قائل هذه العبارة هو عبد الرحمن شلقم مندوب ليبيا بمجلس الأمن الذي ترك خدمة نظام القذافي وانحاز للثورة. العبارة البليغة لخص بها شلقم حالة القذافي المصاب بداء جنون العظمة, إما أن يظل حاكما حتى يذهب للقبر ويرث أحد أبنائه الحكم من بعده أو القتل لكل من يتجرأ ويشق عصا الطاعة حتى لو تمت إبادة الشعب المقهور كله. وهو مايحدث بالفعل في ليبيا منذ 17 نوفمبر الماضي حيث ترتكب كتائب القذافي ومرتزقته مجازر بحق الليبيين. الحاكم العربي المعاصر هو امتداد للتاريخ القديم فهو يعتقد انه يمتلك البلد الذي يحكمه وبالتالي لايتصور أن من حق أحد من رعاياه أن يقول له "لا", أو كفى , أو ارحل. هذه هى آفة الاستبداد الذي له تاريخ طويل في بلاد العرب والمسلمين , وبعد الاستقلال عن المستعمر عشنا خدعة النظم الجمهورية, التي تأسست على مبدأ اختيار أو انتخاب الشعب لحاكمه لإحداث قطيعة مع الملك العضوض والتوريث الآلي, لكن التجربة كشفت أن هذه النظم هى ملكيات أخرى مقنعة حيث كل الرؤساء الذين دخلوا السلطة لم يغادروها , فقد تحولوا إلى ملوك , ولم يُجر أحدهم انتخابات حرة ليعرف هل الشعب يريد استمراره أم لا , والذين خرجوا من القصر إما بالموت أو الانقلاب العسكري, وترون الآن حجم الدماء التي سالت - ومازالت تسيل - لإسقاط ملوك الجمهوريات الذين ثارت عليهم شعوبهم. لكن مهما كانت التضحيات فإن مكاسب إزالة الاستبداد والحاكم الفرد والحزب القائد لاتقدر بثمن لأن الشعوب التي تتحرر بدمائها وبثورات شعبية وليس بانقلابات عسكرية تدخل عصر الأمم الحرة التي لاتعلو فيها سلطة على سلطة الشعب. تلك الثورات لاتزيل ديكتاتورية حديثة عمرها عدة عقود فقط إنما تزيل إرثا تاريخيا من الطغيان الذي يعود لقرون طويلة في هذه المنطقة, لذلك فالمهمة ليست سهلة لأننا بصدد التأسيس للدولة العربية الديمقراطية الحديثة على غرار ماحصل في أوروبا بعد الثورة الفرنسية إذا لم تنتكس تلك الثورات وتنجب ديكتاتوريات جديدة. ثورتا تونس ومصر حققتا الانتصار وأزالتا نظامين سلطويين وهذا شجع شعوبا عربية أخرى على الثورة لأجل الحرية والكرامة, ونجاح ثورة اليمن بات قريبا رغم مناورات صالح الذي استنفد كل مافي جعبته من ألاعيب وشراء للوقت , هو أيقن انه زائل لامحالة لكن ما يؤرقه مشهد زميله المخلوع مبارك وهو يحاسب ويقترب من المحاكمة, حيث يخشى المحاكمة على الجرائم التي ارتكبها في حق الثوار وحق الشعب اليمني طوال 33 عاما. لذلك كان حرصه على أن تتضمن أي مبادرة لرحيله حصوله على ضمانات تحميه وأسرته ورجاله وهو ماتضمنته المبادرة الخليجية التي كانت حلا وسطا لحفظ ماء وجهه وحمايته من الملاحقات, لكن صالح تلاعب كعادته وظهر أن شباب الثورة يفهمون سلوكه السياسي المراوغ جيدا عندما طالبوا برحيله فورا ومن دون شروط أو حماية أما المعارضة التي تجاوبت فقد انتهى بها الأمر إلى نعي المبادرة التي أفشلها صالح, من الواضح أن المعارضات العربية التقليدية هى نسخ من بعضها البعض فالمعارضة المصرية كانت مستعدة للتجاوب أيضا مع أي فتات يطرحه مبارك ليخفف من أزمته ويشتري الوقت لعبور الأزمة الأعنف في تاريخه لكن شباب الثورة كانوا أكثر وعيا بإصرارهم على رحيل مبارك فورا وقد أثبتت الأيام أنهم كانوا محقين تماما في ضرورة الرحيل وإسقاط النظام فلو تجاوب الشباب مع المعارضة وتحاوروا مع النظام ووصلوا لأي حلول وسط لكانت أجهضت الثورة ولكان النظام الفاسد مازال يتنفس لليوم ليقوم بانقلاب ناعم وهادئ على أي اتفاقات ولكانت الأوضاع عادت إلى ماقبل 25 يناير. في تونس طبّق بن علي مقولة "إما أن أحكمكم أو أقتلكم ", فالشرطة ظلت تقتل دون جدوى فطلب من الجيش سحق المتظاهرين و قصف مدينة "القصرين" بالطائرات لكن الجيش الوطني رفض. وفي مصر رفض الجيش أيضا استخدام القوة ضد الثوار وجنب البلاد كوارث رغم سقوط 846 شهيدا برصاص الشرطة ولو لم تنهار الشرطة أمام كثافة المتظاهرين في جمعة الغضب لكان الشهداء بالألوف, فمبارك لم يكن يتخلى عن السلطة طالما في يديه وسائل قمع تستجيب لأوامره. المؤسف أن القذافي حول ثورة ليبيا السلمية إلى حرب لأن ملك ملوك أفريقيا لايتصور أن يتمرد على ملكه أحد من رعاياه, ولأنه دافع عن زميليه المخلوعين بن علي ومبارك فاستعظم أن يتعرض للمصير ذاته وهو الذي صور له خياله المريض انه حكيم هذا الكون فكيف يخرج شعبه على حكمته الزائفة. لايوجد جيش وطني في ليبيا يحمي الشعب من بطش الحاكم انما كتائب أمنية مرتبطة به وبأولاده وولائهم ليس لليبيا ولا لشعبها إنما لمن يطعمهم, وقد زاد الأمر سوءا باستعانته بالمرتزقة الأفارقة والأجانب وبعضهم عرب. مصير القذافي الآن في أيدي قوات التحالف ومهما طالت الحرب فهو زائل فلن تعود ليبيا إلى ماكانت عليه قبل 17 نوفمبر ولن يرث نجله الدموي سيف الإسلام حكم هذا البلد. قرار انتهاء عصر القذافي اتخذ لكن تنفيذه يخضع لحسابات دولية تتعلق بالاطمئنان إلى الوضع الجديد والوثوق في الثوار والمجلس الانتقالي وإزالة أي مخاوف تتعلق بعدم وجود "القاعدة" بينهم, وتقديري أن نهاية القذافي وصالح تقترب, لكن من يسبق الآخر؟. أما سوريا والدماء التي تسيل في شوارعها أنهارا فهى صورة أخرى من ليبيا تحتاج إلى مقال قادم.