رابط الاستعلام عن ترتيب المتقدمين في قائمة الانتظار لمسابقة معلم مساعد رياضيات    الخطوات والشروط، كل ما تريد معرفته عن التحويل بين المعاهد الأزهرية (صور)    «القومي للمرأة» يهنئ آمنة الطرابلسي لفوزها بمنصب نائب رئيس الاتحاد الإفريقي للإسكواش    موعد المولد النبوى الشريف 2025 والإجازات الرسمية المتبقية .. تعرف عليه    تصدير 200 ألف طن خضر وفواكه خلال أسبوع    ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة بمستهل تعاملات الأسبوع    ارتفاع جديد في عدد قتلي جنود الاحتلال بالحادث الأمني في خان يونس    مهاجم برينتفورد يتمرد على ناديه من أجل نيوم السعودي    إصابة 10 أشخاص في حادثي تصادم وانقلاب بطريقي أسوان والفيوم الصحراويين    حودة بندق يتخطى 10 مليون مشاهدة ب"الجي بتاعي"    45 عامًا على رحيل دنجوان السينما.. رشدي أباظة فقد العالمية بسبب الغرور و«الأقوياء» نهاية مشواره الفني    إقبال جماهيري على فعاليات الأسبوع الأول من مهرجان "ليالينا في العلمين" بمدينة العلمين الجديدة    مستشفى جامعة القناة ينجح في إجراء جراحة لاستئصال جزء من القصبة الهوائية وإعادة توصيلها    الأمن يكشف غموض خطف طفل من القاهرة وظهوره فى الصعيد    جامعة القاهرة تنظم أول حفل تخرج من نوعه لخريجي برامج الدمج وذوي الهمم بكلية التجارة    السيسي يتابع الموقف التنفيذي للمشروعات الصناعية وتوفير المواد الخام اللازمة للعملية الصناعية    أسعار زيت الطعام بسوق اليوم الواحد بالجمالية.. التفاصيل    حالة الطقس في الكويت اليوم الأحد.. حرارة شديدة ورطوبة نسبية    وزيرة التخطيط ونظيرتها بجنوب أفريقيا تؤكدان أهمية التوسع بمشروعات البنية التحتية بالقارة السمراء    استرداد 105 أفدنة أملاك دولة غير مستوفية لضوابط التقنين بمدينة الطود    محافظ أسوان يكلف معاونه ومسئولي الوحدات المحلية بمتابعة تجهيز 190 لجنة انتخابية    "أونروا": لدينا 6 آلاف شاحنة مساعدات جاهزة لدخول قطاع غزة    إطلاق حملة توعوية من المركز القومي للبحوث للتعريف بالأمراض الوراثية    وزير التعليم يعتمد جدول امتحانات الثانوية العامة "الدور الثانى 2025" .. اعرف مواعيد الاختبارات    «خلافات بين عائلتين».. تأجيل محاكمة متهم بقتل جاره في مغاغة بالمنيا    حسن شحاتة أسطورة حية صنعت المستحيل ضد الأهلى والزمالك    البقاء أم الرحيل.. شوبير يكشف مطالب عبد المجيد من أجل الإستمرار مع الزمالك    في اجتماع اليوم .. وزيرة التنمية المحلية تتسلم مهام وزارة البيئة من الدكتورة ياسمين فؤاد    موعد حفل تامر عاشور في العلمين الجديدة و أسعار التذاكر    ضمن فعاليات " المهرجان الصيفي" لدار الأوبرا .. أحمد جمال ونسمة عبد العزيز غدا في حفل بإستاد الاسكندرية    المكتب الإعلامي الحكومي بغزة: القطاع يحتاج إلى 600 شاحنة إغاثية يوميا    طلاب «المنح الدولية» مهددون بالطرد    وزارة الصحة توجة نصائح هامة للمواطنين بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة    ضبط 118709 مخالفات مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    اليوم.. قرعة الدوري «الاستثنائي» بمشاركة 21 فريقا بنظام المجموعتين    جواو فيليكس يقترب من الانتقال إلى النصر السعودي    سويلم: إزالة 87 ألف تعد على النيل منذ 2015 ومواصلة مكافحة ورد النيل    عامل وراء حرق مطعم