مازالت "الإعدامات الجماعية" في مصر تتصدر عناوين وتعليقات الصحف الأمريكية, حيث ذكرت مجلة "التايم" أنه في الوقت الذي يستعد فيه المصريون للذهاب لانتخابات الرئاسة في مايو القادم, جاءت هذه الأحكام كتذكير بأن الديمقراطية ليست مجرد ما يحدث في صناديق الاقتراع. وأضافت المجلة في تقرير لها في 30 إبريل أن محاكم مصر "تهزأ بالعدالة" بمزيد من أحكام الإعدام الجماعية, قائلة :" المحاكم التي من المفترض أن تكون رقيبة على السلطة التنفيذية كانت تستعرض على ما يبدو انحيازها الكامل للدولة الأمنية في مصر، وهذا السلوك من المحاكم المصرية يعطي جماعات حقوق الإنسان مدعاة للقلق الشديد". وبدورها, واصلت صحيفة "نيويورك تايمز" انتقاد أحكام الإعدام الجماعية الصادرة ضد المئات من معارضي "الانقلاب" في مصر, وأعرب كاريكاتير لرسام الصحيفة باتريك شابات في 30 إبريل عن استيائه من الأحكام، فيما حمل الكاريكاتير اسم "حُكم عليهم بالإعدام في مصر"، في إشارة إلى أنصار الرئيس المصري المعزول محمد مرسي. ويُظهر الكاريكاتير "قاضٍ يجلس على منصة الحكم، يحمل في يديه مطرقة، يصوبها تجاه الآلاف من أنصار مرسي, ويهشِّم بها رؤوسهم". وكانت "نيويورك تايمز" علقت أيضا في تقرير لها في 29 إبريل على هذه الأحكام الجماعية, قائلة :" إنها أوضح دليل حتى الآن على دعم القضاء لحملة القمع, التي تشنها الحكومة المؤقتة في مصر ضد المعارضة من كل الأطياف بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي". وتابعت الصحيفة أن وجود محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين ضمن, الذين حكم عليهم بالإعدام, يشكل تصعيدا استثنائيا خطيرا يهدد مستقبل مصر، لأنه في حال تنفيذ الحكم, ستكون هذه هي المرة الأولى التي تعدم فيها الحكومة المصرية مرشدا عاما خلال أكثر من ستين عاما من "المحاولات الدموية لقمع الجماعة". وكانت محكمة جنايات المنيا أحالت في 28 إبريل أوراق 683 متهما من معارضي "الانقلاب", بينهم المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين محمد بديع, إلى المفتي طلبا للرأي الشرعي في إعدامهم، وذلك في قضية اتهموا فيها بالتحريض على العنف وقتل متظاهرين في أغسطس الماضي. وقبل ذلك, وتحديدا في 24 مارس الماضي, أصدرت المحكمة ذاتها قرارا أيضا بإحالة أوراق 529 متهما من معارضي "الانقلاب", إلى المفتي لأخذ الرأي في إعدامهم. وأثارت أحكام الإعدام الجماعية السابقة عاصفة انتقادات من منظمات دولية حقوقية بارزة , حيث وصفت "تلك الأحكام بأنها شائنة ومعيبة وتعسفية ولا تتفق مع التزامات مصر الدولية". ودانت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا أحكام الإعدام المتلاحقة في مصر , والتي تشكل وفق المنظمة, انتهاكا جسيما للقوانين المحلية والدولية, لما تتضمنه من إهدار للحق في الحياة، ولاستخفافها "غير المسبوق" بحقوق الإنسان. ووفق المنظمة, فإن أحكام الإعدام الجماعية, التي أصدرها القاضي سعيد يوسف صبري, بحق المئات من معارضي "الانقلاب", معيبة، ولا تتوفر فيها صفات المحاكمة العادلة "حيث صدر الحكم على كل هذا العدد دون تمكين الدفاع