الاختراقات الأمنية لا تتوقف عند أشخاص فقط على النحو الذي عرضته سابقا ، وإنما تقع أيضا لمجموعات وتنظيمات وحركات كبيرة ، كما حدث في الاختراق الإيراني لتنظيم القاعدة السني ، حيث استوعبت المخابرات الإيرانية المئات من قيادات القاعدة مع أسرهم على أراضيها بعد الضربة الأمريكية العنيفة لأفغانستان ، وبقيت تلك القيادات عدة سنوات تحت رعاية الاستخبارات الإيرانية والحرس الثوري ، ولا يعرف حجم الاختراق بدقة حتى الآن ولكن التحالف الذي بدأ يتكشف بين بشار الأسد وتنظيم داعش في سوريا لإجهاض الثورة ، وكذلك الاعترافات لبعض قيادات التنظيم في العراق بأسباب امتناع التنظيم عن استهداف أي أهداف إيرانية في المنطقة في الوقت الذي يستهدف دولا سنية ، وظواهر أخرى بدأت تضع اليد على مفاتيح الاختراق ، وهذا حديث يطول ، غير أن مناسبته هو ما يتعلق بتفجر قضية تنظيم "بوكو حرام" النيجيري مؤخرا بشكل جذب انتباه العالم بصورة مثيرة ، والحقيقة أن التقارير التي بدأت تتواتر من هناك تكشف أن "بوكو حرام" هو لعبة استخبارات لأهداف سياسية وطائفية واستراتيجية محددة ، والتنظيم الذي ولد كجماعة علمية أكثر هدوءا وتهدف إلى نشر الالتزام الديني وتطبيق الشريعة في الشمال النيجيري ذي الكثافة المسلمة كان يقوده عالم دين يدعى "محمد يوسف" في العام 2002 ، وبعد مصادمات حدثت مع الشرطة قام الرجل بتسليم نفسه للشرطة عام 2009 ، وظهر مقيدا بعد توقيفه ، إلا أن الشرطة قامت بقتله بعد ذلك لأسباب غير مفهومة حتى الآن ، وطرحت وقتها تساؤلات عن الأسرار التي يحملها الرجل والتي جعلت الشرطة النيجيرية تقوم بتصفيته حتى لا يتكلم ، وعقب مقتله تسلم القيادة الزعيم الحالي "أبو بكر شيكو" وهو شخصية غريبة الأطوار ، وجاهل دينيا إلى حد كبير ، كما أنه شخص منعزل عن العالم تقريبا لا يدري ما يدور فيه ، لدرجة أنهم يتندرون عن تهديده باغتيال رئيس الوزراء البريطانية مارجريت تاتشر ، رغم أنها وقت تهديده كانت قد ماتت بالفعل من سنوات وكذلك تهديده باغتيال بابا الفاتيكان الأسبق رغم رحيله عن الدنيا من سنوات أيضا ، مما يعطي الانطباع بأن الهدف من تحركاته الإثارة الإعلامية والضجيج ، كما لوحظ أن الشرطة النيجيرية كانت تغطي على أعماله ونشاطاته بل إنها أعلنت وفاته مرتين قبل أن يظهر من جديد في أشرطة فيديو ، ولا يعرف سبب فعل الشرطة لذلك ، وحسب شهادة الداعية المسلم "داوود عمران ملاسا" أمين عام جماعة تعاون المسلمين في شمال نيجيريا ، فإن ظهور جماعة بوكو حرام كان بعد اعلان تطبيق الشريعة الإسلامية في شمال نيجيريا وظهور الصحوة الإسلامية في جنوبنيجيريا ولاسيما وجود رغبات وبرامج خيرية وتعليمية وغيرها وضعها عدد من المؤسسات الحكومية وغير الحكومية في دول عربية لدعم تعليم الشريعة في نيجيريا ودعم النظام التعليمي في ولايات تطبق فيها أحكام الشريعة الإسلامية، وأضاف "ملاسا" أنه بعد وجود جماعة بوكو حرام ضرب كل هذا النشاط ، وتوقف كل شيء حتى برنامج تطبيق الشريعة توقف في كل ولايات الشمال وأضعفت تداعيات هذه الجماعة العمل الإسلامي الدعوي والخيري والتعليمي