هدأت قليلاً عاصفة الاحتجاجات التي أعقبت الإعلان عن التعديلات في قانون المطبوعات والنشر في السعودية، والتي أحدثت لغطاً كبيراً بين الإعلاميين السعوديين، فمجموعة كبيرة رأت أنها متجاوزة، وأنها تحدّ من حرية التعبير، وأنّ سيف الرقيب سيكون مسلطاً على رقبة الكاتب، وبالتالي سيشيح عن الكتابة بطريقة ناقدة، ويتجه للكتابات الترفيهية غير الجادة، وتبتعد الصحافة شيئاً فشيئاً عن أداء دورها الرقابي كسلطة رابعة، تعين الرسمي والمسؤول. الآخرون –من الزملاء الإعلاميين- رأوا أن تلك التعديلات ضابطة لهذه الحرية التي ننعم بمناخها، وستضعها في مسارها الصحيح كحرية تنسلك في إطار القانون، وأن المساحة كما هي لم تتغير، إلا في ضرورة التزام المحررين والكتاب الصحافيين بالحرية المسؤولة، التي تصطحب الوثائق والإثباتات التي تدلّل على صوابية رؤيته، وإن حاد عن ذلك؛ فيتحمل العقوبات التي تقع عليه بنصّ القانون. وبين يدي الحديث، وقبل الغوص في هذه القضية؛ أجد من الأمانة شكر وزارة الإعلام التي تنتهج نهجاً فيه الكثير من الشفافية، وتستمع إلى كثير من النقد وتتيحه، وتردّ على استفهامات الزملاء بقدر كبير من الأريحية، وتابعت تعليقات وزيرنا الخلوق د.عبدالعزيز خوجة وهو يفنّد كل النقد الشديد الذي طال القرار بكل الوضوح، فضلاً عن مشاركات الأستاذ عبدالرحمن الهزاع الإعلامية في تبيان وجهة نظر الوزارة. أسجّل هذه السطور من باب الموضوعية والعدل، بعيداً عن رؤيتي التي ترى أنّ في هذه التعديلات قصوراً يحتاج إلى ترميم، وأنّ بها عموميات تتسع وتضيق بحسب تسامح اللجنة التي تفصل في تلك القضايا، وإنْ أكدّ معاليه ومساعده في أحاديثهما الصحافية بأنّ ثمة شيء لن يحدث من هذه المخاوف التي تحدّث بها الكتّاب –شخصياً أصدقهما- لكن مًن الضامن في حال رحيل معاليه؛ أنْ تظل الأمور بهذه الأريحية، وألاّ تحدث ردّة للوراء، وانتكاسة لربيع الحرية التي نعيش بفعل هذه التعديلات؟. أتساءل هنا-متكئاً لمساحة حرية التعبير التي قالت الوزارة أنها لم تمسّ- مع جمهرة الزملاء المحتجين، لماذا استبعد الصحافيون من أن يكون لهم من يمثلهم في هذه اللجنة، وهم المعنيون الحقيقيون بالموضوع؟، صحيحٌ أن هيئة الصحافيين –بكل أسف- هللت وباركت هذا المشروع –لأمينها العام عبدالله الجحلان تصريح مؤيّد ومحتفٍ بالتعديلات- إلا أنّ الهيئة لا تمثّل كلّ الصحافيين، بل لا تمثّل كتّاب الرأي الذين هم معنيون مباشرون بهذه التعديلات، فضلاً عن أن الهيئة لا تشمل في عضويتها الصحافة الإلكترونية التي تزاحمها اليوم في الاستحواذ على القارئ، بل وباتت تتجاوز الصحافة الورقية بمراحل. ربما عبّر الرعيل الأول عن رأيه بالموافقة والحفاوة -لأستاذنا الخلوق خالد المالك تصريح مؤيّد أيضاً لهذه التعديلات وأبدى عدم تخوّفه- وهذا