من المعلوم في كل بلاد الدنيا أن الأزهر هو المرجعية العلمية والسنية الكبرى في العالم ، وأن العالم الإسلامي يقدره ويعرف مكانته ، وترسل إليه الأسئلة والاستفسارات من كل أنحاء االدنيا من طنجة إلى جاكرتا ومن غانا إلى طراغانا فيجيب علماؤه بما رزقهم الله من علوم مفيدة ، وتنير إجاباتهم فلوب الحائرين، كل ذلك إرضاء لله رب العالمين ، فالأزهر هو كعبة العلم ، وهو الحارس الأمين لرسالة سيد المرسلين – عليه الصلاة وأتم التسليم ، وتلك رسالته التي نص عليها الدستور والقانون ،وبها يفخر كل مصري، وكل مسلم في العالم ... غير أن أصحاب مدرسة الحداثة المعاصرة يرون غير ذلك! ، ومنهم الروائي والشاعر الأستاذ الفاضل أحمد عبد المعطي حجازي والذي جرح مشاعر أبناء الأمة عامة والأزهر خاصة بمقال نشر في جريدة الأهرام الغراء ( الأربعاء 19- 3-2014م ) بعنوان: " الأزهر وفقه المراجعات" والمقال بالرغم من أنه أشبه بالأحاجي ، ويصعب على القارئ أن يتذوقه إلا أننا اضطررنا لقراءته اضطرارا .. وفيه الكانب يهاجم الأزهر الشريف بدون وجه حق ، ويفتح النار على هيئة كبار علمائه الأجلاء بلا استثناء، ويكتب ضدهم هذا المقال الثائر الذي أول ما يلفت النظر فيه كمية التناقضات التي يقع فيها كاتبنا المفضل، ففي الوقت الذي يصف في بداية المقال علماء الأزهر بأنهم (أصحاب الفضيلة ) يقوم بعد ذلك بمهاجمة أصحاب الفضيلة هؤلاء ويصفهم:( بالطغيان والجمود الفكري وأنهم ضد الدولة المدنية وضد الحرية الفكرية والفنية والإبداع المعاصر )) - ثم يدعي أن لهم مواقف ضد الوطن ويحاول أن يخلع عنهم ثوب الوطنية فيسرد حكاية - يدعي فيها انحيازهؤلاء الفضلاء االكرام في القرن الماضي للملك فؤاد ضد الشعب المصري قائلا : ( الشعب كان يدافع عن الديمقراطية والوطنية الوليدة … والأزهر كان يدافع عن الخلافة ويصدر بيانا يهدم فيه كل الأسس التي تقوم عليها الديمقراطية ) . ثم يتناقض مع نفسه أيضا ويقول: ( ونحن نعلم أن الأزهر لم يخترع نظام الخلافة ) ثم يزعم ( أنه لا يعارض رسالة الأزهر ) - وهي القائمة على حراسة الدين وثوابته العقدية والشرعية ، ثم يستخف بموقف الأزهر من هذه الثوابت ومنها موقفه الواضح مؤحرا عن فيلم نوح عليه السلام - وتجسد الأنبياء بوحه عام في الأفلام والمسلسلات الفنية ، وهو بيت القصيد من المقال كله لدى الكاتب - ،لذلك هاجم علماء الأزهر بشراسة في هذه النقطة بالذات قائلا ما نصه : ( إن الأزهر بعد الثوارات المعاصرة والتي رفعت شعار الحريات الفكرية لم يراجع موقفه من حرية التفكير والتعبير و ما قاله عن الفيلم تخلف وجمود فكري )،، ثم بتبرع بإطلاق فتوى من سيادته في نهاية المقال يدعي فيها: (أنه لا يوجد مايبرر لعلماء الأزهر منع الفيلم وعرضه لا يخالف الدين - ) ويختم بقوله: ( و رأي الأزهر هو رأي من الآراء وليس له أن يطالب بمنع عرضه ) !!!! . تلك هي قذائف الأستاذ تجاه الأزهر ورجاله وتجاه نبيه الله نوح ، وفيلمه المستورد لشبابنا من أقاصي الدنيا ليحل لنا مشاكلنا التي نعاني منها ، وكما رأينا أن الكاتب الكبير يتناقض مع نفسه في المواقف : ففي الوقت الذي يدعي فيه نصرته للدولة المدنية