فتم اغلاق مئات من المدارس الإسلامية وحل جمعيات اسلامية وطرد المؤسسات الخيرية الخارجية في الشمال من نيجيريا وتم اغلاق المؤسسات الداخلية وأصبح الكثير من الدعاة ملاحقين أمنيا ومطردين أحيانا ومعتقلين بحجج واعية احيانا أخرى ، ويضيف الداعية المعروف مفاجأة أخرى بأن المسلمين هم أكبر ضحايا عمليات ''بوكو حرام‘‘ في أبناءهم وقراهم ومساجدهم ومدارسهم وعلماءهم وشخصياتهم، حتى صرح الرئيس النيجيري "وهو مسيحي" يوم السبت 3 مايو، 2014م في أبوجا أمام الصحفيين والمراسلين وغيرهم بأن جماعة ''بوكو حرام‘‘ ليست مسلمة أساسا. ويرى الرجل أن أربع جهات هي التي تستفيد من تحريك ودعم "بوكو حرام" ، وهم : - الرئيس الحالي المسيحي غولوك جوناثان الذي يحتاج إلى ما التستر بذلك الضجيج على فساده وأخطائه السياسية وسرقته لأموال الدولة ونواياه الشريرة لدعم مشروع الإنفصال بالجنوب المسيحي الغني بالنفط وهو بحاجة إلى الدعم الغربي والإسرائيلي تحديدا ضد معارضيه ولحماية نفسه ،- أصحاب المصالح الإقتصادية والأمنية أو المشاريع الأمنية والنفطية وبشكل خاص صراع المصالح البريطاني الأمريكي على النفوذ في البلاد ، - الحركات الإنفصالية والمليشيات المسيحية وقد تم ارسال 500 شاب مسيحي إلى اسرائيل في الشهر الماضي للتدريب العسكري ، كما يوجد خبراء إسرائيليون لتدرب ألف من الشباب المسيحيين في ولاية كاتشينا وبرنو الإسلاميتين بحجة محاربة الإرهاب!! ، - الكنائس الجنوبية الكبرى المعادية للصحوة الإسلامية والمؤيدة للرئيس النيجيري المسيحي غودلوك جوناثان لتبقي الأقلية المسيحية على السلطة الفيدرالية في أبوجا.. وهم نجحوا في مطاردة الجمعيات العربية والإسلامية الخيرية من نيجيريا ولاسيما من الجنوب وتمت دعوة الجمعيات التنصيرية والخيرية والممولة للتنصير في داخل نيجيريا ، فلا يمكن الآن لمسلم عربي السفر في شمال نيجيريا لسب الضغوط والإضطرابات اللهم إلا من كان أوروبيا أو أمريكيا!! يضيف "داوود عمران ملاسا" أن هناك لعبة اعلامية صحفية تتستر وتتكتم اعلاميا على جرائم المليشيات المسيحية التي تمارس إرهابا صريحا ضد مسلمي جوس وكادونا واغتيالات عدة للشخصيات الإسلامية في شمال نيجيريا إضافة إلى جرائم المليشيات المسيحية في جنوب الجنوب وشرق الجنوب وقتل الجيوش والشرطة في نيجيريا واختطاف الأجانب والمدنيين ، و كان يتعرض الكثير من الأجانب للخطف في مناطق المسيحيين في جنوبنيجيريا بهدف الحصول على فدية من قبل جماعات متشددة في منطقة دلتا النيجر الغنية بالنفط وأعضاء هذه المجموعات مسيحيون دون أن يغطي الإعلام هذه النشاطات الإرهابية . الخطير أيضا فيما يقوله "ملاسا" أن أهم ممول وأبرز مدافع عن زعيم "بوكو حرام" هو جنرال مسيحي متقاعد مشهور اسمه (جيريميا أوسين) وهو معروف بعمله لحساب أجهزة مخابرات أجنبية غير نيجيرية . مرة أخرى ، تحتاج الأحداث الصاخبة ، والشخصيات والتنظيمات المثيرة للجدل ، نظرة أعمق من السطح الظاهر إعلاميا للناس ، لأن الحقيقة غالبا ما تكون مختلفة أو متباينة عن المشهد الذي يحمله الضجيج الإعلامي المتدفق والمتعجل .