يعمل به لإخفاء جريمة سرقة    ريم أحمد: شخصية «هدى» ما زالت تلاحقني.. وصورة الطفلة تعطل انطلاقتي الفنية| خاص    موسيقى وألعاب نارية في تقديم دي بول    3 أوجه تشابه بين صفقتي بوبيندزا وأوكو مع الزمالك    حزب بريطاني يهدد بفرض إجراء تصويت في البرلمان من أجل الاعتراف بدولة فلسطين    زكى القاضى: مصر تقوم بدور غير تقليدى لدعم غزة وتتصدى لمحاولات التهجير والتشويش    إصابة 6 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص بالطريق الأوسطى    "الصحة": حملة 100 يوم صحة قدّمت 15.6 مليون خدمة طبية مجانية خلال 11 يوما    «الإفتاء» توضح الدعاء الذي يُقال عند الحر الشديد    قبل بدء الهدنة.. 11 شهيدًا وعشرات الجرحى في قصف إسرائيلي على قطاع غزة    إيتمار بن غفير: لم تتم دعوتي للنقاش بشأن إدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة    إصابة 11 شخصا في حادثة طعن بولاية ميشيجان الأمريكية    بدعم من شيطان العرب .."حميدتي" يشكل حكومة موازية ومجلسا رئاسيا غربي السودان    «غير اسمه بسبب الاحتراف».. هاني حتحوت يكشف تفاصيل مثيرة بشأن نجم الزمالك    الثالث علمي بالثانوية الأزهرية: نجحت بدعوات أمي.. وطاعة الله سر التفوق    «الحشيش مش حرام؟».. دار الإفتاء تكشف تضليل المروجين!    ما حكم شراء السيارة بالتقسيط عن طريق البنك؟    بعد فتوى الحشيش.. سعاد صالح: أتعرض لحرب قذرة.. والشجرة المثمرة تُقذف بالحجارة    سعيد شيمي يكشف أسرار صداقته مع محمد خان: "التفاهم بينا كان في منتهى السهولة    خالد الجندي: من يُحلل الحشيش فقد غاب عنه الرشد العقلي والمخ الصحيح    الأمم المتحدة: العام الماضي وفاة 39 ألف طفل في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشاه ليبيه
نشر في المصريون يوم 08 - 04 - 2011

تدّلت البيوت على الأرض. راح الثائر الليبي، المسّلح ببندقية كبيرة، يُغنيّ. كان يقف في موقع قتالي مُتقدّم، على احدى الجبهات حيث الصحراء شاسعة شاسعة. كان يُغني، يُطلق بعض العيارات النارية نحو السماء، ويبتسم. بين الحين والآخر كنّا نسمع دوّي انفجارات في البعيد، ونرى على الشاشة دخاناً كثيفاً. أصوات الإنفجارات تكسر بعض الشيء السكون السائد. في الصحراء المترامية الفسيحة، رمل، ولا أقّل صوت. طلقة بين آن وآخر كانت تؤنسنا قليلاً، في بيوتنا، على أرائكنا أمام التلفزيون.
وقف الشاب المسّلح خلف ساتر رملي فأمسى الخطر خافتاً. مع ذلك من الممكن أن يكون الموت رابضاً خلف ساتر رملي. إحتوى الرمل كل شيء. سيارة مسرعة بدت فارغة حتى من سائقها، لكننا سمعنا أنيناً. رفع الثائر الشاب ياقة معطفه، شدّت أصابعه ياقة المعطف التي لم تُغط الأذنين. مرّ الأنين مع مرور السيارة وبقيت الكاميرا مُسمّرة على الدخان الذي خلّفته الدواليب. انتفضت مستدركة، وأدارت عدستها الى أقصى الأمام تلاحق السيارة تنهب كثباناً لا تنتهي.
في الصورة لجهة اليمين، رجال يتصايحون بنبرات سعيدة. القناة التلفزيونية تعود الى
'البروموشن' الخاص بالحدث: 'مطالبة ربي يصبّرهم وينسّيهم'. أئنّ أنا نفسي. ثم الى أزقّة تعّج بالقتلى والدم يطّن طنيناً عظيماً في أذنيّ. الثائر المسّلح يتلقى ثانية الكاميرا، كوردة.
نسمعهُ مُعاوداً الغناء من حيث كان انتهى. قلت لعله يُغنّي بصوت عال لكي لايسمع الخوف، لكي لايسمع الأنين الذي يمّر مع مرور سيارات المسعفين.
