ظهور محمد دحلان عبر فضائية مصرية مهاجماً أبو مازن وفتح يحمل دلالات كثيرة ، وأتى المبرر المصرى ومطالبة الفلسطينيين بتفهم حالة الحريات الاعلامية فى مصر متهافتاً ، حيث لا يخفى دور الاعلام الفاعل فى التحولات والأحداث السياسية الكبيرة طوال الفترة الماضية . الأمريكان والاسرائيليون وصلوا الى قناعة بالبحث عن بديل أبو مازن الذى لم يعد شريكاً للسلام – كما جاء على لسان موشيه يعلون وزير الدفاع الاسرائيلى ، وقد قويت هذا القناعة منذ حصول فلسطين على المقعد الأممى كدولة مراقب بالأممالمتحدة . فى التاسع من نوفمبر 2012م أصبحت فلسطين الدولة 194 كمراقب فى المنظمة الدولية ، وكان انتصاراً سياسياً بالفعل ، وهو يعنى الكثير للقضية ، ومن الممكن البناء عليه اذا تم استثماره جيداً من مختلف التيارات والفصائل الفلسطينية . بهذا الانجاز لم تعد الأراضى المحتلة مجرد أراض متنازع عليها بل أصبحت حقاً فلسطينياً ، ولم تعد هناك أرض محتلة ، بل وطن محتل ودولة معترف بها أممياً تحت الاحتلال ؛ بمعنى أن فلسطين لم تعد وحدها فى مواجهة الاحتلال والاستيطان والانتهاكات ، وبات التصدى لذلك كله مسئولية العالم كله ، وأصبح من الصعب استضعاف الفلسطينين والرهان على امكانية عزل وحصار سلطتهم ، بعد أن صارت دولتهم عضواً فى معظم المنظمات الدولية الفرعية . اسرائيل تحاول منع الفلسطينيين من احراز انتصارات سياسية جديدة بناءاً على ما تحقق وابقاء هذا الانجاز الأولى محاصراً فى اطاره الضيق دون استكمال من خلال نضال فلسطينى مشترك . اسرائيل تسعى لايجاد قيادة فلسطينية جديدة أبعد ما تكون عن التوافق مع حماس ، ولديها استعداد لتقديم تنازلات وغير متيمة بما تم انجازه أممياً . مع القناعة الراسخة لدى الجميع بأن استكمال النجاح الفلسطينى فى المسار المترتب على نجاح خطوة الأممالمتحدة قبل عامين يتطلب توحيد قيادة الشعب الفلسطينى . الانتصار الأممى المحدود دعم موقف أبو مازن وأعطاه بعض الثقة ، وربما شجعه على السعى للمصالحة مع حماس ، وقد يشجع حماس على السعى المشترك لتفكيك التناقضات الداخلية وانهاء الانقسام والسعى للمصالحة بقواعد مختلفة ، وهذا ما تسعى اسرائيل لضربه وافشاله بتصدير وجوه لديها القدرة والامكانيات على افشال هذا التوجه . محمد دحلان شخصية مثيرة للجدل يمتلك ثروات طائلة وعلاقات وطيدة مع الأمريكان والاسرائيليين وقد فرضته الادارة الأمريكية على أبو مازن كقائد لجهاز الأمن الوطنى رغم صغر سنه فى ذلك الوقت ، ولديه علاقات مع دول وشخصيات اقليمية نافذة مثل ضاحى خلفان ونجيب ساويرس وغيرهما ، فضلاً عن علاقاته القوية فى الداخل الفلسطينى فى غزة والضفة والمخيمات . ويسعى منذ فترة طويلة لتأسيس مراكز نفوذ له اقليمياًَ ودولياً وبين الفلسطينيين ، وهذا ما أثار أبو مازن شخصياً وأقلقه ودفعه غير مرة لاتخاذ اجراءات حياله وحيال مساعديه ومؤيديه . يساعد سيناريو " دحلان كبديل " الفتور العربى تجاه السلطة وأبو مازن خاصة من السعودية والامارات ، كذلك التحولات والتغيرات الكبيرة داخل مصر والتى تستدعى الميل نحو اجراءات وتحالفات أكثر شدة وتطرفاً فى مواجهة حماس والاخوان . تبدو الدول العربية على اسستعداد لقبول بقيادة فلسطينية أكثر مرونة – حتى أكثر من أبو مازن – لتقديم تنازلات أكثر حتى لو تعلق الأمر بالاعتراف بيهودية اسرائيل لامتصاص تداعيات التحالف الغربى الايرانى والتقليل من خطر استهداف الداخل العربى بالفوضى والقلاقل والاضطرابات . أتى أبو مازن بدعم مصرى وخليجى وقد تركوا ياسر عرفات لمصيره ، وهو ما يحظى به دحلان اليوم من حفاوة عربية غير مسبوقة ، ولا يمكن تفسير احتضان وائل الابراشى ودريم له خارج سياق استراتيجية عامة فى ملف بهذه الحساسية . الرئيس الأمريكى الأسبق بيل كلينتون سبق وأخبر دحلان أنه يرى فيه الزعيم القادم . وها هى أمريكا ترمى بورقة محمد دحلان فى طريق عباس ، مثلما كان عباس نفسه ورقة فى وجه أبو عمار ، وما يأبى محمود عباس التنازل عنه سيتنازل عنه بديله ، كما تنازل أبو مازن عما رفض أبو عمار التنازل عنه . ما حدث مع عرفات باستخدام أبو مازن سيتكرر قريباً مع أبو مازن باستخدام دحلان ، والواقع العربى وسباق التنازلات بين العرب وايران فى ملف المقاومة سيدعم دحلان كبديل .
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.