جدل واسع أثارته الاتفاقية التي أبرمها اتحاد الإذاعة والتليفزيون مع مجموعة قنوات "إم بي سي"، والتي تهدف إلى مواجهة الأزمة المالية الطاحنة التي يعاني منها "ماسبيرو"، من خلال إحداث نقلة نوعية في الإعلانات، الأمر الذي أثار اعتراضات كثيرة من الفضائيات الخاصة، إضافة إلى رغبتها في إبرام اتفاقات مماثلة مع التلفزيون الرسمي، أسوة ب "إم بي سي". ففي أعقاب الاتفاق، أعربت هذه الفضائيات عن انزعاجها الشديد منه، وتعالت الأصوات من جانب أصحابها وملاّكها بضرورة إلغائه فورا، بحجة "حماية الأمن القومي"، وخرجت الصحف والمواقع التابعة لأصحاب تلك الفضائيات، لتُندّد بالاتفاقية، وشنّت هجوما واسعا على "ماسبيرو" ووزيرة الإعلام الدكتور درية شرف الدين، بل تمادت وذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك، مطالبة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء بالتدخّل لوقف العمل بالاتفاقية وتجميد مفاعيلها. ولم تتوقف الحرب على الوزيرة والاتفاقية عند الجانب الإعلامي فقط، بل وصلت إلى القضاء، حيث تقدم المستشار رفاعي نصر الله، مؤسس حملة "كمل جميلك"، الداعمة للمشير عبدالفتاح السيسي، المرشح الرئاسي بدعوى قضائية تطالب كلاً من وزيرة الإعلام ورئيس الإذاعة والتليفزيون، بوقف الاتفاقية، "حفاظًا على الأمن القومي للبلاد"، بحسب وصف الدعوى. وبموجب الاتفاق، فإن التلفزيون المصري ومجموعة قنوات "إم بي سي" التي تأسست قبل 23 عامًا، سيتبادلان المحتوى الإعلامي وفقًا لاتفاقيات خاصة بكل برنامج أو كل نشاط مشترك، على أن يكون لكل اتفاقية ملحق خاص ينظم نسب المساهمة والتعاقدات الإعلانية، التي ستكون مقسَّمة بين الوكيل الإعلاني للتلفزيون المصري، ممثلاً في شركة "صوت القاهرة" والقناة العربية ممثلة في شركة رجل الأعمال اللبناني، بيير شويري. واعتبر بعض الخبراء أن الاتفاقية يجدها الحل الأمثل وطوق النجاة الوحيد لتطوير اتحاد الإذاعة والتليفزيون بجميع قطاعاته. وقال الخبير الإعلامى عمرو الفقى، إن التليفزيون المصرى يعانى نقص السيولة منذ أكثر من ثلاثة أعوام، بينما يبلغ إجمالي مصروفاته 3 مليارات جنيه فى العام وهو ما يعطيه الحق فى البحث عن مصدر دخل، مؤكدًا أن المحتوى الجيد غاب عنه خلال الأعوام السابقة باستثناء "راديو مصر". وأضاف أن القنوات المعترضة على الاتفاق، لم تتقدم بأى عروض للتليفزيون قبل عرض "إم بي سي"، لافتًا إلى أن قنوات "الحياة" و"سي بي سي" و"النهار" لم تعرض موضوع التحالف الإعلامى الذى عقد فيما بينها على التليفزيون المصرى، حتى تعترض على عدم إقدام التليفزيون على مناقشته، قبل اتخاذ قراره بالتحالف مع "إم بي سي"، مشددًا على أن التليفزيون يجب أن يبحث عن الأنسب له. وعن عدم لجوء التليفزيون إلى عقد مزايدة أو مناقصة بين الكيانات الإعلامية قبل التعاقد مع "إم بي سي"، أوضح أن التليفزيون لا يمتلك محتوى جيدًا يسمح له بعمل هذه الممارسات، قبل التعاقد، مؤكدًا أن المفاوضات الثنائية تكون ذات جدوى اقتصادية أعلى. من جانبه، قال الدكتور محمود علم الدين، وكيل كلية الإعلام بجامعة القاهرة إن تفاصيل الاتفاقية شابها غموض مريب ما أثار حفيظة الكثيرين، وبخاصة أن التليفزيون هو جهاز حكومى مملوك للدولة ويموله المواطن من الضرائب التى يدفعها. مشيرًا إلى أنه جهاز يمس الأمن