ايقظني الساعة الثانية بعد منتصف ليل أمس الأول من النوم ، صديق وكاتب قبطي ، وشعرت بنبرة غضب في لغته وعتاب لي على ماكتبته أمس بشأن تطاول بعض الكتاب الاقباط على الحجاب . في البداية وافقني الصديق أن التهكم على الحجاب من قبل أي قبطي هو حقا "قلة أدب" وجليطة غير مقبولة ، غير أنه عاتبني لوصفي من يهاجمون "الخط الهمايوني" بأنهم "جهلاء " وذكرني الصديق بأنه هو من أكثر الكتاب الاقباط الذين انتقدوا هذا الخط وطالبوا بالغائه ، مشيرا إلى أنه استشعر وكأني أقصده هو على وجه التحديد ! اعتدلت في جلستي ، وهجرني النوم ، فالرجل له مكانة التقدير في نفسي ، ويزعجني حقا أن يكون في نفسه شئ مني ، غير أني اضطررت إلى أن أكون معه أكثر صراحة إلى حد "الصدمة " . قلت له يا صديقي العزيز .. المشكلة إن الكنيسة تطالب وتحرك بعض كتابها من الجهلاء والسذج في اتجاه الشوشرة على هذا "المرسوم" الخط الهمايوني فيما تتمنى هي من قلبها أن يظل هذا المرسوم على حاله لاتمسه السلطات المصرية بالتعديل أو التغيير أو بالإلغاء. شعرت أن صديقي على الطرف الآخر من الهاتف .. قد أصابته الدهشة و الصدمة في آن ، وقال : "كيف ؟!" قلت له ببساطة شديدة هل تتذكر واقعة الأب "دانيال البراموسي" الذي انشق عن الكنيسة المصرية ، ومعه عشرة آلاف قبطي تحولوا جميعا إلى الكاثوليكية ؟! قال : نعم .... قلت لازالت هذه الواقعة تقض مضاجع الكنيسة الارثوذكسية المصرية ، وتصاب بالهلع والرعب كلما تذكرت الواقعة ، ولا يهدئ من روعها حتى الآن إلا اطمئنانها لوجود المرسوم المعروف بالخط الهمايوني .. إذ لم يحميها من أية حادثة مشابهة إلا هذا الخط الذي يتهكم ويتندرعليه الجهلة في دكاكيين التمويل الأمريكي . سكت صديقي طويلا حتى ظننت أنه انصرف عني .. فسألته ألا زلت معي ؟! قال بلهفة : نعم نعم أكمل إني اسمعك . قلت : الخط الهمايوني .. أصدره السلطان العثماني لتنظيم بناء الكنائس والاديرة ويجعل قرار البناء والترميم لأصحاب الملل في معابدهم تخضع لقرار رأس الدولة .. ولقد صدر من قبيل الحماية والمجاملة للأقباط المصريين ، بعد أن استغاثت الكنيسة المصرية وكهنتها وعدد من وجهاء الاقباط في مصر بالباب العالي ، للتدخل لحمايتهم من التبشير والغزو الكنسي الكاثوليكي والبروستانتي الذي انتشر انتشارا مرعبا وواسع النطاق في مصر في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وعلى نحو باتت فيه الكنيسة الارثوذكسية المصرية مهددة بالانقراض وباتت فعلا قاب قوسين أو ادني من ان تصبح أثرا بعد عين ، بعد تحول اعداد غفيرة من اتباعها إلى الملتين الكاثوليكية والبروستانتية ، فستغاثت الكنيسة المصرية بالباب العالي وناشدته التدخل لوقف بناء مثل هذه الكنائس وحظر البناء أو الترميم إلا وفقا لشروط صارمة ومشددة ، فاستجاب الباب العالي لطلبهم وسن مرسوم الخط الهمايوني ... وما لايعرفه الجهلاء من متطرفي الاقباط وغلاة العلمانيين أن الكنيسة المصرية اعتبرت يوم صدور هذا المرسوم يوما تاريخيا وعيدا من اعيادها التليدة !. وفي تقديري وفي تقدير كثير من المنصفين أن الخط الهمايوني كان معلما من معالم فخر الدولة العثمانية .. فهو الذي حمى الكنيسة الأرثوذكسية من الانقراض والانتقال إلى متحف الآثار بميدان التحرير . ولازالت الكنيسة من تحت الطاولة تعمل على أن يظل على حاله ليحميها من البهدلة ، وفي الخفاء تحرك من تحركه للاساءة إليه ... في اطار سياسات الضغط والابتزاز التي تمارسه على الدولة ، وهي حقا سياسة ذكية أبقت على الخط الهمايوني لتحتمي به الكنيسة من التبشير الكاثوليكي والبروستانتي القوي والمرعب الذي يهدد مستقبل وجودها ، وفي ذات الوقت تساهلت الدولة مع اتباعها في بناء الكنائس بلا حدود بتراخيص أو بدون تراخيص خلسة وتحايلا واستقواء بالضغوط الدولية على النظام المصري ، ومن لم يصدق فليرجع إلى التقرير الاستراتيجي للأهرام لعام 1999 ليعرف حجم الكنائس التي بنيت في هذا العهد الميمون ... إذ سيصاب بالصدمة بالتأكيد وسيعلم من هم بالضبط "اللاعبون بالنار" . ما انتهيت من كلامي حتى سمعت صديقي القبطي على الطرف الاخر من التليفون وقد تغيرت لهجته وانفرجت اساريره قائلا : معذرة يا صديقي لقد ازعجتك وشكرا على التوضيح .... وتصبح على خير [email protected]