه الأسباب التى تمتلء عن آخرها دون داعي أو أي سند قانوني منطقي. 7- إن تبتعد الشرطة عن الأعمال التى كانت تدار بشكل غير قانونى أثناء النظام السابق، مثل إلقاء القبض على المواطنيين في الشوارع دون أي داع بحجة أن هناك تحريات ثم يتم ايداعهم في السجن أيام، ويكون هذا الموقف من وجهة نظر رجل الشرطة بأنه كفء في العمل، ويثبت لوزارة الداخلية بأن القسم شغال، وفي الواقع يكون شغل القسم على باطل. 8- إن يمنع رجل الشرطة أيقاف أي مواطن دون وجه حق أو دون سبب قضائى، مثلما كان يحدث في العهد السابق، وعند قيام بعملية ضبط شخص من ناحية القانونية عليه أن يمل عليه حقوقه وسبب ضبطه، كما لابد ان يشهر الشرطى هويته الوظيفية. 9- لابد من تغيير شكل حجوزات القسم، وكذلك السجون التى لا تتناسب مع آدامية الأنسان، ولابد أن تضع مصلحة السجون منهج جديد فيها من الرقي والتطور في التعامل مع المسجون، حتى تخرج مواطن صالح، ولا يكون السجن مصنع يدخل فيه إنسان ليخرج منه مجرم، وهذا ما يحدث كثيرًا، رغم أن هناك جهود بذٌلت بصدد هذا إلا ان هذه الجهود لا تعد تغييرًا فعلي. 10- إن تمتتنع وزارة الداخلية عن إصدار صحيفة الحالة الجنائية التى يعرض فيه المواطن بأنه ذات سوابق، وعلى أن تكون هذه الصحيفة لها سرية تامة ولا يعرفها أحد سوى الداخلية ولا يتم عرضها إلا اذا ادعت الضرورة لمعرفة سيرة هذا الشخص، فكثيرا من هؤلاء يريدون الالتحاق بالعمل، وعندما يطلب صاحب العمل منهم الصحيفة الجنائية، يصبحون بدون عمل وبالتالي بدلا من أن يكون هذا المواطن صالح مهيأ للحياة والانخراط في المجتمع، ينبذه المجتمع ويلفظه، وبالتالي يتحول هذا المواطن إلى مجرم، نتيجة كراهية المجتمع له، جراء جريمة قد تكون ارتكبت في حالة من عدم الوعى . 11- وفي النهاية على المجتمع أن يساعد رجال الشرطة لاستعادة الثقة ودورهم، وهذا لأن يتحقق إلا من خلال التعاون والتآلف لمصلحة الوطن والشعب. [email protected]