خسرت البورصة المصرية حوالي 16 مليار جنيه من رأس المال السوقي للاسهم المقيدة بها في نهاية تعاملات الخميس الماضي 29/5/2014 ومع افتتاح البورصة لأعمالها صباح الأحد 1/6/2014 خسر رأس المال السوقي في الساعة الأولى للتداول 16 مليار أخرى , لدرجة ايقاف التعامل بالبورصة مؤقتا .. لقد تحالف رجال الأعمال مع فكرة اسقاط الرئيس محمد مرسي لما شعروا به من توجس أو خوف منه ومن جماعة الإخوان التي ينتسب اليها , فلم يشعروا بالارتياح للعمل في ظل نظام مرسي , ولسنا هنا بصدد مناقشة صحة أو عدم صحة موقفهم صوب مرسي, لكننا بحاجة الى أن نفهم سلوك أغنياء مصر تجاه مصر بشكل عام , فحين نرى انضباط رجال الأعمال والاغنياء في دفع ضرائبهم بانتظام في اغلب بلاد العالم, وهو ما يُشكل أحد أهم مصادر الدخل للدولة ونرى مساهمات اجتماعية وتنموية جبارة في مجتماعاتهم من فوائض ارباحهم , ولا نرى ذلك في مصر نشعر بالحسرة والألم .. فقراء يدفعون واغنياء يحجمون !! يدفع الفقراء ومحددو الدخل ضرائبهم مباشرة بالاستقطاع من رواتبهم, ولا يجدد سائق السيارة رخصته إلا بعد دفع الضرائب , وغير هذا كثير, بينما نرى محاولات دائمة للتهرب أو تقليل دفع الضرائب من اغنياء مصر الذين تدللوا في ظل حكم السادات ومبارك وحققوا ثروات طائلة ( لن نتطرق في هذا المقال لكيفية تحقيق هذه الثروات, ولنفترض جدلا أن هذه الثروات بأكملها جاءت بوسائل مشروعة) ,فقد اتاح لهم النظام في زمن السادات (الانفتاح) وفي زمن مبارك ( الاتجاه الرأسمالي) مسارات وقوانين وفرص ودعم وتسهيلات ضخمة لتحقيق ثرواتهم , بل وازاح لهم مبارك المنافس الأكبر لهم وهو القطاع العام والذي كان يحفظ بعضا من التوازن المجتمعي ليترك لهم ساحة الاقتصاد خاوية بلا منافسة ليحققوا ماشاءوا من ثروات .. كان يقتضي هذا التصرف من النظام ردا للجميل من رجال الاعمال حين يحتاجهم الوطن..ربما أسدى بعض الأغنياء منافع للنظام في تمويل حملات انتخابات مجلس الشعب وفي الإعلام وغير ذلك, لكنهم لم يفعلوا ذلك لوجه الله أو لحب الوطن إنما فعلوه انتظارا لفواتير تسدد لهم من خلال تسهيلات وقوانين .. وهذا مسلك أكبرهم !! نشرت بوابة الاهرام في 30/4/2013 بيانا من، رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة كبرى للإنشاء والصناعة، عن تفاصيل التسوية مع مصلحة الضرائب المقدرة ب7.1 مليار جنيه، يسددون منها مبلغ 2.5 مليار جنيه خلال أسابيع، يليها 900 مليون جنيه قبل نهاية ديسمبر من نفس العام، ثم تليها دفعات متتالية كل ستة أشهر تنتهى فى ديسمبر 2017. . كان أصل المبلغ قبل التسوية 14 مليار جنيه, تم التفاوض والوصول الى تسوية تصل الى 50% من الاستحقاق, ليتم سدادها على دفعات حتى بداية سنة 2018 !! فلا المبلغ دفع بكامله, ولا التسوية دُفعت دفعة واحدة, وقد يكون من المفهوم معاندة اصحاب هذه الشركات تحديدا لنظام مرسي, ولكن لماذا لم يقموموا بعد عزل الرئيس مرسي بإعادة التسوية ودفعها كاملة لمصر , أو على الأقل دفع المبلغ المتبقى كاملا دون الانتظار لأول 2018, ليعكس رغبتهم