جمال سلطان أتحفنا الدكتور محمود حمدي زقزوق أول أمس بمؤتمر صحفي تقمص فيه دور المصلح الديني الذي يبحث عن أمراض الأمة لعلاجها رغم أن سياساته هي أحد مصادر مرض الأمة ، وأضاف لا فض فوه أنه يجب على الأمة أن تعترف بأمراضها حتى يمكن علاجها وحتى لا يستفحل المرض ، فالأمة متخلفة وينبغي أن تعترف بذلك ، وهذا الخطاب المتعالي هو استمرار لمسلسل الاستهانة بعقول الناس ، يخطئ وزير أوقاف الحزب الوطني إذا تصور أن الناس في مصر بهذا القدر من السذاجة ، بحيث لا يدركون من هم الفاسدون الذين أمرضوا بفسادهم الأمة ، ومن هم أسباب مرضها الحقيقي ، يخطئ زقزوق إذا تصور أن بعض العبارات الأنيقة التي كان يرددها في الصالونات والندوات المغلقة عن الحضارة والوعي الحضاري ، يمكن أن تصرف انتباه الناس عن كونه شريكا كاملا في صناعة أمراض مصر وأزمتها ، ربما تكون الناس محبطة أو مغلوبة على أمرها أو لا تملك وسائل آمنة وسلمية للتعبير عن وعيها الحقيقي ، ولكن الناس تعلم وتدرك بدون شك من هم الذين أمموا كل شيئ في البلاد لصالح إرادة الحاكم الفرد وأفكاره ، حتى دور العبادة ، الناس تعرف من سلم ضمير الناس الديني لأجهزة الأمن ، الناس تعرف من الذي فوض أجهزة الأمن في اختيار خطباء المساجد ومن يحدثون الناس في الدين ومن يصرح لهم بالظهور في الإعلام الحكومي ومن لا يصرح لهم ، الناس تعرف من الذي أصدر قرارات بعزل أئمة وخطباء ودعاة أفذاذ ليس لأنهم غير مؤهلين دينيا ، ولكن لأن الحاكم الفرد أو بعض أجهزته لا ترضى عنهم ورضاء الحاكم عنده كان أهم من دين الله ودين الناس ، فعزلهم لأنهم لا ينطقون بما يهوى أو يملى عليهم ، الناس تعرف من الذي عزل الأكفاء وأتى بشباب لا يحسنون حتى قراءة الفاتحة من أجل أن يحلوا محلهم ويفتون الناس في الحلال والحرام ، لست أظن أبدا أن رجلا في وعي وخبرة محمود حمدي زقزوق غير مدرك لأنه جزء من منظومة القمع والاستبداد التي أمرضت الأمة وورثتها الإحباط وتقطع الطريق على أي جهد لها من أجل الخروج من دائرة التخلف ، لا أعتقد أنه غير مدرك لأنه أحد أجنحة تلك السياسات الاستبدادية والقمعية كلها ، فعندما يأتي لكي يعطي الأمة دروسا في الاعتراف بأمراضها حتى يمكن علاجها ، يكون من حق الأمة أن تجيبه بالقصيدة الشهيرة التي كانوا يعلمونها لنا ونحن صغار : يا أيها الرجل المعلم غيره .. هلا لنفسك كان ذا التعليم .. تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى .. كيما يطب به وأنت سقيم .. ابدأ بنفسك فانهها عن غيها .. فإذا انتهت عنه فأنت حكيم ، إلى آخر الأبيات الجميلة والصادقة ، لم أكن لأعقب على تلك التصريحات من وزير أوقاف الحزب الوطني ، لولا أنها تكررت ، وبصورة فيها من التعالي والعجرفة على الأمة درجة لا تطاق ، ولا يليق بنا أبدا أن نسمح لجلادي الوطن أن يعطوه المواعظ ، مهما حملوا من ألقاب أو وضعوا على رؤوسهم من عمائم ، والاستبداد كله شر وكله طغيان وكله مرض وكله خروج على شرع الله وشرع الحضارة أيضا ، والقمع كله سواء ، القمع الأمني ، والقمع الفكري ، والقمع الإعلامي ، والقمع الديني كذلك . [email protected]