حيرني كثيرا كلام الروائي الكبير الأستاذ جمال الغيطاني الثلاثاء الماضي في ندوة نظمها المجلس الأعلى للثقافة بمناسبة صدور كتاب له.. الغيطاني نقل عنه كما نشر في عدد من الصحف الخاصة والحكومية هذا النص" .. ودعا الغيطانى القوات المسلحة للاستمرار فى إدارة الأمور السياسية فى مصر، داعيا المشير حسين طنطاوى لتولى رئاسة الجمهورية، وقال الغيطانى: أرجو من الجيش أن يبقى لمدة 3 سنوات يتم فيها صياغة مؤسسات الدولة، وتطهيرها من الفساد، الذى أسس له الفساد، وأدعو المشير لأن يتولى رئاسة الجمهورية، كما تولى الجنرال ديجول فرنسا، وأنقذها بعد الحرب العالمية الثانية، وأنا أعتبر مصر الآن، تماثل فرنسا فى فترة بعد الحرب العالمية الثانية"!! انتهى الاقتباس. لا أتوقع أن يكون الأديب الكبير، لا يزال تحت سلطة خبرته الصحفية التي أمضاها بين ثكنات الجيس كمراسل عسكري.. أعرف أن الغيطاني ظل محتفظا بعلاقات وثيقة مع المؤسسة العسكرية، والتي كما سمعت من مقربين له قد ساندته كثيرا في رحلته الصحفية داخل مؤسسة أخبار اليوم، وانتصرت له أثناء خلافاته مع إبراهيم سعدة، ولعله وجوده على رأس "أخبار الأدب" لعدة عقود رغم أنه كان بالنسبة للقيادات الصحفية المتعاقبة على المؤسسة ضيفا ثقيلا ومصدر قلق وصدامات.. لعل هذا "الود القديم" هو الذي حفظ له منزلته المهنية في الصحيفة حتى احالته إلى التقاعد. لا أتوقع أن يكون كلام الأستاذ الغيطاني، من قبيل "رد الجميل" في لحظة "غير مفتعلة" وإنما تأتي متسقة مع انتشار الجيش في الشوارع والميادين ويتولى إدارة البلاد سياسيا في مرحلة ما بعد الثورة.. فالغيطاني يعلم أن ملفا في وزن وحجم مستقبل السلطة في مصر، لا يجوز مطلقا أن يكون موضوعا للمجاملات.. فضلا عن أن تلميذ الأديب الكبير الراحل نجيب محفوظ رحمه الله والأمين على تراثه الإبداعي، ينتمي إلى التيار الحداثي المدافع عن "الحكم المدني" والذي يستقي شرعيته التاريخية من مناهضة "العسكرتارية" بكل أشكالها سواء جاءت بالتراضي أو بالانقلابات.. وبالتالي فإن دعوة الغيطاني إلى أن يتولى الجيش الحكم وان يرأس وزير الدفاع رئاسة الجمهورية، تثير الكثير من التساؤلات حول الدوافع التي جعلت أديبا في حجم الغيطاني يقف في الخندق المناوئ للحكم المدني ويقطع الطريق على أول فرصة لمصر في أن يحكمها رئيس جمهورية منتخب بشكل ديمقراطي يعيد للبلد منزلتها الحضارية التي تستحقها دوليا وإقليميا. وفي تقديري أن الغيطاني لا يمثل في اللحظة التي كان يتكلم فيها نفسه، وإنما مثل "هواجس" الأيديولوجيات المهمشة، والتي لا تملك على الأرض أية قواعد اجتماعية تؤهلها لأن يكون لها دور او مكان في المشهد السياسي المصري، الذي سيكون ثمرة الفرز الديمقراطي الحر عبر صناديق الاقتراع.. وبالتالي فهي ترى في "الجيش" الأداة الوحيدة للحيلولة دون المضي قدما نحو الديمقراطية حال نجحوا في تأليبه وتحريضه على أن يتولى الحكم مؤقتا وإلى أجل غير مسمى بزعم "حماية" مصر من "الأصولية" الإسلامية! ومع توقيري واحترامي للأستاذ جمال الغيطاني، فإن تصريحاته لا يمكن بحال أن تدرج تحت "حرية الرأي".. لأن "التحريض" و"الالتفاف" على الثورة ومكاسبها، هي بلا شك "مؤامرة" ولايمكن بحال أن تكون "وجهة نظر" أو "حرية رأي". [email protected]