في المساهمة في انقاذ الاقتصاد المصري , ورغبتهم ايضا في انجاح النظام الجديد بعد مرسي .. نشرت جريدة الموجز حوارا لرجل الأعمال نفسه تحت عنوان (كواليس اللقاء السرى بينه وبين الفريق السيسى فى المخابرات الحربية) قال فيه : [وأبدى «رجل الاعمال المذكور» إعجابه بمواد الدستور الجديد، وقال: «تابعت عملية صناعة الدستور، وأعجبت ببنود الحريات ومواد التمييز الإيجابي الخاصة بالمرأة والأقباط، ولم تعجبني المواد الخاصة بالضرائب التصاعدية في الدستور] مع أن فكرة الضرائب التصاعدية متبعة في كثير من بلدان العالم , وتعكس قدرا من العدالة, فلا يصح أن يدفع من ربح مليونا 20% , ومن ربح مليارا 20% أيضا ( كما هو المتبع حاليا) .. توجه محمود .. فاسقطوا البورصة !! كانت الحكومات السابقة تسعى دائما لسد احتياجاتها من جيوب الفقراء, وتدليل الاغنياء, وحسناً جاء التوجه الجديد بفرض ضرائب على ارباح البورصة , فإذا برجال الاعمال يهبون هبة رجل واحد لاسقاط البورصة لاجبار الحكومة الى التراجع عن قرارها, ولم يأبهوا بمصالح الوطن وظروفه الحرجة, ولم يراعوا أن رئيسا جديدا يتجهز لحلف اليمين, فاستبقوه بوضع الفخاخ في طريقه. هل حب مصر ..يعني الأخذ دون العطاء ؟ يحصل رجال الأعمال لتسيير مصالح شركاتهم على الغاز والسولار والبنزين بالسعر الذي يدفعه المواطن الذي يحصل على أقل الرواتب, ويبيعون منتجاتهم كالحديد والأسمنت (مثلا) بالاسعار العالمية .. وهذا يعني أن المواطن المصري لا يتقاضي أجرا في المتوسط كما يتقاضي قرينه في اغلب بلاد العالم , لكنه يدفع في الغالب أثمان السلع والخدمات بالأسعار التي يدفعها المواطن في الدول الأخرى ( الأعلى دخلا) مما يساهم في زيادة معاناة المواطن .. إن تصرفات رجال الاعمال التي احاطت بجمال مبارك وتضخم ثرواتهم على حساب المواطن الفقير الذي ظل يدفع وحده فاتورة المعاناة , كانت واحدة من أهم الأسباب التي اسقطت مبارك في 25 يناير 2011 , بينما تبدو حالة مصر الاقتصادية الآن اصعب مما كانت عليه في يناير 2011 , وإن لم يقم رجال الأعمال بواجبهم الوطني والأخلاقي في هذه الفترة فهم يضعون الوطن في مأزق كبير, لأن الفقراء لم يعد لديهم طاقة لاستمرار تحملهم فاتورة المعاناة وحدهم .. ويكفي ما في الوطن من آثار وتداعيات حالة الخلاف والانقسام السياسي الحاد الذي يتطلب حلا أو مصالحة وكسرا لعناد لا تسير الأوطان به أبدا .. ما شربتش من نيلها !! كتب ابراهيم عيسى ايام رئاسته لجريدة الدستور, فقال أنه كان يحب اغنية الفنانة شيرين (ما شربتش من نيلها) , لكنه حين وجدها حريصة على أن تضع مولودها في امريكا لاكتساب الجنسية الأمريكية , فقد سقط المعنى الذي تغنت به الفنانة .. ولعل هذا يكشف التناقض البشع والفصام النكد بين حالة الصياح والصخب والغناء في حب مصر من رجال اعمال وفنانين ورياضين واعلاميين وبين حالة الرفض أو التهرب من التعبير الحقيقي عن حب مصر بالفعل لا باللسان .. وكأنه حنان بلا أحضان, أو حب بلا أثمان .. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.