طالب الكاتب والروائي جمال الغيطاني ببقاء المجلس العسكري لمدة ثلاث سنوت يصبح خلالها المشير طنطاوي رئيسا للدولة، وذلك بهدف أن تتبلور القوى السياسية خلال هذه الفترة، فنستطيع أن نرى مرشحين للرئاسة من الفئة التي صنعت المعجزة ووقتها من الممكن أن يأتي حاكم من شباب التحرير على حد قوله. مؤكدا أنه زار التحرير وقت الثورة ولكنه لا يستطيع أن يدعي أنه أحد زعماء الثورة أو أثر فيها، "قد أكون مهدت لها في كتابتي ولكن جيل الثورة مختلف". وأضاف الغيطاني خلال الندوة التي نظمتها لجنة الدراسات الاجتماعية في المجلس الأعلى للثقافة يوم الثلاثاء لمناقشة كتاب الغيطاني الجديد "نزول النقطة"، "علينا أن نفهم بلدنا عشان نعرف نديرها، فالجوهر الثقافي للمجتمع المصري هو الأهم، كيف يأتي شخص يقترب من الثمانين ليعبر عن ثورة الشباب؟". وأكد الغيطاني في حديثه أهمية أن يكون الحاكم قارئا، ليكون قادرا على فهم الشخصية المصرية وإدارة دولة مثل مصر، مشيرا إلى أن عدد من المرشحين لرئاسة الجمهورية يعرف يقينا أنهم لم يقرأوا كتابا واحدا طوال حياتهم، وفي حال فوز أحدهم بالمنصب "هنشوف أيام سودا ويمكن وقتها نترحم على أيام مبارك"، وحذر من خداع الصورة التي قد تظهر شخصا على أنه صاحب حضور قوي، ولكنه لا يملك فكرا أو رؤية. وضرب مثلا لتأثير عدم القراءة على القرارات الرئاسية بمحاولة الرئيس السادات إنشاء مجمع للأديان في سانت كاترين، في حين أنه يوجد مجمعين للأديان موجودين فعليا أحدهما في معبد الأقصر الذي تعلوه كنيسة ومن فوقها مسجد، والآخر في مصر القديمة حيث يوجد في مساحة نصف كيلو مسجد عمرو بن العاص والكنيسة المعلقة ومعبد ابن عازر وكلها مبنية على آثار فرعونية، ولكن لأنه لم يكن يقرأ فلم يعلم بوجودها. واستعرض الغيطاني خلال الندوة الفكرة الأساسية التي يتناولها الكتاب والتي تحاول الغوص في أعماق الشخصية المصرية، فهو معني منذ تفتح وعيه في القاهرة القديمة بخصوصية الثقافة المصرية وذلك بتأثير المنطقة عميقة الثقافة ومدججة بالفن والحضور. وكتابة "نزول النقطة" هي محصلة تأمل طويل وقراءة في كل ما يتعلق بالتراث المصري والعربي والعالمي والترحال في بر وبحر مصر المحروسة، والتي أوضح من خلال حديثه أنها تقوم على محورين المحور الأول الشمال والجنوب مسار نهر النيل الذي تجري فيه المياه بنظام كوني صارم من الجنوب إلى الشمال والذي كان جوهر معركة كبيرة قام بها الإنسان الذي في المنطقة لضبط النهر والسيطرة عليه ومن هنا نشأت فكرة الدولة المركزية، مشيرا إلى أن محاولات جعل مصر دولة لامركزية ستؤول جميعها إلى الفشل لأن طبيعة مصر لا تسمح بوجود حكم لامركزي. وأضاف الغيطاني أن مواجهة الخطر السنوي المتمثل في فيضان نهر النيل، كان دافعا للتلاحم بين المصريين، ولهذا ففي اعتقاده أن أحد أسباب الفتنة الطائفية الحادثة في مصر هي الآثار الجانبية لبناء السد العالي التي لم يلتفت إليها أو تدرس، فقد ضعفت هيبة النيل وتحول إلى مقلب زبالة بعد أن كان المصري القديم يقسم في أول محاكمته في العالم الآخر أنه لم يلوث مياهه. أما المحور الثاني فهو الشرق والغرب المتمثل في حركة الشمس. وأشار الغيطاني في عرض لشخصية المصري إلى أن أساس الفكر المصري يتمثل في مقاومة المصريين للعدم بالعمارة، ويتمثل ذلك في الأهرامات وغيرها من الآثار المصرية القديم، كما يظهر ذلك في أن أكثر ما يشغل المصري هو أن يبني ( بيت، مقبرة، سبيل)، يعمل طوال عمره أو يتغرب كي يبني، كما أن بناء المقبرة بالنسبة للمصري أهم من من البيت، وهنا لفت الغيطاني النظر إلى وجود "طيبة إسلامية" وسط القاهرة القديمة، حامدا الله أنه لم يمهل أحمد المغربي-وزير الإسكان السابق- وقتا كي يشوهها خصوصا وأنهم كانوا قد انتبهوا لأهميتها مؤخرا، فالمقابر في منطقة القاهرة القديمة تضم عددا من القبور التاريخية مثل قبر الإمام الشافعي والليثي وذي النون المصري إمام المتصوفة.