خلال أيام قليلة سيبدأ جهاز "الأمن الوطني" عمله، عوضا عما زعموا بأنه "بديل" لجهاز "مباحث أمن الدولة" المنحل. ولا أدري حتى الآن مبررا مقنعا لهذه "السربعة".. لم يمض على إغلاق هذا الجهاز وبيد الثوار، إلا أقل من ثلاثة شهور، فيما يعتبر أكثر الأجهزة الأمنية فسادا وقمعا وانتهاكا لحقوق الإنسان، وقد تورط غالبية ضباطه في عمليات تعذيب واختطاف وبلطجة وترويع وتزوير تكفي الواحدة منها، أن يحالوا إلى محاكم الجنايات الدولية، لمحاكمتهم في جرائم "ضد الإنسانية".. ومع ذلك لم نسمع أن واحدا منهم يحاكم اليوم بتهمة التعذيب، فيما لم يشغل بال وزارة الداخلية، أمن المواطنين بقدر ولعها بانجاز "مشروع" أمن الدولة مجددا وبلافتة جديدة لا تفرق كثيرا عن تلك المنحلة وسيئة السمعة. كيف يتفرغ الوزير أو نائبه بوضع مشروع قانون جديد لعمل هذا الجهاز، لعرضه على المجلس العسكري، دون أن نعرف فحواه ولا مضمونه؟!.. ولم "العجلة"؟! والضغط على الجيش ليقر قانون "الداخلية" بشأنه.. ولا ننتظر البرلمان الجديد والمنتخب للعرض عليه ومناقشته على نحو يكفل أن لا يتحول جهاز "الأمن الوطني" إلى وحش وغول يعيد انتاج تراث سلفه الوحشي في التعامل مع المواطنين. اليوم.. مصر في مرحلتها الانتقالية، لا يوجد بها رئيس منتخب، ولا برلمان منتخب.. فيها فقط حكومة مؤقتة لا شرعية لها إلا شرعية "ملء الفراغ" إلى حين تسليم البلد لحكومة مدنية منتخبة، ولا يجوز عقلا ولا سياسيا أن تتولى مثل هذه الحكومة تقرير أمهات القضايا الكبرى وعلى رأسها مستقبل هذا الجهاز الذي أعاد مصر في عهد مبارك إلى عصور الجهل والظلمات وأحالها إلى سلخانة تتلقى يوميا العشرات من أبنائها لذبحهم على عتبات التوريث تزلفا لمبارك وعائلته. وزير الداخلية أعلن منذ أيام، عن قرب إعادة الانعاش لهذا الجهاز، فيما لم يصدر من النخبة التي ما انفكت "تفلق" أدمغتنا بالحرية وحقوق الإنسان، أي تعقيب أو تعليق رغم خطورة هذه الخطوة، باعتبارها "مناورة" أو "مؤامرة" لتمرير زبانية التعذيب مجددا في غيبة مجلس شعب منتخب يكون أمينا بحكم "شرعيته الجماهيرية" على حقوق المواطن المصري وعرضه وحرماته.. ولا أدري ما إذا كان هذا "الصمت" له علاقة باللقاء "المدهش" الذي جمع عددا من ضباط أمن الدولة مع عدد من المثقفين بعضهم معروف بتطرفه الشديد وبخفته وافتقاره إلى أية خبرة سياسية أو حقوقية وذلك في إحدى دور النشر التي لا تنشر إلا للمتطرفين اليساريين. نأمل من المجلس العسكري، أن يرفض التصديق على مشروع القانون الذي أعده وزير الداخلية، وارجاء ذلك وتعليق عمل الجهاز الجديد إلى أن تتم وضع مرجعية تشريعية راقية وإنسانية وحقوقية له عبر مناقشات جادة بين أعضاء مجلس الشعب الجديد والمنتظر بعد شهور قليلة.. لأن ما يجري اليوم في ذلك الشأن يثير الشكوك، ويعزز في الضمير العام بأن مصر بعد الثورة ليست جادة في تأسيس أجهزة أمنية راقية وأكثر تحضرا وإنسانية.. وأن ضباط التعذيب سيبقون شاء الثوار أم أبوا. [email protected]