يبدو أن فرصة الخروج الآمن من السلطة للقذافي أصبحت صعبة إن لم تكن مستحيلة، خاصة بعد صدور قرار المحكمة الدوليَّة بشأنه وابنه وأقرب معاونيه عبد الله السنوسي، الأمر الذي وضعه بين مطرقة الاغتيال وسندان القبض عليه، وأصبح المطلوب الآن اصطياد القذافي حيًا أو ميتًا، وهو ما يحاول القذافي الهروب منه عبر العديد من المبادرات السلمية دون جدوى، لأنها جاءت بعد فوات الأوان، فبعد محاولة اغتياله في غارة باب العزيزيزية، والتي قُتل فيها أحد أبنائه وعدد من أحفاده، جاء قرار المحكمة الجنائية الدوليَّة ليصبح الهدف الآن واضحًا وهو اصطياد القذافي بأي شكلٍ وبأي ثمن، وكأننا أمام ابن لادن جديد. في هذا السياق يقول المدعي العام في المحكمة الجنائيَّة الدوليَّة لويس مورينو أوكامبو: إنه واثق تمامًا من أن قضاة المحكمة سيستجيبون لمذكرات التوقيف التي طلب إصدارها بحق العقيد الليبي معمر القذافي ونجله سيف الإسلام وعبد الله السنوسي رئيس المخابرات الليبية، باعتبارهم مسئولين مباشرين عن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وهي مذكرات رحبت بها المعارضة. وتحدث عن توثيقاتٍ تشمل تسجيلات مصورة وصور متظاهرين تطلَق عليهم النار، وإفادات شهود هربوا (بينهم شاهد أقر بتلقيه تعليمات مباشرة من القذافي)، وآخرين سجنوا ورأوا ناسًا يعذبون ويقتلون. وتحدث عن مهلة أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع أو شهرين إلى ثلاثة أشهر قد يستغرقها القضاة للرد، الذي قد يكون بالإيجاب أو الرفض أو بالتماس أدلة إضافية، لكنه قال: إنه يمكن للسلطات المحلية في ليبيا الاستعانة بالمجتمع الدولي لتنفيذ أمر الاعتقال الذي يقع عليها، حسب قوله. وقبل ذلك تحدث أوكامبو عن أدلة مباشرة استُقيت من 1200 وثيقة تثبت تورط الثلاثة، وعلى رأسهم القذافي، الذي أمر شخصيًّا -حسبه- بمهاجمة مدنيين عزل في بيوتهم وفي أماكن عامة بالذخيرة الحية وبالأسلحة الثقيلة، واستخدم لفرض "حكمه المطلق" الدائرةَ الضيقة والعائلة مِن حوله، بمن فيهم صهره السنوسي "يده اليمنى"، ونجله سيف الإسلام الذي وصفه بأنه رئيس وزراء فعلي، واعتبره مسئولًا عن تجنيد المرتزقة. وأعلن أوكامبو قبل شهرين ونصف تقريبًا، والثورة لم تكمل أسبوعها الثالث، أنه سيفتح تحقيقًا في وقوع انتهاكات، يستهدف القذافي وسبعة آخرين، بينهم ثلاثة من أبنائه، لكن أوكامبو قال: إن وجود ثلاثة في القائمة فقط، لا يعني عدم وجود مسئولين آخرين، لكن الأمر اقتصر الآن على من يتحملون المسؤولية الأكبر. وقد بدأ أوكامبو تحقيقه بعد وقت قصير من إحالة مجلس الأمن الملفَّ الحقوقي الليبي إلى المحكمة الجنائية قبل نحو شهرين ونصف. ويقول أوكامبو: إنه تلقَّى اتصالات من مسئولين ليبيين رفيعي المستوى الأسبوع الماضي لتقديم معلومات تدعم الملف. وقال أنه يرغب في التحدث إلى وزير الخارجية المنشقّ موسى كوسا، دون أن يذكر أنه تواصل معه. و لم يقف الأمر عند هذا الحد؛ بل هناك اتهامات أخرى بالاغتصاب ينظر فيها المحققون في ليبيا، حيث يشمل الملف اتهامات بوقوع حالات اغتصاب جماعي وجرائم حرب ارتكبتها الأطراف المتصارعة، وبوقوع هجمات ضد أفارقة نُظر إليهم خطأً على أنهم مرتزقة. ويستند المحققون في هذا الملف -الذي سترفع نتائجه بعد ثلاثة أسابيع- إلى تقرير لجنة تابعة لمجلس حقوق الإنسان الأممي. وتقول أرقام أممية: إن آلافًا قتلوا في النزاع، وإن نحو 750 ألفًا اضطروا إلى مغادرة ليبيا. وجاءت ردود الأفعال مؤيدة لهذا القرار، حيث قال وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني: إن مسئولين ليبيين يبحثون عن طريقة يغادر بها العقيد إلى المنفى عقب صدور هذا القرار الذي لقي ترحيبًا كبيرًا، كما لقيت المذكرة ترحيب المجلس الوطني الانتقالي، الذي قال نائب رئيسه عبد الحفيظ غوقة: إن المعارضة تريد أولًا محاكمة داخلية للعقيد ومساعديه. وقال: إنه ينبغي محاكمة العقيد أولًا على "جرائمه" قبل الثورة، وهي أفعالٌ شدّد أوكامبو -في حديثه للجزيرة- على أن المذكرات لا تشملها. كما أشادت فرنسا بقرار لويس مورينو أوكامبو، مدعي المحكمة الجنائية الدولية، القاضي بطلب إصدار مذكرة توقيف قريبًا بحق الزعيم الليبي معمّر القذافي بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وقالت الخارجية الفرنسية: إن فرنسا تدعم قرار أوكامبو بطلب إصدار ثلاث مذكرات توقيف بحق القذافي ونجله سيف الإسلام