تعتبر ظاهرة الشك والتشكيك في جدية الأمور ومدى اتفاقها مع حقائق المنطق والواقع من أبرز الظواهر الاجتماعية التي ارتبطت بصورة وثيقة الصلة بالمجتمعات الإنسانية منذ بدء الخليقة، وكانت من أهم العوامل المحركة للسلوك البشرى، فهى ليست قاصرة على العلاقات الاجتماعية فحسب بل امتدت لتشمل كل جوانب العلاقات التفاعلية داخل المجتمع ويأتي في مقدمتها الجوانب السياسية باعتبارها الأكثر غموضًا وتحكمها اعتبارات المصالح الخاصة والنظريات النفعية وغالبًا ما تحاط بسياجٍ من السرية والكتمان أو البرجماتية في تباين المواقف وهو ما يغذى مشاعر الشك ويدفع نحو انعدام الثقة خاصة في الدول حديثة العهد بالممارسة الديمقراطية، والتي عانت لعقودٍ طويلة من سياسات الفرد الواحد وحاشيته المقربة وما تبثه أبواقه الإعلامية من بيانات مضللة وإحصائيات خاطئة وإنجازات وهمية بهدف تزيين صورة تلك الأنظمة وإخفاء معالم قبحها وفسادها المستشري في أوصال البلاد مستغلةً سيطرتها على المنصات الإعلامية وأدوات توجيه الرأي العام وتجنيد مؤسسات الدولة لخدمتها تحت شعاراتٍ براقة ونظرياتٍ زائفة مثل الحفاظ على الأمن والاستقرار واحتكار الإدراك ببواطن الأمور ومفاتيح التقدم والتنمية. ومع انتشار ثورة الاتصالات وانفتاح العالم على مصراعيه متأثرًا بتداعيات العولمة وتزايد خبرات المجمع التراكمية وتجاربه النوعية أدى ذلك إلى خلق حالة من انعدام الثقة بين الطبقة الشعبية والسلطة الحاكمة وكان من الطبيعي أن ينعكس أثر تلك الظروف على الإدارة الانتقالية في مصر في تلك المرحلة الحرجة والتي فرضت عليها المسئولية الوطنية تحمل تلك التركة المثقلة بأوجاع الماضي وأوزاره وفساد العهود السابقة وقد ارتضت طواعيةً تحمل تلك المسئولية التاريخية والوطنية، الأمر الذي يفرض عليها إدراك تلك المقدمات وأن تتحلى بسعة الصدر وقبول الرأي الآخر وأخذه على محمل الجِد متى كان القاسم المشترك بين الجميع هو تحقيق المصلحة العامة وليس مجرد الانتصار لقناعة ذاتية أو رأى شخصي لأن تصحيح المسار بالعدول عن القرار لا يمكن اعتباره هزيمة أو انتقاصًا من كرامة متخذ القرار، وإنما هو عودة إلى جادة الصواب وتغليبًا للمصلحة العليا للبلاد في تلك الأجواء العاصفة والتي تتطلب الاستفادة من جهود جميع أبناء الوطن المخلصين للعبور بسفينة الديمقراطية إلى مرفأ الاستقرار وبناء مؤسسات الدولة على أساس موضوعي ودستوري يقطع الطريق على كل من يحاول التشكيك في شرعية مؤسسات الدولة أو يحاول هدمها.
ويأتي في مقدمة الخطوات اللازمة لتحقيق ذلك سد منافذ الشك والتشكيك في إجراءات الاستحقاقات الانتخابية وعلى رأسها انتخابات رئاسة الجمهورية في تلك الظروف السياسية المضطربة والتي تمثل بيئة خصبة لانتشار الشائعات في ظل انقساماتٍ داخلية ومؤامراتٍ خارجية وتجارب مريرة لعمليات احترافية ممنهجة لتزوير الانتخابات عانى منها الشعب على مدار عقودٍ عديدة نتج عنها العبث بإرادته وأفقدته الثقة في مصداقية نتائج الانتخابات إذ لا يمكن لعاقل أن يتجاهل دور الشائعات في زعزعة استقرار الشعوب خاصة وأنها تظل كامنة في العقل الباطن المجتمعي تطفو من حينٍ لآخر على السطح، تشكك في الحقائق وتحاول تقويضها، والتاريخ الحديث حافل بالعديد منها مثل شائعة اغتيال المشير عبد الحكيم عامر والرئيس ياسر عرفات والسيد عمر سليمان شائعة تزوير انتخابات الرئاسة السابقة ولا تزال تتردد من وقتٍ لآخر لتحقيق أغراض سياسية وهو ما يجب معه أن يحاط الرئيس القادم بعددٍ من الضمانات تجعله بمنأى عن سهام الشك والتشكيك ومنع إطلاق الشائعات حوله حفاظًا على هيبة ذلك المنصب باعتباره جزءًا لا يتجزأ عن استقرار البلاد في مرحلة تقاوم فيها المنطقة فيروسات الفوضى الخلاقة لإنشاء الشرق الأوسط الجديد على حساب مصالح شعوب المنطقة.