المؤمن دائماً يرضى بقدر الله فكله خير له , فإن حرمه من نعمة يدرك أنها لمصلحته , لأن هناك من يمنحه الله نعمة فتضره شر مضرة , فمن تصدر مثلاً قبل الأوان فإنه يتعرض للهوان , لأن التهيئة الربانية للمنتصر من المؤمنين يلزمها تنقية القلوب وتمحيص النفوس قبل أن يأتي النصر , فالرسل صلوات الله عليهم يأتيهم النصر بعد معاناة ومشقة وشعور يخالجهم بفشل دعوتهم قال تعالى ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين ). ومن المعلوم أن شرائط التمكين وردت في الآية الكريمة ( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ) فهذه الطائفة من المؤمنين موعودة بالنصر لظهور الصلاح فيهم وعزمهم على القيام بأمر الله تعالى ورعايتهم لمصالح دينهم ودنياهم , فإذا تحقق للمؤمنين الظهور والغلبة والنصر فإن ذلك يعني بداية اختبار جديد لهم قال تعالى (عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون ) فإن هم أحسنوا ثبّت الله أركان دولتهم , وإن هم أساءوا نزع الله سلطانهم ( ولا يظلم ربك أحد ) فحال المؤمنين إذا غلبوا لم يبطروا وإذا غُلبوا لم يضجروا , يقول شيخ الإسلام في الفتاوى ( والمؤمن إن قدر عدل وأحسن , وإن قُهر وغُلب صبر واحتسب ) , فعلى المنتصر أن يتواضع لله تعالى ويعفو ويصفح ولا ينتقم لنفسه من خصومه , ألم تروا كيف فعل نبينا صلى الله عليه وسلم بعد ما فتح الله له مكة ونصره ومكّن له في الأرض ؟! , وكيف مكّن الله للصحابة من بعده فسادوا البرية كلها وأحسنوا إلى الخلائق فدخل الناس في دين الله أفواجا ؟!. وعلى المنتصر أن يراعي الضعفاء فلا يتجاهلهم أو يزدريهم فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله ( ابغوني الضعفاء فإنما تنصرون وترزقون بضعفائكم ) ولهذا فطن أبو بكر الصديق رضي الله عنه لذلك وعرف مكانتهم فقال عند توليته ( الضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له , والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه ) فهذا هو منطق تمكين الهداية الذي يهدي الله فيه أناساً ويستنقذهم من النار إن هم استجابوا لحملة الرسالة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . كما أن علينا أن نتنبه إلى نوع آخر من التمكين هو تمكين الغواية , فقد يولي الله حكاماً فاسدين لكون شعوبهم على فساد كبير ( فكما تكونوا يولى عليكم ) وقد يولي الله تعالى بعض الظالمين على بعض للتنكيل بهم ثم يهلك الجميع , وكل هذا من حكمة الله وتقديره . أن من بلغ موقع السلطة وتولى المسئولية برهة من الزمان ثم سُلبت منه لابد وأن يراجع نفسه , فيتعرف على أسباب السلب بعد العطاء أو الهزيمة بعد أن لاحت له بوادر النصر الكامل , بل وعليه ألآ يلقي بالتبعة على غير نفسه , فالأمر من الداخل , والعيب في الصف , والخلل إنما هو في الانحراف عن المنهج الصحيح , فمن أراد استعادة أوضاع فقدها لابد وأن يطلبها وفق الآليات المشروعة , وليست بالسبل التي يخسر فيها كل يوم ولا يزداد إلا بعداً عن الهدف . فيامن ولّاك الله أمر رعية لا تغتر بمكانتك , ولا بمحدثيك من جلساء السوء , فتظن أنك وصلت إلى منصبك بذكائك وسعة حيلتك وقدراتك الخاصة , والحقيقة على خلاف ذلك , وهي أن الله وضعك في هذا المكان لاختبارك , فاحذر من استدراج الله لك , واخفض جناحك للناس وتعامل معهم بالسوية والعدل والقسط , وترفع عن الصغائر وتجنب مشاعر الانتقام من خصومك ولا تظلم منهم أحداً , وادفع بالتي هي أحسن , والزم خلق العفو والصفح , وتب إلى الله من ذنوبك كل يوم وارفع أكف الضراعة إلى الله , وسله التوفيق والرشاد فهو نعم الناصر ونعم المعين . والله المستعان