رمل كثير كثير، يدخل فمي ويُفسد عشائي. أحياناً يميل جسد الثائرالمسّلح من ثقل شريط الرصاص الذي يُزنّر رقبته، فيهبط يستريح على دكة رملية عالية بعض الشيء. عين الكاميرا على ثائر آخر يحفر حفرة في الأرض، مُتسعة وتكاد تكون مريحة كالقبر. كل حفرة محتملة لموت أحد ما. القذافي في استعادة، يقول انه إبن البادية، ونرى جيوشه تقتل ناس البادية. يقتل القذافي عائلات بأكملها ليس بينه وبينها أدنى معرفة. لم يفعلوا له أيّ شيء، وهو يطلق عليهم القذائف والصواريخ والرصاص، ولكي يستطيع قتل أكبر عدد منهم، لا يكفّ عن إطلاق صواريخه ومدافعه ليلاً نهاراً مستخدماً جيوشه ومرتزقته.
الكاميرا الآن في مصراتة كما يقول مراسل القناة، في أحد أزقة مصراتة. جسد مُمدّد على الأرض من دون حراك ويسيل الدم من أذنه وفمه. كان له أنف يستطيع شمّ العطر. كانت له عينان تسعهما رؤية مصراتة أو زهرة. كان له فم يأكل الخبز ويستطيع النطق باسم ليبيا. هو الآن ميت ولا يستطيع شمّ العطر ولا رؤية مصراتة ولا النطق ب: ليبيا.
الى الأبد. كثيرة هي الأجساد المرميّة في الأزقة، لو وُضعت فوق بعضها لكوّنت جبلاً ضخماً. جيوش ومرتزقة القذافي يقتلون ناساً مسالمين تماماً، ناساً لا يعرفونهم ولم يفعلوا لهم شيئاً على الإطلاق. يطلقون عليهم النار بضراوة. حسناً، لقد اخترع إنسان ما السلاح من أجل القتل، لذلك يستخدمه البعض، يحملونه ويصوّبونه على الناس العُزّل فيردونهم.
أربعة شباب من خشب وجوع وتراب. من رمل وحنين الى الحرية، أردتهم القنابل وظهّرت الكاميرا جثثهم الخشبية ووجوههم الضائعة، حادة الزوايا في حضرة الموت.
أحد الوجوه كان وحده فاغرالفم كما لو انفجر عاوياً. أفواه بابتسامات رمادية وأفواه ليست إلا هتافات حرية وحسب. الصمت والموت الضاري يجول مع الكاميرا في مصراتة. فوق البيوت يزأر الحديد. رجلٌ مُسّن يحفر بعصاه الرمل مهداً لطفل. في كل مشهد ترى مهداً. وجوه أيبستها الشمس وأجساد شابة يقصفها القذافي قصفاً كما تقصف غصن شجرة.
جسد مُمدّد على محفة ترفعها أكفّ شباب غاضب. كانت للميت أصابع طويلة نحيلة تتدلى خارج المحفة. في عين الكاميرا برز رأسه مصبوغا بالدم، تتأرجح كالبندول يميناً وشمالأً، بفعل هرولة المشيعين.
صبية يتحلقون في إحدى 'الزنقات' حفاة الأقدام، يحدّقون في عين الكاميرا بعيون وسّعها الخوف. بعيون وسعّها الجوع، صبية كقطع دمى. صبية كما لو نبتوا وحدهم في الصحراء. صبية من دون أمهاتهم، ما من إمرأة في زنقة لعينة تلحظها الكاميرا، أو تصطادها أعيننا في خفية عنها.
القناة تعود الى عرض مقاطع من خطب القذافي، وهذه واحدة من أكثرها جنوناً، من كبريات خطبه، وتجري الآن. خطبة عالمية! يلقيها، في حين أن أحدا من شعبه لم يكن يستمع إليه، نصفهم يقاتله والنصف الآخر ينتظر أن يقاتله. ثمة أيضاً من يستغرق في النوم أثناء عرض مثل هذه الخطب المخدّرة.
عندما عادت الكاميرا الى الإستديو، كان رهط المتحاورين، المتحلقين حول طاولة مستديرة، قد باشر بدوره خطبه العالمية، كما لو غياب الصورة عن ليبيا يُغيّب موتها أيضاً. نهضت الى سريري وقد أطفأت اخيراً جهاز التلفزيون. الجهاز لا تعنيه أيّ من هذه الثورات في شيء. يستجيب لك تماماً حين تطفئه.
عنايه جابر
القدس العربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.