والديمقراطية التي تقول بحرية الآراء يجعل من نفسه: وصيا على الأزهر الشريف ، وما يجب أن يقوله ويصدره ، ويراجعه !! كما ينكر عليه في ذات الوقت فتوى رجاله في فيلم نوح - عليه السلام - وهم أدرى بنوح وحياته ورسالته وبكل الأنبياء وما يجب وما يجوز وما يستحيل في حقهم وما يقوله الشرع في ذلك من حلال أو حرام، ويقدمون علومهم في هذا إلى الدنيا كلها بدون غموض أو تعقيد... تلك هي رسالتهم التي زعم الكاتب الفاضل "أنه ليس ضدها" ، ثم يسترق تخصصهم ويفتي من تلقاء نفسه بدون سند شرعي بأنه لا دليل على فتوى المنع وأنه يستبط من كلام الأستاذ الإمام محمد عبده أكثر مما يستنبطه علماء الأزهر ، ويطالب بأدلة المنع لهذا الفيلم الذي سيحل مشاكل الأمة لدى مفكرنا الكبير !، وتلك من عجائب الكاتب !! فالطبيب إذا كتب روشتة لمريض لا يصح للمريض أن يسأله عن علمه وشهاداته حتى يصدقه، فلقد وثق فيه وسلم له نفسه ليحدد الداء ويكتب الدواء. .وعلماء الأزهر وثقت فيهم الدولة، وكل أبناء الأمة وقد حددوا الداء وقالوا بالدواء في هذه القضية المتعلقة بنبي كريم من أولى العزم من الرسل لأن هذا تخصصهم، فمن يعارض أهل التخصص في ذلك فليدلنا على من هو أعلم منهم حتى نذهب إليه ؟ فهل نذهب إلى الفاتيكان مثلا لكي يبدي رجاله للمسلمين رؤيتهم في أنبياء الله وتجسدهم في الأفلام ؟ أم إلى حاخامات اليهود أم ماذا ؟ ثم هل من العدل والإنصاف إذا سئل الأزهر في مسالة عقدية أو فقهية يتناولها الفن، أو غيره وأبدى رجاله رأيهم الشرعي فيها يقوم المخالف الذي لا يعجبه هذا الرأي فيسب ويصف علماء أجلاء بالرجعية والتخلف والجمود والظلامية وأنهم ضد الحرية والديمقراطية كما فعل الكاتب الفاضل ؟! وهل من اللائق أن يستخف الكاتب كما رأينا في نهاية المقال برأي أكابر العلماء الذي نشرته الصحف في فيلم نوح : ويقول ، " إن رأي الأزهر في هذا الشأن إن هو إلا رأي من الآراء "" ونقول طالما الأمر كذلك فلما الصراخ والعويل ولطم الخدود وشق الجيون والاتهامات المرسلة الباطلة من سبادته تجاه علماء أفاضل ومؤسسة شرعية لها وقعها في قلوب أبناء الوطن والأمة جمبعا ؟ ! ، إن كانبنا الهمام يغالط نفسه نماما، ويعلم حقا : أن هؤلاء الأفاضل لهم مكانتهم ووزنهم وأن أقوالهم في الحق تهز الأرض هزا تحت أقدام المبطلين ، والمبتدعين وأن رؤيتهم الشرعية في هذا الأمر هي الحق والصواب : فنوح - عليه السلام - نبي كريم مصطفى من من أولى العزم ا قال فيه سبحانه: ( إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ) وقال في موضع آخر : ( وكلا فضلنا على العالمين ) فهل يليق بمن فضلوا على العالمين أن تخضع قصصهم ورسالاتهم لأهواء المخرجين والفنانين ؟ وأن يأتي فنان ما. قد يكون سكيرا و له مشاهد غير أخلاقية فيمثل ويجسد شخصية النبي المعصوم ، ويقدمها للناس حسب رؤية المخرج الفنية وأهوائه ،ولا يستطيع أحد أن يخالفه . بحجة ( أن المخرج عاوز كده ، وإن الحبكة الفنية لابد أن تكون كده ) وإذا نجح المخرج والفنان وابدع في الإتقان: يحكم الناس- وقتها أن هذه الشخصية كانت رائعة، وإذا ضعف المستوى الفنى والأداء الدرامي ينقلب الأمر على الشخصية المتناولة ويبدأ الناس في الخلاف والاختلاف. فهل يقبل أحد من المسلمين أن تسرد قصص المعصومين تحت هذا الضغط الفني ؟ وهل أنبياء الله تعالى يجب أن نتعرف عليهم في دور السينما المظلمة والمسارح ، أم في المساجد والجامعات و الأكاديمات العلمية التي تقص الحقاق، ؟ وهذا ما يؤكد عليه الأزهر توقيرا لهؤلاء الصفوة من رسل الله .... بل المنبع والمصدر الذي سيستمد الفيلم منه حياة نوح وقصته باعتراف مخرجه هو: كتاب التوراة المحرفة أو ما يطلق عليه : العهد القديم عند اليهود ، وليس الإسلام.. والعلماء يعلمون أن الأنبياء لا عصمة لهم في العهد القديم وهم على الضد مما يذكر عندنا في القرآن العظيم "" فنوح في العهد القديم نبي مخمور يقع على الأرض من شدة السكر وتكشف سؤاته ويحاول أحد أبنائه أن يستره فيسبه ويدعو عليه ! ، وسيدنا ابراهيم عليه السلام يوصف بالديائة وعدم الغيرة على أهله ويسلم زوجته لفرعون مصر مقابل أن يعطيه حميرا وأغناما وجمالا الخ، وسيدنا لوط يشرب الخمر ويزني بابتيه ! وكذا داود وسليمان - عليهما السلام - نسب لهما من المخالفات الكثير ،، "" هذه اللقطات مسجلة عن أنبياء الله الكرام عند اليهودي في العهد القديم، . وعلماء الأزهر هم أهل التخصص في هذا الفن وبعرفون المواضع وأرقام الصفحات ، ويقفون حراسا للعقيدة من هذه الخرافات فلما الاعتراض عليهم ومحاولات أدعياء الحرية والدولة المدنية تكميم أفواههم إذا نبهو على ذلك ؟! بقي أن ننصح في النهاية ونقول : إن الأزهر صرح شامخ سيصدع بالحق في كل مجال ، ولا يمكن أن يهزجدرانه مقال أو يسقط هيبة علمائه في قلوب الناس فنان ، ومن يرى غير ذلك فهو واهم من غير شك ... زعم الفرزدق أن سيقتل مرغما ### أبشر بطول سلامة يا مرغم . ..وندعو في التهاية الكاتب الفاضل كما ندعا الأزهر بمراجعة مواقفه تجاه الحرية الفكرية ندعوه أيضا بل وننصحه أن يراجع أشعاره وقصائدة وأفكاره التي اتحف الشباب بها طوال حياته ولنا فيها زؤى و مقالات ومع ذلك ما طلبنا بكسر قلمه ولا الحجر على فكره ولا نريد أن نستدعي شيئا منها الآن حتى لا نفتح جروحا ونكشف قروحا يعلم بها الكاتب تمام العلم ، وسنظل نحرص على دعوته بالتفكر فيها والمراجعة فبل أن يأتي يوم لابيع فيه ولا خلال .. ونذكر الجميع أننا في الأزهر : لسنا من أنصار سياسة الكبت وتكميم الأفواه وكسر الأقلام والتسرع بمصادرة الفن والكتب والآراء المنحرفة في الدين ،ورسالتنا إظهار الحق و تبيانه والتفريق بين الإبداع والابتداع في أمور تخص الثوابت الدينية وإن كره الكارهون ، و ووسيلتنا في ذلك كله استعمال الحكمة والموعظة الحسنة وأن نجادل المخالفين بالتي هي أحسن ، وأن نقرع المبطلين بالحق الذي يدمغ باطلهم: (ليهلك من هلك عن بينة و يحيا من حيّي عن بينة ) ومن يصر على نشر غير الحق عن هذا الدين ليهز الأمن الفكري والإجتماعي ويجرح مشاعر أبناء هذا البلد الأمين الذي استوصى به إمام المرسلين بعثنا عليه جنودا من حجج الحق نتعقب بها فلول باطله ( فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة ) والله غالب على أمره
* أستاذ العقيدة والفلسفة ووكيل كلية البنات جامعة الأزهر .