من إبداء دفوعه، وفي غياب المتهمين على الرغم من وجود العديد منهم في المعتقلات". ودعت المنظمة المؤسسات الدولية إلى التدخل السريع, ووضع حد "للانتهاكات الجسيمة التي تمارسها السلطات القضائية ضد المعارضين السياسيين". وقالت أيضا إنها أعدت تقريرا تضمن شهادات لعدد من المحكوم عليهم بالإعدام وأسرهم تبين أنهم تعرضوا لتعذيب شديد في مقرات الأمن، وأجبروا على التوقيع على اعترافات. وأشارت المنظمة الحقوقية أيضا إلى أن بعض المتهمين لا يقوى على القيام بما أسند إليه نتيجة مرضه أو عدم وجوده في محيط المكان أو عدم وجوده في مصر خلال الأحداث، إلا أن المحكمة والنيابة لم تلق بالا لهذه الدفوع. وبدورها, حذرت منظمة العفو الدولية من عيوب خطيرة في النظام القضائي المصري بعد تلك الأحكام، التي قالت إنها تظهر إلى أية درجة أصبح نظام العدالة الجنائية في مصر تعسفيا وانتقائيا. وأوضحت أن المحكمة أظهرت استهتارا كاملا بأغلب قواعد المحاكمة العادلة، ودمرت بذلك مصداقيتها، وأشارت إلى أنه حان الوقت لتعترف السلطات المصرية بأن النظام الحالي ليس عادلا ولا مستقلا ولا محايدا. وخلصت إلى أن هناك تخوفا من أن يتحول النظام القضائي إلى جزء آخر من "الآلة القمعية", التي تملكها السلطات المصرية. وفي السياق ذاته, قالت سارة ليا ويتسون المديرة التنفيذية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة "هيومان رايتس ووتش" الدولية لحقوق الإنسان إن تلك الأحكام يمكن أن تكون أكبر أحكام الإعدام في تاريخ العالم الحديث، "وبينما هي استثنائية في ضخامتها, فإنها ليست استثنائية في نوعها". وأضافت ويتسون "يبدو أن الغرض من هذه الأحكام هو بثّ الخوف والرعب في قلوب الذين يعارضون الحكومة المؤقتة". وبالنسبة لردود الفعل الرسمية على المستوى الدولي, كتب وزير الخارجية السويدي كارل بيلت في حسابه على "تويتر" في 28 إبريل أن تلك المحاكمات الجماعية "شائنة"، وأضاف "لا بد أن يرد العالم وسوف يفعل". كما أعرب البيت الأبيض عن القلق "العميق" إزاء أحكام الإعدام الجماعية، وطالب بإلغائها. وبدورها, أعربت الخارجية الفرنسية أيضا عن عميق قلقها من الأحكام، وحثت السلطات المصرية على ضمان محاكمات نزيهة للمتهمين ترتكز على ما سمتها تحقيقات مستقلة. ومن جانبه، قال الرئيس التركي عبد الله جول إنه لا يمكن قبول مثل هذه العقوبات الصادرة عن محاكمات سياسية "لا يقبلها عقل". أمّا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون, فأصدر بيانا قال فيه :"إن المحاكمة افتقرت إلى أبسط قواعد العدالة، وقد تؤثر على استقرار مصر على المدى البعيد". وبينما استدعت وزارة الخارجية الألمانية سفير مصر في برلين على خلفية أحكام الإعدام الجماعية، اعتبر الاتحاد الأوروبي هذه الأحكام انتهاكا للقانون الدولي. وفي المقابل، دعت وزارة الخارجية المصرية دول العالم "إلى احترام استقلالية القضاء المصري"، وأضاف المتحدث باسم الوزارة بدر عبد العاطي أنه لا يستطيع التعقيب على أحكام القضاء، مشيرا إلى أن مبادئ الديمقراطية "تتحدث عن ضرورة الفصل بين السلطات، والقانون يكفل الحق الكامل في التقاضي".