وعبدالله السنوسي، مدير الاستخبارات، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وأضافت أن "هذا القرار الذي يرتكز على القرار 1970 الصادر من مجلس الأمن الدولي يندرج في إطار سياسة مكافحة الإفلات من العقاب في كل الأماكن، والتي تدعمها فرنسا بقوة". وكان مجلس الأمن الدولي قد طلب من مدعي المحكمة الجنائية الدولية في 26 فبراير التحقيق في هذه المسألة بعد أسبوعين من بَدْء الانتفاضة الشعبية في ليبيا. ومن جانبها، أصدرت الشرطة الدولية "الانتربول" مذكرة بحق العقيد القذافي ومَن صدرت ضدهم مذكرة المحكمة الجنائية الدولية، وتدعو المذكرة التي تعرف باسم (الإخطار البرتقالي) جميع الدول الأعضاء، وعددهم 188 دولة، لاتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية المدنيين، وفرض حظر على السفر ضد المواطنين الليبيين الستة عشر، فضلًا عن تجميد الأصول لستة منهم، وتشمل المذكرة العقيد معمر القذافي، وثمانية من أبنائه، واللواء أبو بكر يونس جابر، والعقيد البغدادي عبد الله السنوسي، وأبو زيد عمر دورده، والدكتور عبد القادر محمد البغدادي، وآخرين من معاونيه. وقالت الإنتربول: إنها أصدرت الإخطار البرتقالي لتحذير الدول الأعضاء من الخطر الذي تشكله حركة هؤلاء الأفراد وممتلكاتهم. وأضافت في بيان: إن هذه الخطوة تأتي أيضًا لمساعدة المحكمة الجنائية الدولية على التحقيق في جرائم مزعومة ضد الإنسانية في ليبيا. وقال الأمين العام للإنتربول رونالد نوبل: "يجب علينا أن نعمل كأولوية من أجل حماية السكان المدنيين في ليبيا، وأية دولة أخرى يمكن أن يسافر إليها هؤلاء أو يحاولون نقل أصولهم إليها". وكانت صحيفة "الجارديان" نشرت تقريرًا عن مستقبل ليبيا، في الوقت الذي تقترب فيه البلاد من حافة الحرب الأهلية. ورأت الصحيفة أن هناك أربعة سيناريوهات محتملة لهذا البلد الذي يعاني من حكم الديكتاتور معمر القذافي. فالسيناريو الأول، هو "بلد مقسم"، فمن المحتمل أن ينتهي الوضع الحالي إلى انقسام بين دولة ليبية حول طرابلس ضعيفة، وحركة تمرد شرقية لا تستطيع أن تستولي على البلاد بأسرها. فالقوات المناهضة للقذافي تسيطر الآن على بنى غازي وأغلب شرق ليبيا حتى الحدود مع مصر. ويدير هذه المناطق زعماء القبائل واللجان الشعبية وكبار الشخصيات التي انشقت عن النظام، في حين يسيطر المتمردون على حقول النفط في رأس لانوف وبرجا. السيناريو الثاني، يتعلق بمستقبل القذافي، فإما القتال أو الهروب على طائرة، فمعمر القذافي قال أنه سيموت كشهيد في ليبيا بدلًا من الهروب إلى الخارج. ويقدر الخبراء العسكريون أنه يعتمد على ما بين 10 إلى 12 ألفًا من القوات، إلى جانب أجهزة الأمن والمرتزقة الأجانب. ورغم أهمية القوات الجوية، إلا أن العقوبات المفروضة من الأممالمتحدة تمنعه وأبناءه من السفر إلى الخارج. ويبقى ملجأه الوحيد التوجه إلى دولة صديقة له تتحدى بالفعل المجتمع الدولي، وأبرز هذه الدول هي زيمبابوي. ويبدو أن التحدي حتى النهاية هو الخيار المفضل للقذافي، على الرغم من أن هذا يعني مزيدًا من إراقة الدماء. أما السيناريو الثالث، فيخص التدخل العسكري الأجنبي في ليبيا، وتشير الصحيفة إلى أن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون قال للبرلمان البريطاني أنه طلب من وزارة الدفاع ورؤساء القوات المسلحة العمل مع الحلفاء على خطط لحظر الطيران، وقد بدأت هذه المحادثات في واشنطن قبل أيام قليلة. ويحرص المسئولون البريطانيون على تأكيد أن أي إجراء سيتم اتخاذه في حالة التأييد الدولي الواسع له. وربما يتم دعوة الأممالمتحدة إلى توفير قوات حفظ السلام من أجل ضمان تسليم المساعدات الغذائية ربما عبر مصر وتونس. السيناريو الرابع والأخير، يتعلق بفراغ السلطة، وتقول الجارديان: إن هناك مخاوف بشأن احتمال حدوث فراغ للسلطة في ليبيا إذا تمت الإطاحة بالنظام أو انهياره بشكل مفاجئ. وعلى الرغم من أن المجلس القومي الليبي، ومقره في بنى، غازي هدفه سد هذه الفجوة، رغم إصراره على أنه ليس حكومة مؤقتة، إلا أنه منقسم سياسيًا. كما تزداد المخاوف بشأن تصاعد حدة التنافس بين القبائل واستفادة القاعدة من هذا الفراغ، وتقوم بإعادة تنظيم نفسها في بلد تعرض فيه الجهاديون للهزيمة. ويخشى المراقبون للشأن الليبي من أن فصائل المعارضة المشاركة في القتال ضد القذافي ليست منظمة سياسيًا، وتفتقد استراتيجية واضحة من أجل الإطاحة به.