كشفت مصادر دبلوماسية رفيعة المستوي للمصريون عن أن الجولة الأوروبية التي اختتمها الرئيس مبارك أمس لم تنجح في تحقيق الأهداف التي رغبت القيادة السياسية في إنجازها من خلال تلك الجولة ، والتي استهدفت بالأساس توجيه رسالة لواشنطن مفادها قدرة النظام على خلق شبكة من التحالفات مع الاتحاد الأوروبي تعوض النظام عن علاقاته المتوترة مع واشنطن. وأوضحت المصادر أن هناك استياء كبيرا داخل دوائر النظام بسبب رفض واشنطن توجيه دعوة للقيادة السياسية لزيارة البيت الأبيض في تكرار للسيناريو الذي حدث في العام الماضي عندما اضطر النظام لإرسال الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء لواشنطن في محاولة لإنقاذ العلاقات المصرية الأمريكية من المأزق الذي تعاني منه . وكشفت المصادر أن الدول الأوروبية لم تبد حماسا للرؤى والمواقف التي حملها الرئيس مبارك ، وأنها في المقابل طالبته بعدم التصادم مع المطالب الأمريكية الخاصة بتسريع وتيرة الإصلاح وتوسيع مجال الحركة أمام قوى المعارضة . ونبهت المصادر إلى أن الدول الأوروبية لم تتجاوب مع مساعي الرئيس مبارك لإعطاء فرصة طويلة الأمد لحركة حماس بدلا من اتخاذ خطوات أحادية ضدها سيكون لها مردود سلبي على التسوية في الشرق الأوسط ، وتمسكت تلك الدول بموقف الاتحاد الأوروبي الذي يطالب حماس بالاعتراف بإسرائيل والاتفاقيات الموقعة معها ونزع سلاحها . وتحفظت الدول الأوروبية التي زارها مبارك أيضا على فتح ملف توريث السلطة لنجله جمال حيث طالبت هذه الدول بضرورة إدخال تعديلات دستورية تخفف من القيود المفروضة على الترشيح لمنصب رئاسة الجمهورية ، محذرة من أن تكرار سيناريو التوريث الذي تم في كوريا الشمالية والكونغو وسوريا في عالم ما بعد الحادي عشر سبتمبر بات مستحيلا . وقللت المصادر من مسألة التوافق الكامل الذي حدث بين القيادة المصرية وقيادات الدول التي زارها مشيرة إلي أن هذا الأمر لم يحدث بشكل مطلق ، وإن كان هناك قبولا أوروبيا بوجهة النظر المصرية المتحفظة على إرسال قوات عربية إلى العراق ، لكن ذلك تزامن مع ضغوط شديدة على مصر بخصوص حث السودان على القبول بوجود قوات دولية في إقليم دارفور ، وهو ما ترفضه الخرطوم وتساندها في ذلك القاهرة . ورأت المصادر أن النجاح الوحيد الذي حققته الزيارة تمثل في الملف الاقتصادي ، وبالتحديد في موافقة الدول الأوربية على تحويل ما يقرب من مليار دولار من الديون الأوروبية على مصر إلى استثمارات لدعم الاقتصاد المصري المتداعي ، لكنها أبدت مخاوفها من إمكانية أن تتسبب البيروقراطية الحكومية في إجهاض هذه الخطوة . من جانبه ، أكد د. عبد الله الأشعل الدبلوماسي المحلل السياسي أن الزيارة التي يقوم بها مبارك للعديد من الدول الأوروبية لم تنجح في تحقيق نجاحات تذكر ، خصوصا أن الدول التي زارها لن تنهي شهر العسل القائم بينها وبين واشنطن من أجل عيون النظام بحسب تعبيره ، حيث يسعى رئيس الوزراء الإيطالي بيرلسكوني إلى استمرار علاقاته الطبية مع واشنطن في حين تبذل المستشار الألمانية انجلا ميركل جهودا حثيثة لتطبيع علاقاتها مع واشنطن ، كما أن مراهنة النظام على أوروبا لتخفيف الضغوط الأمريكية فيما يخص الإصلاح لن تؤتي أي ثمار حيث يتشارك الأوروبيون والأمريكيون في سخطهم على تباطؤ وتيرة الإصلاح في مصر. من جهته ، قال الدكتور حسن بكر أستاذ العلوم السياسية بجامعة أسيوط إن الزيارة لم تستطع تحقيق انفراجة فيما يخص قضايا حماس وملف التوريث حيث لم يبد الأوروبيون أي تعاطف مع المساعي المصرية لإعطاء حركة حماس فرصة لإثبات جديتها بل أن الضغوط العربية تتزايد على الحركة لدرجة أن جهات أوروبية وأمريكية هددت حركة فتح بمقاطعتها إذا شاركت في حكومة تتزعمها حماس. ورأى بكر أن الأوروبيين لن يدعموا مساعي النظام للتوريث السلطة بشكل فج كما يرغب النظام حيث يدرك الأوروبيون حجم المعارضة الداخلية لهذا التوريث خصوصا على الاستقرار الهش في مصر لذا فلم ينجح النظام في الحصول على دعم أوروبي في أخطر ملفين . واتفق السفير أمين يسري الدبلوماسي السابق والمحلل السياسي مع وجهة النظر السابقة ، مشيرا إلى أن الأوروبيين أيدوا وجهة النظر الأمريكية فيما يخص الملفين السوري والسوداني ورفضوا مساعي النظام لتخفيف الضغوط عن الطرفين ، وهو ما يشير إلى عدم نجاح النظام في استغلال الزيارة لتخفيف الضغوط الأمريكية. من جانبه ، أكد الدكتور عبد الحليم قنديل المحلل السياسي والمتحدث الرسمي لحركة كفاية أن جولة مبارك الأوروبية لا تعدو عن كونها جولة علاقات عامة مع قادة ورؤساء هذه الدولة وهي عديمة الفائدة رابطا بين هذه الزيارة وتوتر العلاقات بين القاهرةوواشنطن خصوصا فيما يخص ملف حركة حماس عقب فوزها في الانتخابات التشريعية وكذلك تباطؤ واشنطن في تحديد موعد الزيارة السنوية لمبارك لواشنطن واصفا الموقف الفرنسي تجاه حماس بأنه أفضل من الموقف المصري.