في الشكل يستحوذ عبد الفتاح السيسي على الجزء الأكبر من الصورة. صورة المرشح الرئاسي الذي يحظى بشعبية واسعة وتوقعات باكتساحه الانتخابات. وإلى جانبه يحتل منافسه الوحيد حمدين صباحي الجزء الصغير المتبقي من الصورة، مع توقعات بأن يحقق نتيجة قد لا ترقى لما حققه في 2012. لكن بعيدا عن الشكل والصورة، وهما لا يعتبران أساسا للمقارنة العلمية المنهجية واستخلاص نتائج نهائية قاطعة، فإن الجوهر والمضمون هو الأساس في التمييز وعقد المقارنات سواء بين الأشخاص، أو في القضايا والموضوعات. وهنا يتفوق صباحي على السيسي، ويستحوذ في التحليل العلمي النزيه على الغلبة والتقدم. صباحي كتاب مفتوح، والسيسي كتاب مغلق. صباحي صندق معروف قراره، والسيسي صندوق مغلق. صباحي تاريخه مكشوف يوما بيوم، والسيسي له تاريخ، لكنه غامض مثل غموض عينيه وبعض ملامح وجهه في اللقطات التي ظهر فيها وهو يرتدي النظارة السوداء. من يتصفح الأرشيف الورقي أو الالكتروني سيجد ألوف المواد عن حمدين تتضمن كل صغيرة وكبيرة عنه وتعكس مواقف وآراء وتوجهات وانتصارات وإخفاقات ومواجهات وانتقادات له وعليه. وفي حالة السيسي ستجد موادا كثيرة أيضا، لكنها حديثة العهد معظمها بعد 3 يوليو، وهي ليست من صناعته أو من مسيرة حياته، إنما من صناعة غيره من أحبائه وأنصاره والمهووسين به والذين حولوه إلى بطل الأبطال وعظيم العظماء محطم الإخوان وقاهر الأمريكان، وفي هذا الخضم من التبجيل الأسطوري لن تجد إلا القليل جدا من المواقف والآراء والتوجهات الواضحة، وهى لا تصلح لبناء موقف محدد له، ولن نخرج منها بتشكيل رؤية سياسية اجتماعية اقتصادية واضحة لهذا الجنرال الذي خلع زيه العسكري ليكون رئيسا، أي يكون رجل سياسة، حيث لانعرف ماهي سياسته، ولا مفتاحا واحدا من مفاتيح فهم شخصية الوافد الجديد على عالم السياسة من أوسع أبوابه وهو رئاسة الجمهورية. بكل الحسابات الشكلية فإن السيسي هو الفائز، لكن بالحسابات الموضوعية، وفي بيئة اختيار وتمييز تتمتع بثقافة سياسية ووعي وإدراك فإن أسهم صباحي لابد أن تكون مرتفعة، وذلك ليس لعيب في السيسي، إنما لأنه لم يتكلم، ولم يقل من هو حتى نراه، ولا ماهي أفكاره وسياساته، ولا هو مع من، ولا ضد من، ولا الاتجاه الفكري والايدلوجي الذي هو قريب منه، هل هو يميني، أم يقف في منطقة يمين الوسط، أم يسار الوسط، أم في اليسار، أم هو ليس أيا من كل ذلك، وهذا لا يصلح، فالسياسي لابد أن يكون واضح الخط والهدف والاتجاه، وليس هلاميا، وفكرة الرئيس الأب، أو كبير العائلة، أو الرئيس الضرورة، لم تعد صالحة اليوم، ولا مناسبة لحالة مصر بعد التطورات الدراماتيكية التي أعقبت ثورة 25 يناير. صباحي ينتمي للناصرية، أي ينتمي إلى معسكر اليسار، وبشكل دقيق يسار الوسط ، فهو ليس يساريا راديكاليا، ليس شيوعيا ماركسيا، ولا تروتسكيا، هو يساري وسطي متوازن يقترب من اليمين في بعض الأفكار السياسية، لكنه مؤمن بقضايا العدالة الاجتماعية، والدفاع عن الفقراء، والدور البارز للدولة في الإنتاج والتصنيع لكن بآليات العصر، أي لا تحتكر الدولة كل وسائل الانتاج كما كان في العهد الناصري، إنما تشجيع رجال الأعمال، والاستثمار الداخلي والخارجي مع بقاء الدولة قوية يقظة لا تتخلى عن دورها الاجتماعي والاقتصادي في المشروعات الاستراتيجية، حمدين بالمطلق ضد النيوليبرالية الشرسة، لكنه مع ليبرالية سياسية، ومع ليبرالية اقتصادية اجتماعية لا تعمل بمعزل عن الدولة والسياسات الكلية لها. أين السيسي وتوجهاته الغامضة من صباحي الواضح حتى نعرف إلى أين نحن سائرون معه طالما أن هناك فئات شعبية تتحمس له، وقد تحمله بأصواتها إلى القصر، هل هو يقف في اليمين بدرجاته المختلفة، أم هو في اليسار، أم هو في الوسط يمزج بين أفضل سياسات اليمين، وأفضل سياسات اليسار؟!. لا أحد يعرف إجابة عن هذه الأسئلة باستثناء كلمات مقتضبة له في بعض مناسبات عسكرية، وهي لا تقدم أي مؤشرات على توجهاته، بل إنها أقلقت كثيرين لقسوة ما تضمنته من إجراءات تمس الفقراء. والغريب مثلا أن تجد حزب الوفد أقصى اليمين يؤيده، وتجد التجمع أقصى اليسار يسانده ، ولا يمكن أن يلتقي فكران متضادان على شخص واحد، فهل السيسي يميني على نمط الوفد، أم يساري على خط التجمع، أم ناصري على غرار فصائل من الناصريين تدعمه، أم هو يميني ديني سلفي على نمط حزب النور المتحمس له ؟!. التفسير أن رهان هذه القوى ليس على برنامج وفكر وتوجه ورؤية، إنما على شخص السيسي فقط كونه مدعوما من المؤسسة العسكرية، والأجهزة الأمنية والمخابراتية، وجماعات المصالح المختلفة، لأنه بذلك سيكون الأقدر على الحكم في هدوء بعد تجرية مرسي الذي كان منبوذا من الدولة وأجهزتها، وهناك سبب آخر مهم وهو أنه أطاح بالإخوان، وسيمنع عودتهم للسلطة، وهذا يوفر للقوى السياسية المدنية ضعيفة الشعبية والتنظيم القدرة على الحركة في مشهد سياسي يخلو من وجود الإخوان القوة الأكثر تنظيما وقدرة على حشد الأصوات، وبالتالي تضمن القوى المدنية وجودا لها في الحكم. قضية العودة للرهان على شخص معين أيا كان اسمه يعيدنا مرة أخرى إلى زمن فات وأخفقت فيه التجربة، ومبارك نموذجا، وكل التجارب الناجحة في بلدان العالم المختلفة التي اعتمدت على شخص الرئيس أو القائد كان شرطا أساسيا لنجاحها أن يمتلك هذا الشخص رؤية وفكرا وحلما ويعمل في مجتمع متماسك غير منقسم أو تسوده الكراهية. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.