موقف وزارة الخارجية الذي أعلنته للعالم فور صدور الحكم بسجن صحفيي الجزيرة هو: 1 - استقلالية القضاء، ورفض التعليق على أحكامه. 2 - الرفض التام للتدخل في الشأن الداخلي لمصر. 3 - صدور توجيهات للسفراء بطرح الحقائق، ونقل الصورة الصحيحة للعواصم الخارجية. في اليوم التالي أكد رئيس الدولة نفس الكلام قائلا: "قضاء مصر مستقل، وشامخ، ولن نتدخل في أحكامه، حتى إن لم يفهمها آخرون". وهكذا أيضا موقف نادي القضاة، وعدد من فقهاء القانون، وبعض الساسة، والنخب المرتبطة بالحكم. المغزى أن السلطة واثقة من سلامة وصحة مواقفها وسياساتها، وهي ماضية فيها دون مراجعة ، وبالتالي هي لا يعنيها من قريب ولا من بعيد الغضب والتنديد الدولي ضد الأحكام، سواء المتعلقة بصحفيي الجزيرة، أو بما سبقها من قضايا مما لم يحدث من قبل في تاريخ مصر من تسجيل أرقام قياسية بأحكام الإعدام، وسنوات السجن. لا أناقش الأحكام، ولا أعلق عليها، ولست رجل قانون ولا خبير فيه، إنما فقط أشخص الواقع، وهو في عمومه لا يعكس نظرة خارجية إيجابية لمسار السلطة، ويجعل العالم التي هي جزء منه، وتتفاعل معه، ويصعب أن تنعزل عنه، ينزعج منها على حالة حقوق الانسان، والحريات، وجدية بناء ديمقراطية فعلية، فكل خطوة تنفذها في خريطة الطريق يعقبها ممارسات سياسية، وأمنية، وأحكام قضائية تثير جدلا واسعا حولها، وتضعها في موقف الدفاع فقط عن النفس، وتلغي سريعا أي حالة بهجة بما أنجزته. يصعب القول إن عواصم العالم التي تندد وتحتج في حالة عداء مع السلطة، ولا تريد لها البقاء والنجاح، بل تلك العواصم تدعم بشكل أو بآخر تحركها على طريق الديمقراطية، وترحب بكل مسافة تقطعها سواء في الدستور، أو الانتخابات الرئاسية مؤخرا، وتلك العواصم رحبت بالسيسي، وشاركت في حفل تنصيبه، وانتهزت خطوة الرئاسة لتزيل آثار الماضي، وتبدأ التعامل والتفاعل الكامل مع مصر، وليس أدل على ذلك من نتائج زيارة وزير خارجية أمريكا قبل أيام الداعمة للقاهرة سياسيا، والمشجعة لها بالإفراج عن مبلغ كبير كان محتجزا ، ووعد بإرسال طائرات الأباتشي قريبا، وتعهد بالموافقة على المعونة كاملة في الكونجرس، ثم في اليوم التالي تصدر أحكام الصحفيين فتغضب واشنطن، ومع ذلك فإنها ماضية في دعمها العسكري والمالي. إذن لامجال للقول إن الغرب خصوصا هو خصم لمصر ولسلطتها، وأنه يريد هزها، هذا غير معقول، وغير منطقي تماما، فالغرب يبحث عن مصالحه قبل أن ينتفض من أجل الديمقراطية والحريات، لكن هو له حد أدنى من الصمت على انتهاك القيم التي يؤمن بها ويدافع عنها. تلك الأحكام سواء ما صدر منها، أو ما سيصدر في القضايا المنظورة قد تكون كلها تطبيقا لنصوص ومواد القانون، وقد قلت هنا أمس إن المحاكم تصدرها من نفسها دون توجيهات، أو ضغوط سياسية، لكن كيف تقنع السلطة العالم بأن ذلك هو القانون، وحكم القضاء العادل النزيه، وأنه لاتسييس، ولا دوافع سياسية، ولا انتقام على خلفية أزمات سياسية مع دول، ولا تصفية حسابات مع جماعات، وكيانات سياسية، ونشطاء وثوار؟. أتصور أن توضيح ذلك للعالم مهمة ثقيلة، وإقناعه به مهمة أثقل، وليس بسهولة بيانات وزارة الخارجية ، فالممارسات السياسية والأمنية بشكل عام لا تشجع كثيرا على الاقتناع، وتلك الأحكام الجديدة على المجتمع المصري تثير الشكوك خصوصا مع عالم له تاريخ سياسي وديمقراطي عريق، ولديه نظام قضائي راسخ ومستقل فعلا، ولديه تراث من الحفاظ على حقوق الإنسان، ثم أي مغالطات إعلامية سيقوم سفرائنا بالخارج بتصحيحها للعالم الذي يتابع لحظة بلحظة ما يجري بمصر، ولديه المعلومات كاملة، والرؤية الواضحة، فعهد الحمام الزاجل انتهى من زمان، وفي هذا السياق ما هي آليات مصر لعقاب الدول التي لا تلتزم بذلك، وتتدخل في شؤونها الداخلية ، وكأنه من حق أي سلطة اليوم أن تفعل ما تشاء دون أن يكون لأحد في العالم حق الاعتراض على ما يمس حقوق الإنسان، والحريات ، والمواثيق والعهود الدولية التي وقعت عليها. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.