يبدو للأسف ان بعض الناس يحنون للضرب على قفاهم، هذا ما ألمسه في اقوال من يطالبون الحكومة بان تكون "شبيحة" في التعامل مع المواطنين، وان تضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه مخالفة القانون، رغم ان مثل هذا الكلام هو الذي شجع حكومات سابقة على البطش والتنكيل بالمصريين! لا نريد بعد ثورة 25 يناير حكومة من "الشبيحة" أو البلطجية أو الخارجين على القانون بل نريد حكومة تطبق القانون على اساس من العدل والحرية والكرامة واحترام حقوق الانسان، لا على اساس من الضرب و السحل و القمع و التعذيب وانتهاك كرامة المواطنين. الحكومات "الشبيحة" هي التي تطبق قوانين الطواريء بحجة مكافحة الارهاب، وهي التي تزورالانتخابات وتصادر الحريات وتكمم الافواه وتفرض الرقابة على وسائل الاعلام وتختلس مليارات الدولارات من المال العام لأنه لا يوجد من يمكنه مواجهة بلطجتها وخروجها على القانون. الحكومات "الشبيحة" هي التي تتعامل مع المواطنين باعتبارهم رعايا ، ومع الاجانب والخواجات باعتبارهم اسيادا، وهي التي تتاجر بشعارات الوطنية والقومية والديمقراطية، وهي التي تتباهي بازهي عصور الحرية مع ان كل ممارساتها في الواقع أقرب الى سلطات الاحتلال ! لقد عاني اجدادنا من الاحتلال الخارجي، وعانينا نحن وآباؤنا وابناؤنا من الاحتلال الداخلي، وآن اللأوان الآن لنرسخ لشرعية جديدة تقوم على الديمقراطية وسيادة القانون والفصل بين السلطات وتداول الحكم ونزاهة الانتخابات واحترام ارادة الشعب باعتباره صاحب القرار الاصيل في كل ما يتعلق بحاضره ومستقبله! الذين يحنون لحكم الحكومات "الشبيحة" هم الذين يتهمون الآن حكومة الدكتور عصام شرف بالضعف والعجز وعدم القدرة على تحمل المسئولية متجاهلين ان هذه الحكومة الانتقالية جاءت في ظروف استثنائية وانها غارقة لأذنيها في معالجة الملفات المعقدة التي ورثتها عن النظام السابق! كل ما نعانيه الآن من فوضى وازمات ومشكلات كنا نعاني مثلها في عهد مبارك، ومن الطبيعي بعد سقوط النظام السابق ان تتفاقم المصائب والكوارث حتى يتشكل نظام جديد، حدث هذا في كل الدول التي سبقتنا في الثورة علي الاستبداد والظلم والقهر والاحتلال الداخلي، ومن المؤكد ان معالجة مظالم ثلاثين عاما لا يمكن ان يتم في ثلاثة اشهر! من حق البعض ان ينتقد الدكتور عصام شرف بدعوي انه رجل متواضع رقيق المشاعر، يمكن ان يبكي تأثرا على شاشات التليفزيون، لكن ذلك لا ينفي حرصه على الصالح العام ووطنيته واحترامه للشعب المصري، واحساسه بانه واحد من الناس ولم يهبط عليهم من كوكب ثان! يمكنك ان تختلف مع الدكتور شرف حول اختياراته للمحافظين ومعالجة أزمة محافظ قنا والتمسك برؤساء الجامعات التابعين للحزب الوطني وترشيح مصطفى الفقي امينا للجامعة العربية ووجود يحيي الجمل في منصب نائب رئيس الوزراء لكن لا يمكنك ان تتجاهل الجهود المبذولة لاستئناف العلاقات الطبيعية مع السودان وايران وتطوير التعاون مع السعودية ودول الخليج والاتجاه شرقا نحو الصين وحل مشكلاتنا مع دول منابع النيل. لو قارنت الحكومة الانتقالية الحالية التي افرزتها ثورة 25 يناير بكل الحكومات السابقة لأدركت الفارق الكبير بين حكومة تسعي للاصلاح، وحكومات كانت تمارس القهر والقمع دفاعا عن مصالحها ومصالح الشلل المحيطة بها من المنحرفين والافاقين ولصوص المال العام! في عهد النظام السابق كان يتم الترويج للحكومات "الشبيحة"، باعتبارها الاقدر على حفظ الامن والنظام والقانون والدفاع عن هيبة الدولة، ثم اكتشف المصريون الان أن كل ما قيل لهم كان اوهاما في اوهام، وان هذه الحكومات كانت مجرد عصابات تمارس النهب المنظم للثروة والاغتصاب المنظم لحقوق وحريات المواطنين. من حق كل مواطن ان ينتقد الدكتور عصام شرف، فهذه هي الديمقراطية، وحتى لا يتحول الرجل الى فرعون جديد، مع انه لن يستمر في منصبه طويلا، ومع ذلك علينا ان نتفهم الظروف التي يعمل فيها ، والتحديات التي يواجهها، واننا نتعامل لأول مرة مع رئيس حكومة يجلس على الارض مع اهل سيناء ، ويذهب الى مطعم فول وطعمية في وسط القاهرة لتناول طعامه، ويصر علي ان يدفع نجله قيمة مخالفة مرور. لو كانت جريمة عصام شرف انه يستمع لآراء الناس ويستجيب لرغباتهم في حالات كثيرة ، فهذه ليست تهمة بل وسام على صدره، وهذه هي الديمقراطية التي ننشدها، والمفروض ان تكون هذه هي سمة كل المسئولين، فالقرار السياسي يجب ان يعبر عن ارادة الناس لا مشيئة الفرعون! لا احد في مصر يريد الحكومة "الشبيحة"، باستثناء من يعانون من متلازمة استكهولم، الذين يحنون لحكومات القمع والمافيا التي تعتقل الناس لأسباب واهية، وتصادر اموالهم وممتلكاتهم دون احكام قضائية، وتقدمهم الى محاكم استثنائية تحكم عليهم بالاعدام أو المؤبد، وتحيل حياة الغالبية الساحقة من المواطنين الى جحيم. الذين يعانون من متلازمة استكهولم وحدهم هم الذين يحنون الى الماضي، رغم ادراكهم لكل الفظائع والجرائم التي ارتكبها هذا الماضي البغيض. مصر بصراحة لا تحتاج الى حكومة من "الشبيحة"، بل تستحق ان تعيش مثل غيرها من دول العالم الحر، في عزة وحرية وكرامة واحترام لحقوق الإنسان!