بعد الأخبار التي تناثرت عن الاعتداء على الدكتور العلامة حسن الشافعي يوم الجمعة الماضية في مسجد النور، سمعت أستاذا جامعيا متخصصا في اللغة العربية، يسأل جادا: من هو الدكتور حسن الشافعي..أول مرة أسمع عنه؟! فدعوت الله على وزير السقافة( بالسين) الأسبق، وعلى من استوزره، ومن رضى باستوزاره، ثم قلت: حين يتوارى العظماء في كهوف التجاهل والتعتيم، ويتصدر المتسلقون واجهة واقعنا المعاصر.. يصبح ضروريًا أن نعيد تشكيل ملامح صورة هذا الواقع. وحين يُحتفى بالتافهين، وينال التكريم من لا يستحقونه، بينما يعطي العباقرة في صمت جميل، عازفين عن الشهرة والذيوع.. يصبح إعطاء هؤلاء حقهم، وإنزالهم منزلتهم أقرب إلى الفريضة الأخلاقية. وحين تختل معايير القيم، وموازين التقييم، فيصعد من لم يضيفوا إلى رصيد الحياة والفكر والضمير الإنساني شيئًا، ويبقى من تُشكِّل كل لحظة في حياتهم إضافة وإثراءً للعقل العربي والإسلامي في دائرة التجاهل والتعتيم.. يصبح تصحيح المعايير وإجبار الموازين على الاعتدال حتمية يفرضها حق الجيل الحالي والأجيال القادمة في إغناء حياتهم برموز ونماذج للقدوة تضيء لهم معالم الطريق. وحين نستسمن ذا ورم، ونحتفى بالنكرات من أهل التطفل على المعرفة، وأكثرهم من طحالب الفكر التي تطفوا على السطح، وجلهم من المجاهيل، الذين يشتغلون بالتنظير قبل التأصيل، بدعوى أن القوم رجال ونحن رجال، فيأتون بأفكار نشاز، ورؤى عليلة، ويستنبتون بذلك بقلا غثا، وطحالب في قيعان كدرة، لم تعتصم بعلم ولا منهج، ولم تأو لركن وثيق، وقد شقيت بهم المنابر والصحف والجامعات، حينها تصبح التفرقة بين العالم والمتعالم من واجبات الوقت. الدكتور حسن الشافعي طبقة الأعلام الأكابر الشيخ الشعراوي والشيخ الغزالي والشيخ جاد الحق، وأحد عظماء عصره، وصاحب الثقافة المتنوعة، والعلم الموسوعي، وأستاذ الفلسفة الإسلامية، ووكيل كلية دار العلوم، ورئيس الجامعة الإسلامية بباكستان سابقا، وعضو مجمع اللغة العربية، وكان عضو الهيئة الاستشارية لدائرة المعارف الإسلامية. ولد سنة 1930، ويذكر أنه بعد أداء امتحان السنة الأولى من المرحلة الابتدائية، سأله والده: إلى أين انتهيت في دراسة النحو؟ فأجابه الشيخ: عند فاء السببية، وواو المعية، فسأله الوالد: متى ينصب المضارع ب (أن) مضمرةٍ وجوبا؟ فسرد له أحوال نصبها، على ما هو منصوص عليه عند النحاة، ثم ذكر له بيتا من الشعر، يجمع تلك الصور، فسُّر والده بذلك. ولقد كان الشيخ من العلم والصلاح والمعرفة والجلالة بالمحل الأعلى، كأنه واحد من سلف الأمة قد بُعث حيا في أيامنا هذه، وقد بجَّله كبار الشيوخ غاية التبجيل. كما احتفى به، وتكلم عنه، وعن أبعاد شخصيته، ومعالم فكره، وتاريخه العلمي العريق، ومكانته، كبار العلماء والمفكرين من أمثال: فضيلة الشيخ على جمعة مفتي الجمهورية، والدكتور محمد عمارة، والدكتور أحمد العسال، والدكتور جابر قميحة، والشيخ سيد عسكر، والدكتور السعيد بدوي، والدكتور أبو اليزيد العجمي، والدكتور العوا، والدكتور كمال إمام، والدكتور أحمد يوسف سليمان، والمستشار البشري، والدكتور عبد اللطيف عامر، والدكتور حافظ منير..وغيرهم كثر. وقد عقدت مجلة الرسالة ندوة حوله، ضمن سلسلة ندواتها التي تنعقد تحت عنوان:( رموز في دائرة الضوء)، بإشراف الأستاذ صلاح عبد المقصود. من مؤلفات الدكتور الشافعي: (الإمام الأمدي وآراه الكلامية علم الكلام بين ماضيه وحاضره فصول في التصوف التيار المشائي في الفلسفة الإسلامية، وغير ذلك كثير، وللشيخ مئات التلاميذ في الشرق والغرب. قال صاحب أسانيد المصريين: وللدكتور حسن الشافعي إسناد متصل، فهو يروي عن العلامة المحدث محمد الحافظ التيجاني، والعلامة المسند أحمد السنديلوي، والعلامة عبد الله بن نافع كاكاخيل، والعلامة محمد بن نجيب البادنجكي الندوي، والعلامة عبد الغفار حسن الباكستاني، والمفتي الشيخ على جمعة، والشيخ المحدث الدكتور أحمد معبد. ظل العلامة الكبير محبا للأزهر الشريف، منتميا إليه، متعلقا به قلبا وقالبا، حريصا عليه، فخورا به، مرتديا زيه، وهو عضو مجمع البحوث الإسلامية. ومما يستشهد به على صلاحه، ما ذكره العلامة الشيخ علاء الدين النقشبندي أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام في مسجده الشريف، وهو يطلب الدكتور حسن الشافعي، ويسأل أين هو؟ فما لبث أن حضر مُحْنيا رأسه تواضعا وأدبا، فأحضره الخدام أمام رسول الله، قال الشيخ علاء: وبعد برهة سمعت نداء آخر يقول:(إن الرسول صلى الله عليه وسلم راض عن الدكتور حسن)، فرجع باكيا من شدة الفرح. أسأل الله أن يطيل عمره، ويمتعه بالصحة والعافية الفكرية والجسدية، وأن ينفع به أمته أينما حل وأينما ارتحل.. من مصادري: 1 الشيخ أسامة السيدالأزهري: أسانيد المصريين، جمهرة في المتأخرين من علماء مصر ومناهجهم وسلاسل أسانيدهم، مطبوع. 2 مجلة الرسالة: العدد 30. 3 موقع الدكتور حسن الشافعي. [email protected]