حقهم بالتأكيد ووجهة نظرهم، غير أنني أوجّه عتابي هنا للزملاء الشباب الأعضاء في هيئة الصحفيين، بأنه كان من المفترض الاحتجاج على تجاوز الهيئة أو الصحافيين من أن يكون لهم صوت، ينافح عن حقوق الصحافيين والكتّاب، أسماء من مثل جميل الذيابي وخالد دراج وخالد الفرم وغيرهم، يمثلون الطليعة الصحافية الواعدة من الجيل الجديد، وليسمحوا لي بعتابهم هنا في سكوتهم عن هذا الحقّ، وهم ممن أدرك المناخ الإعلامي الجديد، وتبلور بعضهم عبره، وكان من المفترض أنْ يكون لهم صوت معارض، يترجم الحراك الشبابي أو الجيل الجديد من الصحافيين السعوديين الذي لم يتدجّن بعد في السلوك المتوارث من الأجيال الكبيرة، كان عليهم أن يطالبوا أستاذنا الكبير تركي السديري بالتحرّك والاحتجاج، والمطالبة بهذا الحقّ للصحافيين، وإن استدركت وزارة الإعلام ذلك بتوجيه دعوة للهيئة لاحقاً، إلا أنه كان من المفترض مباشرة ذلك الحق المكفول لنا كصحافة من لدن هيئتنا الموقرة ابتداءً. عموماً، هذا عتاب محبّ أتمنى أن يصل؛ كي لا يتكرر مرة أخرى، وتكتفي هيئتنا الموقرة بالتصفيق، ونبحث نحن الصحافيين عن شيء يدعى الكرامة. موقفٌ آخر مؤلم، يتمثل في تهليل بعض أعضاء مجلس الشورى السعودي لهذه التعديلات، والحقيقة أنه أحزنني جداً ما وصل إليه المجلس من انكفاء، وقد عقد المواطن السعودي بعض آماله عليه. مجلس الشورى السعودي مفترضٌ أن يكون من مصادر القرارات التشريعية في هذا الوطن، والتعديلات التي نتحدث أجرتها لجنة!! هنا ثغرة قانونية كبيرة، فقد كان من المفترض أن يطالب مجلس الشورى بحقه في النظر في هذا التشريع بأن يصدر منه، ووقتما طرحت هذا الأمر بين ثلة مثقفين، جزم الدكتور أنور عشقي الخبير الاستراتيجي المعروف بأنه مرّ على الشورى ووافق عليه، لأن هذه آلية اصدار القرارات، بيد أنني لم أهضم ذلك -كإعلامي خبُر إصدار القرارات- فقمت بسؤال أحد (الشورجيين) الكبار الذي نفى نفياً قاطعاً بعلم مجلس الشورى أصلاً بهذه التعديلات، ما يجعلني هنا أعاتب المجلس ورئيسه، وفيهم فضلاء وزملاء كرام، بأن من الضروري المطالبة بحقهم، فثمة آلية نظامية تحدّد مسارات القرارات التشريعية، وبدلاً من الهتاف والتصفيق الذي قام به بعض الأعضاء، كان عليهم رفع العقائر والجأر بعودة الكرامة للمجلس. أقسم بالله غير حانث، أن رئيسي مجلس الشورى وهيئة الصحافيين لو طالبا بهذا الحق لنالاه، فنحن نعيش في عصر عبدالله بن عبدالعزيز، وقلوب ولاة الأمر مفتوحة، ولكن السكوت هو المشكلة. سننتظر اللائحة التفسيرية لهذه التعديلات، وكلنا بالتأكيد مع القانون والحرية المسؤولة، وفي ذات الوقت نجزم يقيناً بألاّ عودة للوراء والانتكاسة، فوطنٌ هو في الصميم من قلوبنا، يستحق منا أن ننتصر لحريته. إعلامي وكاتب سعودي [email protected]