يمثل التاريخ بأحداثه ووقائعه تجارب إنسانسية لا تنزله منزلة القدسية ، لأن بها الخطأ والصواب ،الاستبداد والعدل ، القوة والضعف ، لكنها في النهاية دروس وعبر للمستقبل ، لذا فان للماضي أهميته ليست فس ذاته فقط ، لكونه يمثل المخزون المعرفي المتراكم لخبرات البشر، والذاكرة الشاهدة علي حضارة أية أمة ، أهمية الماضي أنخ درس واقعي للمستقبل. الناظر المتأمل لتاريخ المسلمين سيجد به الكثير الذي ينقده ويخضعه للتحليل والنظر ، لكننا حصرنا التاريخ في المنهج السردي التقليدي، فأصبح رواية تروي وتحكي ، لا عظة فيه ولا عبرة عبر سبر أغواره، وإلي الأن ما زلنا ننظر للتاريخ نفس النظرة ، فعند ما تؤرخ لجقبة جمال عبدالناصر علي سبيل المثال إما أن تري كل ما فيها خيرا أو شرا ، لا تعمل فيها منهجا نقديا لهذه الحقبة يري حسناتهت ومساوئها ، فأصبحنا نتحيز للمشهد التاريخي طبقا لتحيزتنا. حتي التيارات الإسلامية تخضع التاريخ لمنهج التحيز البحت ، فنراها تركز علي سيرة الرسول صلي الله عليه وسلم فكثرت الكتابات حولها ، فصار كتاب صفي الدين المباكفوري أو السيرة النبوية لأكرم ضياء العمري أو للبوطي ، توزع آلاف النسخ وتعد واقعا من حيث كم النسخ الموزعة ، ثم نقفز قفزة كبري إلي الدولة العثمانية التي تتعاطف معها بوصفها آخر دول الخلافة الإسلامية ، وفي حقيقة الأمر لم يكن السلطان العثماني خليفة إلا عند ضعف الدولة واستدعاؤه لقب الخلافة لكسب تعاطف المسلمين . انتهت الخلافة الإسلامية الراشدة فعليا بمقتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ومن بعده ملك عضود لبس ثوب الخلافة ، في جوهره صراع قبلي ، ومن وراء هذا كله صراع فكري مذهبي تطورت معه نظرة علماء السياسة الشرعية للمارسة السياسية . كان الإسلام كدين ثورة كبري في عصره علي عصره ومبادئه وقيمه ، لذا فان ما فعله هو هزة كبري غيرت وجه البشرية ، لكن حينما نصل إلي التجربة الغربية المعاصرة سنجد فيها قيمة لا مجال لنكرانها ، وهي أنخا أنزلت الحكام من مصاف الآله أو المفوض من الله أو الذي يستمد شرعيته من دين ، إلي منزلة البشر بتوقيت سلطته بمدي زمني محدد ، مما يجعل كل حاكم يقر أن شعبه سيحاسبه إن لم يقر الحكم بالعدل ويقر الكفاءة علي المحسوبية ، هذا ما تسعي له الشعوب العربية حاليا، فأي حاكم سيعد نفسه خالدا مخلدا هو وأنصاره الذين يمكت أن يعدوا خليفة له أو أكثر ، سيكون واهما إن ظن ذلك. كما أن أدبيات التيارات الإسلامية ، ونتيجة طبيعية للماراسات السلطوية عبر عصور التاريخ الإسلامي ، كرهوا فكرة الخروج علي الحاكم حتي لو كان ظالما ، نشأت هذه المعطيات نتيجة للفتنة الكبري ودماء الصحابة التي سالت في الصراع بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان ، ثم ذهب بعض الفقهاء مذاهب أخري في هذا الأمر لتبرير قبول سلطة الحكام ، غير أن الكثير من المسلمين خرجوا علي حكامهم لنشر العدل ولدرء المفاسد، والتاريخ الإسلامي غني بالحركات التي ناهضت حكام المسلمين ، وفكرة الخروج علي الحاكم لكون ذلك فتنة تذهب فيها دماء المسلمين ، ناهضتها مذاهب أخري تاريخيا ، لكنها استندت علي حرمة دماء المسلمين وضرورة مجابهت السلطان الجائر ومواجهته . وفي حقيقة الأمر لم يكتب التاريخ الإسلامي بعد، وهناك دعوات لاعادة كتابته ، بل محاولات للتنظير لكتبة التاريخ ، أبرزها ما كتبه عبد الله العروي المفكر المغربي عن مفهوم التاريخ ، أو طرح محمد السلمي المؤرخ السعودي عن منهج كتابة التاريخ الاسلامي وتدريسه ،وهما طرحان متناقضان ويحتاجان إلي نقد وإعادة طرح رؤي في كتابة التاريخ ، فتبيان التاريخ علي أنه تاريخ صراعات وحروب فيه حصر للتاريخ في زاوية ضيقة هي زاوية ممارسة السلطة من قبل الحكام ، في الوقت الذي تطورت فيه مدارس شتي لدارسة التاريخ بعضها ينحو نحو التاريخ الاجتماعي أو الاقتصادي أو يدمج بينهما ، ونحن في أمس الحاجة إلي أن يكون تارخنا المكتوب مدمجا مع رؤيتنا للمستقبل يبعث علي الأمل والمشاركة بل ويخلق روح نقدية لتجارب المسلمين التاريخية وابداعاتهم الفكرية لكي نبني علي الماضي من أجل الحاضر والمستقبل ، لا معني أن يكون تاريخنا مقصورا علي الاقتتال والهزيمة والنصر ، فهناك التاريخ الفكري والعلمي وما به من انجازات ، إلي تذوق الفنون والعمارة التي أنجزناها وما زالت شاهد عيان قائمة في تراثنا المعماري والفني في متاحفنا . فالتاريخ ليس نص في كتاب وإن صار التاريخ نصا لن يقرأه أحد ، بل هو يتطور ويتفاعل ، فحين أدرك الغرب أن أجياله عازفة عن قراءة التاريخ ، لأن ثقافة الصورة في عصر السينما والتلفاز صارت هي الغالبة أنتج أفلاما ومسلسلات تاريخية وأفلاما وثائقية ، وموقع رقمية تقدمه . لذا فان كتابة التاريخ ليست نصا فحسب بل هي منهج ورؤية يستخدم فيها كل أدوات العصر لصياغة الشخصية الوطنية المعاصرة ، تستخدم الحوار في نقد المادة التاريخية والتنوع حينما نقدم المادة التاريخية ، فهل نعيد النظر في تاريخنا .