مصر الحديثة والتي ظهرت للوجود منذ عهد محمد على الالبانى الأصل، ولدت قوية ومنظمة إداريا وزراعيا وعلميا، وتركت قواعد وأسس لدولة عصرية نلمسها جميعا حتى الآن. ومصر ماقبل 25 يناير كانت على النقيض تماما برغم أن الذي حكمها كان مصريا ، ولكنه لم يستكمل هذه الأسس التي أرسخها محمد على بل استنزفها وسمح بسرقتها من شخصيات حول السلطة ولتحقيق الجمهورية الملكية المصرية. فمظاهر الرخاء والرفاهية الكاذبة والتي ظهر بها المجتمع المصري طوال الخمسة عشر عاما الأخيرة لم تستطع تغييب الوعي الوجداني للمصريين برغم التضليل والنفاق السياسي والأكاذيب الإعلامية المتواصلة عبر هذه السنوات، ملايين الجنيهات سرقت من رصيد هذا الشعب بشكل سافر ولم يسبق له مثيل في التاريخ الحديث مما أحدث صدمة للجميع بداخل مصر وخارجها. الشعب المصري بطبيعته مسامح لأقصى حد ، ولكن عند امتهان كرامته أو سرقة "لقمة عيشه" يصبح ماردا جبارا لايستطع أحد مهما كان داخليا أو خارجيا أن يقف أمامه، وهو ما وضح جليا بعد ظهور هذا الكم الهائل من الأموال المنهوبة ، فمصر تصبر كثيرا ولكنها لاتغفر ولا ترحم من يخدعها أو يسرق حقوقها. لذا لا داعي لقلق الشعب المصري من ترديد البعض من أن الدول الغربية وأمريكا على وجه الخصوص وباقي دول العالم على وجه العموم لن تعيد هذه الأموال نهائيا أو سوف تعيدها بعد فترة طويلة من الزمن ، أو استعادة جزء بسيط منها من خلال مقايضات سياسية، وخاصة بعد ما رأى الغرب والعالم هذه الملايين المصرية والتي مازالت مصرة على استعادة حقها كاملا بدون أية نقصان أو مماطلة والتي أودعها النظام وحاشيته بهذه الدول، فالغرب لم يستطع النقد أو شجب عملية القبض ومحاكمة نظام مبارك بكامله واكتفى بالقول أن هذا شأن داخلي والتزم الصمت التام حتى لا يستفز أو يتعرض لهدير غضب الشعب المصري والذي يصر على استرداد أمواله حتى لو اضطر إلى الاعتصام أمام سفاراتهم ومؤسساتهم بمصر أو ابتكار وسائل جديدة ومفاجئة للغرب تجبره على إعادة هذه الأموال فور الحكم القضائي النهائي للمحاكم المصرية المدنية وبدون أية مساومة ، وكيف لا والغرب رأى بأم عينه كيف أن شعب مصر كان جبارا ومفاجئا في حجم وقوة غضبه بداية من 25 يناير وحتى الآن. لذا أنصح الغرب عامة وأمريكا خاصة أن تعلن بكل صراحة ووضوح بأنهم سوف يعيدون الأموال المصرية كاملة فور صدور حكم القضاء المصري حبا وكرامة لشعب مصر وحفاظا على الاحترام الظاهر بين هذه الشعوب وشعب مصر ، وحتى لا يتذكر الجميع الموقف الامريكى في ستينيات القرن الماضي عندما رفضت الحكومة الأمريكية التعامل مع سفينة مصرية بموانيها بحجة أن عبد الناصر شخصية عدائية ، فما كان من عمال الموانئ المصرية والعربية رفض التعامل نهائيا مع السفن الأمريكية في المنطقة العربية بأي شكل كان، مما اضطر الرئيس الامريكى وقتها لإصدار قرار فوري برغم اعتراض الكونجرس ومسئولي الساسة الأمريكيين بالتعامل بجدية واحترام مع السفن المصرية بالمواني الأمريكية. فالبركان الثوري الذي حرك ملايين المصريين في مشهد حضاري ليس له مثيل في العالم سيبقى في التاريخ الوجداني العالمي لقرون طويلة قادمة، هذه الكتل البشرية والحشود الرهيبة هي بمثابة رسالة أن الوجود في ميدان التحرير بالقاهرة والمحافظات لم يعد أمرا صعبا ويمكن استخدامه لاسترداد الحق المسلوب ببنوك ودول العالم كما استخدمته لإسقاط حكم الفرد ومحاكمته في سابقة هي الأولى بالمنطقة العربية. فيا سادة قيمة البلاد وقوتها يكون بكم الإصرار والإرادة لشعبها للمحافظة على حقوقه واسترداد أمواله المنهوبة هو الأداة الفعالة التي لايستطع أحد في العالم أن يقف ضد رغبات الشعوب وإرادتها بل ينحني لها احتراما وتقديرا فهذه هى الديمقراطية الحقيقية ، ومصر لها قوة فيتو منحها الله إياها واستخدمته ضد الصليبيين والتتار والهكسوس وغيرهم بما أعاد ضبط الإيقاع بمنطقة الشرق قلب العالم أجمع وذلك على مدار التاريخ، ولان مصر ليست قلب العالم فقط وإنما أم الدنيا كلها في ترسيخ أسس العلاقات بين البلاد منذ بداية التاريخ، وكيف لا ونظم الحكم والإدارة هي التي ابتكرته ، وحتى الدين مصر هي التي استوعبته منذ إدريس ومرورا بإبراهيم ويوسف وموسى وعيسى ومحمد عليهم السلام ثم أعادت هذا كله للعالم أجمع في صورة إنسان مصري كان ومازال خير أجناد الأرض. [email protected]