نتجول مع القراء الكرام في فقه الصيام لنتعرف على بعض الأحكام التي لا يسع المسلم جهلها، حتى يكون صومنا صحيحا ومقبولا بإذن الله، وسوف نتحدث في هذه الحلقة والحلقتين التاليتين عن عدة أحكام مهمة، على النحو التالي: النية في الصوم الواجب: في البداية نؤكد أنه لا يصح العمل إلا بنية، وقد أكد النبي (صلى الله عليه وسلم) على ذلك في الكثير من الآثار، فعن عمر بن الخطاب (صلى الله عليه وسلم) قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه) (أخرجه البخاري). ومن ثم فلا يصح صيام الفرض إلا بنيه مبيتة من الليل، فعن حفصة أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له) (أخرجه النسائي).. لأن النية هي التي تفرق بين العادة والعبادة.. ويرى جمهور العلماء أنه يجب لكل يوم نية مستقلة، مع الأخذ في الاعتبار أن تناول السحور استعدادا للصيام يعد نية، والنية لا يشترط أن يتلفظ بها اللسان، بل تكون بالقلب، وإن اقترنت نية القلب مع النطق باللسان فذلكم أفضل.. وبالتالي فالأمر جد سهل وميسر.. الصيام قبل رمضان بيوم أو يومين: يحرم الصيام قبل رمضان بيوم أو يومين إذا قصد الصائم الاحتياط لرمضان؛ لأن في ذلك إذكاء للاختلاف وتمزيقا لوحدة الأمة.. أما إذا وافق ذلك عادة له بصيام أيام يصومها ولا يقصد الاحتياط لرمضان فلا بأس بصيامه، وذلك كمن يصوم الاثنين والخميس أو له عادة خاصة مثلا، فوافق ذلك آخر الشهر، أو من يصوم صياما واجبا كصوم نذر، أو كفارة أو قضاء رمضان سابق فلا بأس في ذلك.. فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجل كان يصوم صوما فليصمه) (أخرجه مسلم). وهناك حديث عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول فيه: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا) (أخرجه أبو داود). وهذا الحديث محمول على صيام النفل في النصف الثاني من شعبان، ومحمول أيضا على الاحتياط لرمضان.. أما من كانت له عادة أو يصوم صياما واجبا فإنه لا بأس بذلك كما سبق.. الأكل والشرب بعد تبيُّن الفجر: يحرم على الصائم الأكل والشرب بعد تبين الفجر، فمن أكل أو شرب عامدا مختارا ذاكرا لصومه من غير عذر فسد صومه، وله الوعيد الشديد من الله سبحانه وتعالى، يقول جل شأنه: (وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (البقرة:187) وعليه قضاء ذلك اليوم، والتوبة الصدوق، والندم والإقلاع عن فعل مثل هذا الصنيع مرة ثانية. مع الأخذ في الاعتبار أنه لو صام الدهر له ما كافئ هذا اليوم الذي أفطره عامدا متعمدا مختارا، وفي ذلك يقول الإمام ابن حزم (رحمه الله): ( ذنبان لم أجد أعظم منهما بعد الشرك بالله: رجل أخَّر الصلاة عن وقتها حتى ضاع وقتها، ورجل أفطر عامدا بغير عذر في رمضان) والله أعلى وأعلم.. وللحديث بقية..
* المدير التنفيذي لرابطة الجامعات الإسلامية – عضو اتحاد كُتَّاب مصر