منذ نكسة يونيو 1967، والكيان الصهيوني يحاول فرض قوة ردع ما أمام الدول العربية والإسلامية، يخيف بها المواطن العادي حتى قبل صناع القرار، لتترسخ في صورتهم الذهنية عن إسرائيل، بأن ثمة قوة غير تقليدية تسكن الأراضي الفلسطينية المحتلة، لا يمكن الاقتراب منها، ونجح الكيان في ذلك لعشرات السنين، حتى يتردد أن قوة الردع باتت إحدى الأسلحة التقليدية لهذا الكيان! رغم هشاشتها. وغالباً، ما اعتمد الكيان الصهيوني على هذه القوة "قوة الردع" في مواجهاته، السلمية والعسكرية، للعرب والمسلمين، لكن باتت هذه القوة في أفول واضح، منذ عام 2000، بعد الانسحاب الصهيوني من الجنوب اللبناني، بين عشية وضحاها، ووضحت أكثر مع هزيمة الجيش الاسرائيلي الذي لا يقهر! في الحرب على لبنان، صيف 2006، وتأكدت، أكثر فأكثر، مع هزيمته الفاضحة "المعنوية" أمام المقاومة الفلسطينية في الحرب على غزة، في العملية المسماه ب "الرصاص المصبوب" نهاية 2008، مطلع 2009. بيد أن فشل الجيش الصهيوني في تحقيق "بنك الأهداف" في الحرب الأخيرة على قطاع غزة، عملية "عمود السحاب"، يعني وضع مسمار آخر في نعش الكيان الصهيوني على الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويرسخ نفي مقولة "قوة الردع" الصهيونية سلاح الوهم أمام الدول العربية والإسلامية، التي صدَّعتنا بها تل أبيب، طوال عشرات السنين الماضية، حتى أن صواريخ المقاومة وصلت شمال تل أبيب ومدينة القدسالمحتلة، ما يعني إجراء تغيير كبير في ميزان القوى في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بدأ يميل لصالح المقاومة التي ترتفع معنوياتها، يوما بعد يوم. اعتقدت كما اعتقد غيري أن قوة الردع الصهيونية كانت صداً قوياً وحائطاً منيعاً أمام أي تفكير عربي لتحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة، بدعوى ان ما وراء الحدود الصهيونية قوى عظمى تكبح جماح أي طموح عربي، ويرى البعض أن الكيان الصهيوني، منذ عام 1967، وهو في عمليات وحروب خاسرة وفاشلة، وهزائم متكررة، الواحدة تلو الاخرى، باستثناء الحرب اللبنانية الأولى، في العام 1982، لكن أجبرتني المقاومة اللبنانية، والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة على تغيير هذا الاعتقاد والمفهوم الخاطئين، والإيمان بأنه إذا ما توفرت الامكانات والأسلحة التقليدية لأستعدنا كامل تراب أراضينا المحتلة، منذ عام 1948، وليس عام 1967 فقط! والحقيقة أن المقاومة الفلسطينية وحزب الله نجحا فيما لم تنجح فيه أنظمة وحكومات عربية أخرى في التصدي للوهم الصهيوني، الذي تبين أن صاروخ واحد فقط، من نوعية "فجر 5" يمكن أن يُسقط قوة الردع الصهيونية، ويوقف السلاح الوهمي الذي أصاب قادتنا قبل أن يكبت أحلامنا ويحبطنا بواقعه المرير، إذ اكتشف حزب الله ان إسقاط صاروخ واحد في الداخل الفلسطيني المحتل يعني اسقاط نظرية قوة الردع، او سلاح الوهم الصهيوني. والغريب أن المحللين السياسيين والمعلقين العسكريين الصهاينة أكدوا أن المقاومة اللبنانية والفلسطينية أسقطا نظرية الردع، وكشفا ما لم تدركه الأنظمة العربية جلها، بكل أسلحتها وعتادها العسكري، وهو ترهل الجبهة الداخلية الصهيونية، وتعري المستوطنين الصهاينة على حقيقتهم الغاصبة، واستعدادهم للرحيل في أي وقت، إذا ما استمرت المقاومة في استمرار زخات صواريخها، قصيرة المدى. لقد سقطت نظرية الردع الصهيونية أمام المقاومة الفلسطينية في غزة، وتعري "الوهم الصهيوني"، تماما، الذي صُدر لنا طوال عقود ماضية! Comment *