يظن البعض خطأً، أن من ينكر الدين، ويتجاهل العقيدة، يكون قد ركب على متن سفينة الثقافة، وكلما بالغ في إظهار رفضه وانكاره أو استخفافه ؛ كلما كان أكثر تفتحاً وثقافة. هذا ما نلمسه من خلال عرض أولئك ( أنصاف المثقفين ) لآرائهم المسمومة الهدامة عن غير علم بما يعرضون، وفي الأغلب الأعم تساق السفينة لا إلى بر الأمان، بل الى القاع، الجهل والتنطع. للإنسان الحق في إبداء رأيه، وذلك حق مشروع، يتمشى مع مبادئ حقوق الإنسان التي أقرها الله تعالى، والتي أقرتها المنظمات الدولية، ولكن، فيم يمكن للإنسان أن يبدي رأيه؟ أللشاعر الحق في إبداء رأيه في الظواهر الفلكية؟ أم للناقد الأدبي الحق في إبداء رأيه في نقد نظرية النسبية لأينيشتاين؟ هل من حق المهندس المدني أن يدلي بدلوه في قانون الأحوال الثلاثة لأوجست كونت؟ إن مسألة التخصص من المسائل البديهية التي يجب أن يعترف بها كل إنسان مثقفاً كان أم جاهلاً، وبالفعل الجميع يؤمن بالتخصص، فأي إنسان مصاب برمد لا يذهب إلى طبيب الأمراض الصدرية، ومن أراد تشييد بناءاً، يبحث عن مهندس، لا عن أديب، ولكن السواد الأعظم من الناس يجتهد برأيه في أمور الدين والعقيدة على الرغم من أن الله عز وجل أمرنا بسؤال أهل الذكر إن كنا لا نعلم، ويتجاهلون مبدأ التخصص في الدين على الرغم من أهميته البالغة، فقد يكون الشاعر فلكياً أو دارساً لعلم الفلك، ومن ثم فله الحق في إبداء رأيه فقط في ظاهرة فلكية. وقد يكون الناقد الأدبي فيزيائياً، له دراية بالفيزياء أو درس نظرية اينشتين، وبالتالي فله الحق في مجالسة علماء الفيزياء وإبداء مجرد رأي فقط في هذه النظرية. كذلك لابأس من أن يدلي المهندس المدني بدلوه كمجرد رأي في نظرية أوجست كونت إن كان من المهتمين بالثقافة والفكر و السوسيولوجا. لا بأس أن يبدي الإنسان برأيه؛ شريطة أن يكون على علم بما سوف يبدي برأيه فيه، ولكن من الاستحالات المنطقية أن يكون جاهلاً ويبدي برأيه وينقد وينتقد ويشرع ويسخر. إن المهزلة التي حدثت في الأسبوع الماضي على شاشة قناة دريم 2 الفضائية، أثارت حافظتي كثيراً ضمن الكثيرين من المسلمين الذين عانوا وتألموا من جراء مشاهدتهم لهذا البرنامج الذي لم يكن ناجحاً، وهذا ما لم نعهده من السيدة / نجوى إبراهيم التي لاتقدم الا البرامج الناجحة دائماً، أرجو إلا تكون أصابتها عيون الحساد. إن مسألة التخصص في الدين بفروعه المتعددة أمر واجب ومهم، إنه تخصص قائم بذاته، فالدين على اطلاقة أحد فروع المعرفة وأشرفها ويندرج تحته الكثير من التخصصات الأكثر تعمقاً، فثمة عالم أديان، ذلك هو الذي درس الأديان كلها ( وضعية وسماوية ) ودرس فلسفاتها وتاريخها، فهذا ، له الحق في إبداء رأيه في الأديان على عمومها، من حيث تدرجها، تاريخها، المقارنة بينها ...الخ فحسب. أما المختصون في أحد الأديان من مثل: الهندوسية، أو البوذية، أو الزرادشتية، أو اليهودية، أو المسيحية، أو الاسلام؛ فلكل منهم الحق في أن يدلي بدلوه في مجال تخصصه الدقيق، فعلى سبيل المثال: للحاخام اليهودي الحق في تفسير أحد نصوص التوراة أو أحد أسفار العهد القديم، وللكاهن أو البابا أو البطريرك الحق في مناقشة رؤيا يوحا اللاهوتي، أو إنجيل متى، أو رسالة بولس إلى أهل رومية. كما لعلماء الدين الاسلامي الحق في إبداء آرائهم في القضايا الإسلامية، ولما كان الدين الاسلامي هو آخر الأديان وأشملها، فقد تفرع منه الكثير من الفروع، لكل فرع منها متخصصون يجيدون استيعاب قضاياه أفضل كثيراً من غيرهم من رجال الدين غير المتخصصين، فلعالم التفسير الحق في إبداء رأيه في علم الحديث، ولكن لم يكن بدقة عالم الحديث، ولعالم السيرة النبوية الحق في ابداء رأيه في الشريعة الإسلامية، ولكن أيضا لم يكن بدقة عالم الشريعة وهكذا، ولكن ما يثير السخرية أن تفتي سيدة مسلمة ليست ملتزمة بأبسط مبادئ الإسلام، في