كشفت مصادر سياسية مطلعة أن النظام يهدف من وراء اللقاءات التي تعقدها القيادة السياسية مع ممثلي الهيئة البرلمانية للحزب الوطني في عدد من محافظات الجمهورية إلى إعادة تسويق نفسه شعبيا بعد أن حذرت تقارير سياسية من خطورة حالة الاحتقان السياسي والاقتصادي الذي يعاني منه المواطنون على الاستقرار في البلاد. ولفتت المصادر إلى أن القيادة السياسية سعت من خلال هذه اللقاءات مع أعضاء مجلس الشعب إلى خلق حالة من الولاء الحقيقي القائم على لغة المصالح مع النواب الجدد وترميم الشروخ التي تحكم العلاقة بين الحزب الحاكم ونوابه الجدد الذين خاض أغلبهم الانتخابات كمستقلين عن الحزب ، والتمرد الذي ظهرت بوادره داخل البرلمان في توجيه نواب بالحزب انتقادات حادة لحكومة نظيف ، خصوصا بعد أن فقد الحزب الحاكم في الفترة الأخيرة سياسة العصا التي كان يجيد استخدامها كمال الشاذلي وتراجع فكرة تزوير الانتخابات التي أجادها الحزب لعقود طويلة وجعلت النواب لا يستطيعون الخروج عن الخط الأحمر . ولم تستبعد المصادر أن تكون رغبة القيادة السياسية في تهيئة الساحة لخيار توريث السلطة ولجم واحتواء أي معارضة أو تمرد داخل الحزب الحاكم منعا لحدوث أي مفاجآت مدللة على ذلك بإجبار القيادة السياسية لحكومة نظيف على الالتزام بتوفير خمس فرص عمل لكل عضو من أعضاء مجلس الشعب في الهيئات والمؤسسات الحكومية و 30 فرصة في القطاع الخاص كل عام وذلك بعد تنامي المعارضة داخل أعضاء مجلس الشعب ضد حكومة الحزب الحاكم. ونبهت المصادر إلى تنامي الخوف داخل المؤسسة الحاكمة مما أسمته ب "أنفلونزا الاستقالات " داخل الهيئة البرلمانية للحزب الحاكم في هذا التوقيت الحساس الذي يستعد فيه النظام لتمرير التوريث كان الدافع الرئيسي من تودد النظام لأعضاء مجلس الشعب في الأسابيع الماضية . من جهة أخرى ، أكدت المصادر أن المؤسسة الحاكمة ستنظم في المرحلة القادمة حملة علاقات عامة لتحسين صورتها أمام الشعب وهو ما يمكن أن يعطي دفعة لتمرير خيار التوريث، مشيرة إلى قيام مبارك الابن بتوزيع شقق مجانية على فقراء ضاحية العجوزة ، وهو ما فسرته المصادر برغبته في إعطاء بعد شعبي لنجل الرئيس بعد أن اتهمه الكثيرون باستغلال مؤسسات الدولة لدعم مصالح رجال الأعمال والنخبة الاقتصادية بدون أي اهتمام بمصالح الأغلبية الكادحة من الشعب . وشددت المصادر على أن الدولة كرست جميع مؤسساتها السياسية والبرلمانية والاقتصادية والإعلامية للوقوف صفا واحدا خلف خيار التوريث. من جانبه ، اعتبر الدكتور يحيى القزاز أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان أن مؤسسات الدولة قد استنفرت جميعا لتمرير خيار التوريث ، فلم يعرف عن القيادة السياسية المصرية حرصها أبدا على استرضاء أعضاء مجلس الشعب إلا إذ كانت تريد تمرير قضية حيوية ومصيرية للنظام واعتقد ، والكلام مازال للقزاز ، أن صانع القرار الرسمي يسعى الآن لكبح جماح أي تمرد داخل الحزب الحاكم باستخدام سيف المعز وذهبه لإقناع النواب بالقبول بهذا الخيار والدفاع عنه أمام القواعد الشعبية. ونبه القزاز إلى خوف القيادة السياسية من تزايد في الفترة الأخيرة من حالة أنفلونزا استقالات بعد تصاعد غضب نواب الوطني على تعالي الوزراء عليهم وفشل الحكومات في حل مشاكل دوائرهم مما أوقعهم في مأزق أمام ناخبيهم ، وهو ما أجبرها على الاجتماع بهم ، حرصا منها على استرضائهم والحصول على دعمهم لخيار التوريث. من جهته ، أكد الدكتور عبد الحليم قنديل رئيس تحرير جريدة الكرامة أن ظهور جمال مبارك على شاشة التليفزيون يشكل تاريخا فارقا في تمرير قضية التوريث ، فالنظام لم يعد يخفي نيته للتوريث وأن الخيار الوحيد أمامه هو خلافة نجله للسلطة بأي ثمن ضاربا بعرض الحائط المعارضة الشعبية والنخبوية لهذا الأمر. وأضاف قنديل أن النظام سيلجأ في المرحلة القادمة إلى تحسين صورته أمام الشعب للإيحاء له بأن التوريث هو الخيار الوحيد لضمان الاستقرار في البلاد وأن وجود فراغ في السلطة سيخلق حالة من الفوضى لا تحتملها مصر في ظل التحديات الدولية والإقليمية التي يواجهها.