هناك من يقول : إن التاريخ لا يعيد نفسه ؛ وهذا صحيح في وجه من الوجوه ، لأن الزمان يختلف ، والناس تختلف ، والحوادث تختلف، وملامح الواقع تختلف.. بيد أن المقولة لها وجه آخر صحيح أيضا فحواه أن التاريخ يعيد نفسه، لا من حيث الزمان والناس والحوادث وملامح الواقع ، وإنما من حيث الدروس والعبر والمواقف والنتائج.. في زمن الحروب الصليبية تمزقت بلاد المسلمين ، وخاصة بلاد الشام ، وتناحر الحكام المسلمون ، واستقل كل منهم بإمارة أو سلطنة ، وصلت مساحة بعضها إلى حجم طابع البريد ! وكانت غاية هؤلاء الحكام هي تثبيت سلطاتهم بأية وسيلة من الوسائل ، ولو كانت الاستعانة بالقادة الصليبيين الغزاة الذين جاءوا من بلاد الفرنجة ؛ لنهب البلاد وإذلال العباد؛ لدرجة أن الأخ المسلم الحاكم يستعين بهؤلاء ضد أخيه الحاكم المسلم ابن أمه وأبيه .. وظل الأمر كذلك ما يقرب من مائتي عام ، حتى أذن الله بالوحدة والنصر وتحرير القدس وطرد الصليبيين الغزاة على يد الناصر لدين الله صلاح الدين الأيوبي ! وفي بلاد الشام انتعشت الطائفية والمذهبية ، ومالت الفرق الضالة إلى جانب الصليبيين ، يطلبون معونتهم وحمايتهم ، ويقدمون لهم الخدمات ضد أمتهم وشعوبهم ، وكان أبرز من خدموا الصليبيين الغزاة : طوائف وأتباع المارونية والنصيرية والدروز .. وقيض الله للأمة في هذه الفترة عددا من القادة المجاهدين معظمهم من علماء الدين في مقدمتهم الإمام ابن تيمية الذي لا يرى منه المعادون للإسلام غير مذهبه الفقهي الحنبلى ، ولكن الرجل كان يجاهد الغزاة ، والخونة ، ودخل سجون الغزاة والخونة ، وفي الوقت نفسه كان يقدم صورة مثلى للتسامح الإسلامي ومسئولية المسلمين عن مواطنيهم ، وأثر عنه وهو يفاوض الغزاة المغول من أجل فك الأسرى قوله: أهل الذمة قبل أهل الملة ! أي تحرير الأسرى من غير المسلمين قبل الأسرى المسلمين لأنهم أبناء وطن واحد . ما نراه اليوم في بلاد الشام وغيرها يؤكد أن بعض أهل الطوائف والمذاهب يسارعون للاحتماء بأعداء البلاد والعباد ، من الصليبيين الغزاة الجدد . يذهبون إليهم ويحرضونهم على أهلهم ومواطنيهم ، والصليبيون الغزاة الجدد يستخدمونهم ورقة يلعبون بها حتى يحتلوا بلاد المسلمين وينهبوا ثرواتها وخيراتها ، ويذلوا أهلها وشعوبها .. ذهب شيعة العراق أو شيعة رامسفيلد إلى واشنطن ، ولعبوا دور ابن العلقمى مع التتار ، عادوا راكبين في مقدمة الدبابات الأميركية التي دمرت العراق ، وضيعت ثرواته وتراثه ، وأجرت فيه الدم أنهارا ، والدموع بحارا ،وبعد أن كان العراق من أقوى الدول العربية والإسلامية ، صار بؤرة للقتل والخوف والضياع وإذلال المسلمين . وفي لبنان تحالف المارون مع اليهود الغزاة ، وساعدوهم على احتلال لبنان أو جنوبه قرابة عشرين عاما، وأقاموا ما يسمى "دولة لبنان الحر "؛ وكان البطريرك الماروني ؛ يقود عملية الصراع الطائفي ، ويوجه السياسيين ضد الطوائف والمذاهب الأخرى ، ويذهب إلى باريس وواشنطن للاستقواء وطلب الدعم ، ومازالت كلمته مسموعة في تحريك الأحداث .. وفي الأيام الماضية ذهب وليد جنبلاط إلى واشنطن ليستقوي بها ضد سورية وحزب الله ، وليمهد لإقامة دولة للدروز تضم الجبلين السوري واللبناني ، وتوالى الاسرائيليين الغزاة والصليبيين الغزاة .. وذلك بعد أن ترك الحوار اللبناني المنعقد في بيروت ، وضرب عرض الحائط بالمتحاورين . وفي فلسطينالمحتلة ، فإن بعض الأشاوس والنشامى من المناضلين في "فتح " رأوا أن الارتماء في أحضان العدو النازي الصهيوني هو المنقذ من الضلال . فاعترفوا وتنازلوا وخدموا العدو خدمات جليلة لتنمو ملايينهم وملياراتهم وليشرب الفلسطينيون أو الشعب الفلسطيني من البحر الأبيض المتوسط أو البحر الميت ! وفي السودان قام الخونة ببيع بلادهم للصليبيين الغزاة الجدد ؛ خاصة بعد أن ظهر أن السودان يعوم على بحيرة من البترول ، وأن به كميات هائلة من اليورانيوم والذهب ومعادن أخرى ، فكانت حرب الجنوب ، ثم حرب دارفور ، ولا أحد يعلم إلا الله بالحرب أو الحروب الأخرى القادمة في أرض السودان الشقيق. وفي مصر ؛ يقوم بعض النصارى في المهجر ، بافتعال قضايا تخص الأقلية النصرانية ( أسعد أقلية في العالم تحت الحكم البوليسي القائم ) ، وانضم إليهم مؤخرا بعض الشيوعيين من أهل النوبة الذين زعموا أن النوبيين يتعرضون لإبادة جماعية (!)، مع أن وزير أهم وأخطر وزراة بمصر من أصل نوبي ! ويريد هؤلاء أن يتخلى المسلمون عن إسلامهم وعقيدتهم ،كما يوغرون صدور أربعة ملايين نصراني على شركائهم في الوطن من المسلمين الذين يبلغ تعدادهم سبعين مليونا ، وزراعة الكنائس في كل مكان بواقع كنيسة لكل مواطن ، وإلا فإن المسلمين يمارسون اضطهاد النصارى وتنحيتهم عن الوظائف والمناصب ، ولو كان الواقع يؤكد سيطرة النصارى على 65%من الاقتصاد في السوق المصرية ! استطاع هؤلاء تقديم شكاوى للأمم المتحدة ، ستحقق فيها لجنة حقوق الإنسان ، ثم يتدخل الصليبيون الغزاة الجدد عن طريق مجلس الأمن لحماية الأقليات غير المسلمة في مصر . التاريخ يعيد نفسه ، مع اختلاف الملامح والقسمات . العملاء وأصحاب المصالح الشخصية ، وأنانية بعض الحكام والزعامات ، وقيادات لا تبالي بمستقبل الأوطان والشعوب والأمة ، تحتمي بالأعداء الهمج ، وتبيع نفسها للشيطان الصليبي الصهيوني مقابل بعض المكاسب الذاتية الرخيصة .. والسؤال : هل يخرج صلاح الدين من جديد ؟ ويظهر ابن تيمية مرة أخرى لقيادة الجماهير نحو الحرية والعدل والمساواة والطهارة السلوكية ؟ نعم .. سيخرج صلاح الدين ، ويظهر ابن تيمية بإذن الله ..ولكن في صورة معاصرة قوامها الوحدة والجهاد والإخلاص! [email protected]