مسائل شرعية دقيقة، ترفض تعدد الزوجات، وترفض أن يكون للرجل حق القوامة التي اعطاها الله تعالى للرجل، وترفض مبدأ الطلاق، وترفض إرتداء الحجاب، إن من يسمعها من دون أن يعرفها سوف يشك حتماً في أنها مسلمة، وبخاصة عندما بدأت تساير ميلاد حنا، ورفيقه القمص في السخرية من الدكتور الأزهري عضو مجمع البحوث الاسلامية، وللأسف كانت السيدة / نجوى تضيق الخناق عليه هي الأخرى. أوجه عتابي الكبير للسيدة / نجوى ابراهيم التي أعدت وقدمت هذا البرنامج، فقد أخفقت في اختيار الأربعة، أما الدكتور، فمع جم احترامي الشديد له إلا أنه ليس متخصصا إلا في الشريعة الإسلامية فحسب، ولم يكن على دراية بالدين المسيحي ولم يكن خبيراً في فن الحوار ولا يجيده على الاطلاق، كما أنه سريع الإستثارة وهذا يتنافى مع ديناميكية الحوار مع الآخر. السيدة / فريدة النقاش، فلولا أنني التقيت معها في الصيف الماضي بمكتب رئيس قسم علم الاجتماع بجامعة القاهرة وتزامنت زيارتي مع زيارتها له، وتجاذبنا الحديث حول الثقافة التربوية لأيقنت أنها ليست مسلمة، ولم تكن مهتمة إلا بتعليق ابتسامتها المفتعلة الساخرة المستفزة طوال عرض البرنامج. ميلاد حنا، أود أن أتساءل أولاً، من الذي نصبه مفكراً ومثقفاً؟ أم ان ذلك من قبيل المجاملة، كتنصيب (....) بسلطان الطرب ، و ( ......) بزينة شباب السينما ، و.. و.. الخ كيف يسمح هذا المثقف الفذ لنفسه بتوجيه النقد بشكل مباشر لتشريعات أي دين وبخاصة الدين الاسلامي، أرى أنه تطاول وتجاوز الحدود، والأكثر من ذلك التطاول، تصريحه بمغادرة مصر إذا سيطر الأخوان المسلمون على الحكم في مصر، ليس في قلبه رحمة، كيف تستقر مصر ويعيش شعبها من دون وجود مشرعها ومفتيها ميلاد حنا؟ ذلك الذي تعد الثقافة بالنسبة له سراباً. أود أن أودعه بنفسي في مطار القاهرة، متمنياً عدم التوجه الى المطار لاستقباله مرة اخرى الى الأبد. أما القمص، الذي اعتمد على تأييد السيدة / فريدة النقاش له، في أن من يجمعه الله، لا يفرقه انسان كما ورد في العهد الجديد وظل يردد هذه الآية الانجيلية طوال فترة عرض الحلقة تقريباً.. ربما يكون للضيف الدكتور الحق في إبداء رأيه، وفي تفسير المبهم في القضايا الإسلامية، لكونه مختص في الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر سابقاً، وعضو مجمع البحوث الاسلامية حالياً، وقد يكون للسيدة / فريدة النقاش الحق أيضاً ولكن بدرجة أقل كثيراً لكونها تعد ضمن ملايين المسلمين، ولكن كيف يعطى الحق لميلاد حنا أو للقمص الحق حتى في مجرد النظر إلى الشريعة الاسلامية بعين النقد؟ ويتجرآن على المقارنة والمفاضلة بين الطلاق ومشروعيته في الاسلام، وبين من يجمعه الله لا يفرقه إنسان، وكأن الله لم يتدخل في التفريق والإنسان وحده هو الذي يفرق، وكأن الإنسان ليس له علاقة بالتجميع، لقد تطاولا كثيراً ( ميلاد والقمص ) وساعده في ذلك بشكل مباشر إوغير مباشر السيدة/ فريدة، ولا أعفي السيدة / نجوى من المسؤولية التي نتج عنها هذه المسرحية الهزلية فقد هاجمت الدكتور كثيراً وسخرت منه أكثر، وإن أرادت عقد مثل هذا الحوار بين الأديان، ولست على علم بمن يستطيع الخوض في مثل هذه الأمور، فمن الممكن عمل إعلان أو استكتاب، وستجدين من يجيدون الحوار، ومن هم على دراسة ووعي تام بالأديان، وكما تعلمين أن مصر دائماً منجبة، وهي دوماً غنية بأبنائها. في آخر مقالي أحمد الله تعالى الذي وهبنا نعمة الاسلام والغيرة علية، وأشكر تلك الأقلام التي بادرت وهبت للدفاع عن الإسلام، ولنقد هذه المهزلة وبخاصة الأستاذ الجليل/ محمود سلطان الذي لم يتأخر في الرد، ودعك ممن يقولون أن في ذلك فتنة وإشعال لها، أو من يقول الفتنة نائمة فلا تشعلوها، وإلى متى يظل الإسلام يهاجم من داخل مصر ومن الدنمرك ونصمت؟ *أكاديمي مختص في الفلسفة والأديان E-mail: [email protected]