عندما دعوت بعض الكتاب الأقباط إلى تعلم طريقة التفكير الوطني من رفيق حبيب وجورج اسحاق وجمال أسعد عبد الملاك ، كنت مدفوعا بما لاحظته بأن معظم من يكتبون في الصحف المصرية أو على المواقع الالكترونية من الزملاء والاصدقاء الاقباط ليسوا مهمومين بالهم الوطني العام وإنما مهمومون فقط بالشأن القبطي ، أو عن كل ما يدفع في اتجاه انتزاع مصر من هويتها العربية الاسلامية ، باعتقاد أن ذلك في صالح الاقباط ! غير عابئين بالاغلبية المسلمة التي يوذيها سماع مثل هذا الكلام ، ويعتبرونه تحرشا قبطيا بالمسلمين وجودا وثقافة وحضارة . لقد عاتبني الاستاذ مجدي خليل مثلا في رسالة على الايميل ، لأني حذفت بعض فقرات من مقال له قبل نشره على "المصريون" ، وخيرني بين أن اقبل مقاله كما هو وإلا فلا داعي لنشره ! وأنا هنا لا أريد أن ألقن خليل درسا في كيفية تعامل الكتاب مع الصحف ، لأني اعتقد أنه يعلم ذلك جيدا ، وأن من حق الصحيفة حذف ما تراه غير لائق ولايستقيم نشره مع الاخلاق العامة أو مع سياسة الصحيفة أو يضر ضررا بالغا بالأمن القومي ، أو يؤذي مشاعر الناس .. وذلك قبل اجازة المقال للنشر . إن ما حذف من المقال كان مسيئا لمصر وللمصريين ويعلم جيدا مجدي خليل أنها أكاذيب إذ كيف أنشر مقالا يدعي إن "الكنيسة المصرية .. كنيسة مستقلة في بلد محتل من العرب والمسلمين "؟! وكلام آخر طائفي وغير موضوعي ... ويعلم كما قلت أنه محض اداعاءات وأكاذيب .. والبابا شنوده نفسه اعترف أن الاقباط يعيشون الآن أزهى عصورهم على الاطلاق ، وهو اعتراف كان يسعدنا لو أن ما حصلوا عليه كان "مكاسب" وطنية حقيقية على صعيد حل مشاكل المصريين جميعا من جهل وأمية وفقر وعشوائيات ومبيدات مسرطنة وقمع وقهر وظلم اجتماعي وسياسي يشمل جموع المصريين مسلمين وأقباطا .. ولكنها للأسف كانت مكاسب "طائفية" ، تعزز مشاعر عزلة الاقباط عن المجتمع وتقوي مشاعر الانتماء ل"الكنيسة" أكثر من انتمائهم ل"الوطن" ... لقد أدت هذه السياسات إلى أن حلت الكنيسة ذاتها محل "المقدس الديني" عند أقباط مصر المساكين والمغرر بهم ... لقد غضبوا وتظاهروا من أجل نشر صور فاضحة لقس مشلوح على صفحات النبأ ، فيما لم نسمع لهم صوتا ، وكنيسة المهد ببيت لحم .. أطهر مكان في الدنيا بالنسبة لمسيحي العالم ذلك المكان المقدس الذي شهد ميلاد المسيح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام .. تدك بالصواريخ والقنابل وتحاصر من قبل الاسرائيليين .. كانت هذه الظاهرة وحدها تكفي للتأمل لتبعث روحا جديدة داخل النخبة القبطية وأن تجري مراجعات حقيقية للتدرس كيف حلت الكنيسة المصرية محل المقدس الديني في وعي وفي لاوعي النصاري المصريين .. إنها في تقديري نتيجة الانفصال عن النضال الوطني مع الجماعة الوطنية المصرية وهمومها المشتركة ... والالتفاف حول مطالب طائقية ضيقة اختزلت الوطن كله في الكنيسة ! وللاسف الشديد فإن تلك "المكاسب" الطائفية .. ليست بفضل تشدد البابا كما قال الصديق العزيز الاستاذ عاطف مظهر في مقاله الخميس الماضي ب"المصريون" وإنما بفضل الأمريكان وبفضل الاستقواء بأوضاع دولية ضاغطة على نظام ضعيف يعطي لأجندة التوريث الاولوية الأولى على ما عداها ما جعله نظاما يسهل ابتزازه من قيادات أقليات الداخل وامتداهم المهجري بالخارج ، ما جعله يتبع سياسات طائفية تميل ل"تدليل الاقباط" ارضاء للغرب على حساب الاغلبية المسلمة ، وهي سياسة خطيرة وصبيانية وغير مسئولة لا يقبلها الوطنيون الاقباط ويرفضونها لأنها تفرق بين ابناء الوطن الواحد وتوغر صدور بنيه وتفرق أكثر مما تجمع وتوحد وتعرض الوطن كله للخطر . والله إني لأكتب هذا الكلام وأنا مشفق على أشقائي الاقباط وكيف تحولوا إلى ورقة يستغلها الجميع للابتزاز .. الكنيسة لابتزاز النظام والاخير يستغلها لابتزاز الغرب وتخويفه من الديمقراطية التي ستأتي بالإخوان المسلمين ، والامريكان يستغلونهم للضغط على النظام ، وبعض أقباط المهجر يستغلونهم للارتزاق .. إنها والله لمأساة حقيقية ... وعلى كل من شارك في صوغ هذا الوضع المؤلم أن يتحمل مسئوليته الوطنية في تصحيحه .. والاعتراف بالخطأ وبشجاعة وبصراحة هو أول محطة في رحلة التصحيح . [email protected]