في معرض حديثه أمس عن مبررات غيابه عن القمة العربية الأخيرة التي عقدت في العاصمة السودانية الخرطوم ، قال الرئيس مبارك أنه كان مشغولا بقضايا داخلية ، وأعباء تستغرق وقته داخل الوطن ، والحقيقة أن هذا الكلام يزيد من مساحة الغموض حول الأسباب الحقيقية لغياب الرئيس مبارك عن القمة ، لأن هذا الكلام لا يقنع المتابع للشأن المصري طوال هذا الأسبوع ، فتحركات وجهود الرئيس مبارك خلال الأيام التي شهدت القمة ، وهي التحركات التي تابعها الإعلام الرسمي بكل دقة وتكلف ، كانت تنحصر في افتتاح عنبر في أحد مصانع سكر البنجر في إحدى مدن الدلتا ، وهو أمر غريب أن ينشغل الرئيس بافتتاح فرع أو عنبر أو ماكينة في أحد المصانع ، حيث جرى العرف على أن الرئيس يفتتح المصنع نفسه ، أما افتتاح ماكينة فيه أو عنبر فهي أمور تحتاج لفهم ، ثم إنه لو كان الأمر افتتاح المصنع ذاته ، فهل كانت كارثة قومية ستحل إذا تأخر افتتاحه يومين فقط ، خاصة والناس تعرف أن الرئيس يفتتح المشروعات عادة بعد أن تكون قد بدأت العمل فعلا من شهور ، كذلك كان المحور الثاني الذي شغل الرئيس وتابعه الإعلام الرسمي هو مقابلته مع بعض أعضاء البرلمان عن محافظة الشرقية وما جاورها ، فهل مقابلة الرئيس مع بعض أعضاء البرلمان عن حزبه أكثر خطورة وإلحاحا على القيادة السياسية المصرية من مقابلة الزعماء العرب مجتمعين ، وهل مشاكل محافظة الشرقية السياسية أكثر خطورة من الأمن القومي المصري المهدد بمحاولات تفكيك واختراق السودان وخنق مصر من البوابة الجنوبية وملفات العراق وفلسطين وسوريا ولبنان ، بصراحة شديدة هذا الكلام لا يمكنه أن يقنع أحدا في مصر أو خارجها ، وكنت أتمنى لو أن الرئيس تجاهل الإجابة عن التساؤلات أصلا بدلا من أن يعطي هذه المبررات التي تزيد الشكوك وتؤكد على أن هنا سرا ولغزا حقيقيا هو الذي منع الرئيس مبارك من حضور القمة ، وبعيدا عن القمة في ذاتها ، إلا أن الخطاب الرسمي أصبح يواجه بشكوك دائمة من قبل الرأي العام ، فإذا قال الرئيس أنه لن يورث نجله وأنه لا يفكر في ذلك ، فإن الرأي العام يبحث عن حرفيات الكلام وينقب في أبعد النوايا والاحتمالات لكي يخرج بانطباعات تعطي عكس كلام القيادة السياسية ، وكذلك ما تم في حوار السيد جمال مبارك أمس الأول مع التليفزيون المصري ، فرغم بساطته وترتيب الكلام بشكل جيد وفيه تلقائية ، ورغم نفيه أنه ينوي أو يرغب في ترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية المقبلة ، إلا أن الناس الآن لا تصدق هذا الكلام ، ولم يطرح في أي جلسة حضرتها إلا أن هذا الحوار لم ينف الانطباعات السائدة التي تؤكدها شواهد في الواقع نفسه ، هذا في كلام مؤسسة الرئاسة ، فكيف بما هو دون ذلك في البلد ، إن أحدا لم يعد يصدق أي كلام يقال من أي جهة تتصل بالدولة ، وللسلطة التنفيذية ولاية عليها ، من رئيس الوزراء إلى الوزراء إلى مرجعيات قضائية مهمة ، لا أحد يصدق البيانات المعلنة ، ولا أحد يثق في شيئ مما تقوله الحكومة ، صحيح أن الناس أصبحت أكثر وعيا ، وأن المواطن اليوم أكثر حساسية تجاه السلطة ، إلا أن الأصح أن هناك أزمة مصداقية كبيرة في مصر . [email protected]