في ليلة القدر التي تصادف اليوم السابع والعشرين من شهر رمضان، يشعر الغزّي "أنس عبيد" بحزنٍ شديد لعدم تمكنّه من إحياء هذه الليلة المباركة في المسجد الذي لا يبعد عن بيته سوى أمتار معدودة. ولن يكون عبيد وحدّه صاحب هذا الشعور، فكافة أهالي قطاع غزة يشعرون الليلة بحسرة كبيرة، على ضيّاع "أنوار" و"ثواب" هذه الليلة داخل المساجد. ويقول عبيد لوكالة الأناضول: "لقد حرّمتنا الحرب الإسرائيلية، إحياء العشر الأواخر في رمضان، ولن ننعم للأسف بهذه الأجواء الروحانية، في مثل هذا الوقت من العام الماضي، كنا نملئ المساجد، ونقيم الليل، ولا ننام ونحن نبتهل إلى الله بالدعاء وطلب الرحمة والعتق في النار". لكن هذا المشهد يغيب تماما هذه الأيام، في ظل الحرب الإسرائيلية المستمرة على مختلف انحاء قطاع غزة لليوم الثامن عشر على التوالي. وقرّرت إدارة مساجد قطاع غزة، في سابقةٍ هي الأولى من نوعها إلغاء إحياء العشر الأواخر في رمضان، حمايةً للمصلين، من أي قصف قد ينال منهم. ودمرت الطائرات الإسرائيلية منذ بدء الهجوم على قطاع غزة، في السابع من الشهر الجاري، 59 مسجدا، دمرت 14 منها بشكل كلي، وفق إحصائية لوزارة الأشغال الفلسطينية. ولا يمكن للشاب "عبد الرحمن نعيم" "25 عاما" أن يصف شعور الألم والحسرة التي تعتريه، وهو يقف عاجزا عن إحياء ليلة القدر. ويضيف لوكالة الأناضول: "حسبنا الله ونعم الوكيل، هذه الليالي من أعظم ليالي رمضان، وكلنا نتوق لإحيائها، ولكن للأسف الغارات تتوالى على كل مكان، وتستهدف كل شيء، المساجد، والمدارس، والبيوت، والكل مشغول في نقل الجرحى والشهداء، وإغاثة المنكوبين". وليلة القدر، هي إحدى ليالي شهر رمضان وأعظمها قدراً، حيث ورد في القرآن الكريم أنها خير من ألف شهر، وأنها الليلة التي أنزل فيها القرآن. ويا له من شعور قاسٍ، ومؤلم كما يقول الخمسيني "رمزي عامر" لوكالة الأناضول، فهذه الليلة ينتظرها الصائمون طمعا في الثواب. ويضيف: "في هذه الليلة، نكثف الدعاء للأسرى، ولغزة بأن يفك الله حصارها، ويجنبّها شر هذه الحرب، وأن يُسدد رمي المقاومة". وسيقوم عامر برفقة أبنائه الخمسة بإحياء ليلة القدر، في بيته، غير أنه يعرب عن ألمه، لإقامة الليل، والصلاة، والدعاء في ظل تواصل الغارات الجوية والمدفعية. وتابع: "حتى في البيت، وما أن نبدأ في الصلاة، حتى تباغتنا الطائرات الحربية، ولا يكاد يتوقف القصف ولو لدقيقة واحدة". ومع دخول العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، يحرص المسلمون في كل مكان لإحياء سنة الاعتكاف داخل المساجد؛ اقتداءً بهدي النبي محمد خاتم المرسلين، ويتفرغ المعتكف فيها لطاعة الله والبعد عن الناس طلبا للأجر والتماسا لليلة القدر. وتنتاب الحسرة "سهام جبر" (45 عاماً) لعدم تمكنها من إحياء ليلة القدر لهذا العام، في المسجد كما فعلت العام الماضي. وتُضيف لوكالة الأناضول: "للأسف، حتى في المنزل، لم نعد ننعم بلحظة خشوع، لا نستطيع قراءة القرآن، ونفتقد لتفاصيل أجواء الليلة الروحانية، وما تتخلله من دعاء وقيام". و تصدّح مساجد قطاع غزة، في ليلة القدر بالدعاء للأسرى وبأن يمن الله عليهم بالفرج القريب، وأن يلهم ذويهم الصبر، والدعاء للجرحى بالشفاء، وأن ينعم الله على الفلسطينيين بالأمن والتحرير. وستحاول الشابة ديانا عامر، بأن تتغلب على كل الضجيج، والخوف الذي تُحدثه الطائرات الحربية، والقصف البحري، والمدفعي، والبري بأن ترفع أكف الابتهال إلى الله بأنّ ينقذ صغار غزة من هذه الحرب، وما تُخلّفه من دمار. وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، دعا أهالي قطاع غزة، المسلمين في كل مكان بأن يكون الدعاء في ليلة القدر هذه مخصص، لنصرّة غزة، والدعاء لصغارها. ويشن الجيش الإسرائيلي، منذ السابع من الشهر الجاري، حربًا ضد قطاع غزة، أطلق عليها اسم "الجرف الصامد"، وتسببت الحرب منذ بدئها وحتى اليوم في قتل 797 فلسطينياً، وإصابة 5130 آخرين بجراح، حسب مصادر طبية فلسطينية. وفي الجانب الإسرائيلي، قتل 32 جندياً، ومدنيان، وأصيب أكثر من 435 أغلبهم من المدنيين، معظمهم أصيبوا بحالات "هلع"، فيما تقول كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح المسلح لحركة "حماس"، إنها قتلت 76 جندياً إسرائيلياً وأسرت آخر.