القومي، ولابد من مراعاة المصالح العليا للدولة فى هذه الاتفاقيات. وشدد على أن بنود اتفاقية التعاون غير مفيدة للتليفزيون فيما يتعلق بتطوير الكوادر البشرية، معتبرًا أن الكوادر المصرية هى التى تدير الإعلام العربى الآن، وأما ما يتعلق بالبرامج فالمحتوى الذى تقدمه قناة "إم بي سي" متواضع جدًا. وأوضح علم الدين، أن الاتفاقية تعرض التراث المصرى الإذاعى والتليفزيونى للخطر، ويكفى ما حدث فى التراث السينمائى والغنائى المصرى الذى بيع للقنوات العربية فى ظل غياب الدولة عن حمايته. وقال إن هذه الوزارة هى وزارة مؤقتة ولا يصح بأن تقوم بعمل مشاريع استراتيجية، ويجب أن ينصب تركيزها على تخطيط المرحلة المقبلة فى الإعلام المصرى والإعداد لمجلس قومى للإعلام ومجلس وطنى للصحافة المصرية. من جهته، أكد ياسر عبد العزيز الخبير الإعلامي، أن الاتفاقية التى من المقرر أن تبرم بينهم تأتى فى إطار معركة كبيرة ل "كسر عظم" بين الوكالات والمصالح الإعلانية المصرية والخارجية، لكن المشكلة فى تلك الاتفاقية هى أن اتحاد الإذاعة والتليفزيون لن يخرج إلى المواطنين وجمهوره من الشعب المصرى ليشرح لهم العوائد المنتظر من تلك الاتفاقية، وبالتالى تسبب تلك المشكلة بعض الحساسية بين الاتفاقية والجمهور. وأضاف، أنه يجب أن يتم شرح الأسباب والفوائد التى دعت اتحاد الإذاعة والتليفزيون إلى إبرام هذه الاتفاقية، وأن الحديث عن الأمن القومى والخسائر الاستراتيجية أمر مبالغ فيه من البعض. وأشار الخبير الإعلامى إلى أن هذا الاتفاق يأتى كشكل من أشكال الالتزام من جانب الطرفين وهو مجرد إعلان نوايا التعاون فيما بينهم وبالتالى سيكون الهدف من ورائها إعادة التوازن لمعركة المصالح والوكالات الإعلانية. وقال الدكتور محمد الخولى الخبير الإعلامى "أدهشتني هذه الحملة من جانب القنوات المصرية الخاصة، وأتساءل: لماذا كان مقبولاً عقد بروتوكولات بين اتحاد الإذاعة والتليفزيون وال "بى بى سى" مثلا فما هذا الكم من التخلّف الذى نشهده فى الحكم على الأحداث". وأوضح أن "اتحاد الإذاعة والتليفزيون هو لاعب من ضمن اللاعبين، ولابد أن تكون لديه حرية الحركة لعقد اتفاقيات وبروتوكولات بما يحقق مصلحته، وهو نظام معمول به فى كل دول العالم والجميع يشجعه. لذلك، فإن ما قام به أمر طبيعى ولا يوجد أى مبرر منطقى لانتقاده خاصة كون "إم بى سي" مجموعة سعودية". على الجانب الآخر، أبدى العاملون فى "ماسبيرو" تأييدهم للاتفاقية مع "إم بى سي"، وأصدروا بيانًا جاء فيه: "نعلن تأييدنا ودعمنا لوزيرة الإعلام الدكتورة درية شرف الدين، وعصام الأمير، رئيس "هيئة الإذاعة والتليفزيون" مؤكّدين أن الاتفاقية تهدف إلى استعادة التليفزيون ريادته الإعلامية، وبالتالى كسر احتكار القنوات المصرية الخاصة لسوق الإعلانات، والذى أضر بموارد التليفزيون الرسمى ومكانته فى السنوات الأخيرة، وشكّل ضرراً كبيرًا عليه، ما انعكس سلباً على الأداء الإعلامى الرسمى وصورته ودوره". وأضاف البيان: "نعلن مساندتنا واستنكارنا للهجمة الشرسة وغير المبررة التى تقف وراءها مصالح شخصية وأجندات خاصة، على الرغم أن بنود البروتوكول منشورة، إلا أن هذا لا يمنحهم حق مهاجمة الوزيرة، وإنما يكشف عن تناقض واضح ينم عن سوء نية مبيّتة تجاه التليفزيون المصري، بقصد إلغاء دوره لصالح القنوات الخاصة وتقزيمه".