القلم لا يطاوعني في الكتابة عن موضوع آخر غير غزة التي تتعرض لإجرام يفوق الوصف. أرى في الفضائيات المحترمة كغيري حجم المجازر وبشاعتها، وأرى ما لايراه الكثيرون غيري مئات من الصور تبثها يوميا وكالات الأنباء العالمية عبر مصورين مقاتلين بالكاميرا يضحون بحياتهم من أجل رصد لحظات الموت والرعب التي يقذفها السفاحون فوق رؤوس وبيوت غزة، أرى مشاهد مصورة تتجاوز كل الحدود في القتل والتدمير مما لا يحدث مثله كثيرا، وتفضح ظلما ما بعده ظلم من القريب ومن البعيد تجاه هؤلاء الناس الذين يخوضون نيابة عن أمة تموت حربا دفاعية في الذود عن بقايا شرف وكرامة. أرى مجرمين لا مثيل لهم في كيان استيطاني فاق نازية هتلر يريدون إبادة غزة وتسويتها تماما بالأرض وتسليمها لسلطة خنوع وخضوع ومذلة بعد القضاء على ما فيها من شعب أبي صابر صامد مضح ومقاومة باسلة تزلزل ذلك الكيان العسكري ببطولاتها وشجاعتها وإقدامها وإيمانها بقضيتها المشروعة. وأرى في ذلك المشهد الأخير عربا يريدون الخلاص من تلك المقاومة لأنهم لا يطيقون سماع كلمة مقاومة في الزمن العربي الانهزامي الاستسلامي، وهم يتماهون مع إسرائيل في هذا الهدف الرخيص، بل ويحرضونها وربما يدعمونها للخلاص من أرق فكرة المقاومة والرفض للواقع المهين. وكما كشف حسن نصرالله حجم التواطؤ مع إسرائيل في عدوان إسرائيل في 2006 على لبنان لاقتلاع حزب الله من جذوره، رغم تحفظنا على بعض سلوكيات وسياسات وأهداف وممارسات وولاءات هذا الحزب، فإن قادم الأيام سيكشف حجم الدور المخزي لجانب من العرب في التخندق في صف واحد مع المجرم الصهيوني للقضاء على المقاومة، ولا يهم اسم أي فصيل وانتمائه وأيدولوجيته الفكرية، يساري أم إسلامي أم علماني أم حتى لا ديني، المهم أنه يواجه الاحتلال ويسقط غطرسته وغروره واستكباره، ويسقط مرة أخرى الخوف الساكن في القلوب من قوة ذلك المحتل التي لا تقهر، ويسقط فكرة الرضوخ ومسايسة المحتل وإيثار طريق السلامة حتى تنبني القوة التي يمكن أن تواجهه، أي مقاومة شريفة لا بد أن تحظى بالتقدير والاحترام، وكان العرب يوما ما يدعمون مقاومة الشعب الفيتنامي للعدوان الأمريكي، وهو لا رابطة دم أو عقيدة أو تاريخ ومصير وأمن قومي مشترك معه وكذلك لا قرب مكاني ولا أي رابط معه إلا الإنسانية والتحرر من المحتل ودحره. حتى لحظة كتابة تلك السطور بلغ عدد الشهداء 800 إنسان عربي مسلم والجرحى أكثر من 5 آلاف وهؤلاء كلهم أو معظمهم من الأطفال والنساء والمسنين فأي أهداف تلك التي يقصفها رأس الإرهاب الصهيوني وأي حرب تلك التي يخوضها ضد شعب محاصر كل ما يفعله شبابه أنه يضحي بنفسه وهو يقاوم العدوان بصواريخ لا تُقارن بصواريخ العدو، ومع ذلك تسبب له الهلع والرعب وتصيبه بمزيد من الجنون وتدفعه إلى ارتكاب مجازر يومية بتحريض من المتصهينين العرب الذين لم يحركهم بحر هذا الدم ولا هذا التدمير الواسع ولا الاستفراد الصهيوني بقطاع غزة وبث كل ما في قلوبهم من أحقاد وسموم ضده. الخبير العسكري العميد صفوت الزيات يقول: صاروخ واحد أفلت من القبة الحديدية جعل إسرائيل تغلق مطارها الوحيد في تل أبيب. نعم هو صاروخ واحد من صواريخ المقاومة التي يصفها فلول "العار" و" المتصهينون العرب " بأنها مثل "البمب" تتسبب في عزل الكيان الصهيوني عن العالم. قلعة إسرائيل المحصنة والحصينة ترتعد أمام صواريخ بدائية. القوة ليست قوة السلاح إنما قوة الإيمان بالحق. المسلمون وهم قلة هزموا المشركين وهم كثرة يوم "بدر". نسينا دروس تاريخنا العظيم عندما كان المسلمون رجالا شجعانا مؤمنين بقوة الحق لا يهابون الفرس ولا الروم فأذلوهم وأسقطوهم من فوق عروشهم ودانت الدنيا لهم. نحن اليوم لسنا حتى أشباه أولئك المسلمين الأوائل. لن نتوقف عن الدفاع عن غزة وشعبها فهم إخوة وأشقاء وجيران وشركاء في الإنسانية. ولن نتوقف عن نقد المتواطئين والصامتين والمبررين للعدوان فهم جميعا وبسلوكهم ذلك شركاء في العدوان وفي الدماء. أي حياة تلك التي نحياها، وأي أمة تلك التي من ضعفها ومذلتها وهوانها على الناس يفتك بها أكثر أهل الأرض خسة وحقارة. هل حياة القبور صارت أشرف من حياة الدور والقصور؟. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.