* أشعر من أعماقى أننى فى هذا الوطن كاالطير الجريح , أعيش مهيض الجناح , مقصوص الريش , لاأدرى كيف أحيا , ولاكيف أعيش..؟ .أموت يوميا وفى كل لحظة بالتقسيط المريح..! ؟ ليس هذا شعرا ولانثرا بقدر ماهو واقع أليم مرير يفور فى قلبى فوران القدر الذى طفح وسال من قلب عليل , ويغلى فى عقلى كغلى الحميم , تتقطع من لهيبه وسعيره أمعائى وأحشائى . الألم يعتصر فؤادى , والأنين يدق كل لحظة على بابى , أدفع كل يوم قسطا من فاتورة الحساب , أدفعها وحيدا من رصيد صحتى فى بنك الحياة حتى أوشك رصيدى على النفاذ , وأوشكت على إعلان حالة الإفلاس أمام كل الناس . سجنوا حريتى , واعتقلوا كرامتى , وكلبشوا آدميتى بكلابش من حديد , ووضعوا على باب سجنى كل جبار عنيد , حتى نسمات الهواء , اعتقلوها , حتى قطرات الماء , صادروها . يريدون منى أن أظل جريحا , أموت أمامهم بالتقسيط المريح..! ؟
* لماذا تزرعون تحت أقدامى الشوك..؟ لماذا تنصبون حول بيتى السيرك..؟ لماذا تنتزعون أضلعى من جسدى..؟ لماذا تقتلون فى قلبى الأمل , وتغرسون فى فؤادى بذور الألم..؟ لماذا تحرقون فى حياتى كل شئ جميل , وتزرعون فى نفسى كل شئ دميم..؟ لماذا تقتحمون على بيتى , وتحطمون غرفتى , وتعتقلوا أبنائى وزوجتى..؟ لماذا تقيمون فى كل ميادين وطنى أصنام الخوف ..؟ أتريدون منا أن نطوف حولها ونجن مكبلون , خائفون , مرتجفون , والسياط تلهب ظهورنا , والشوك يدمى أقدامنا ..؟ وكيف لا..؟ وقد أصبحتم عبئا ثقيلا على أكتافنا لاتطيقه أبداننا . وقذى فى عيوننا , لاتنطبق عليه أجفاننا . وشجا فى حلوقنا , لاتسيغه أفواهنا . لقد تحولتم إلى هم بالليل وذل بالنهار..!؟ ؟
* لماذا كل هذا الإتلاف..؟ لماذا كل هذا الإسفاف..؟ لماذا تسرقون الفرحة من قلبى..؟ والعقل من رأسى..؟ لماذا تجمدون قطرات الدمع فى عينى..؟ وتضعون أصابعكم فى أذنى..؟ فلا أسمع إلا ماتريدون ..؟ لماذا تكبلون لسانى فى فمى, فلاأتكلم إلا بما تشتهون..؟ لماذا تحرثون الطريق من أمام أقدامى , فلاأسير إلا على الطريق الذى لى تحددون..؟ لماذا تحطمون إشارات المرور من أمام سيارتى..؟ أتريدون منى أن أجهل منحيات الطريق ومعالمه فأضل وأتوه وأعود من حيث أتيت ..؟ لماذا تعدون على أنفاسى وتحاسبونى على مشاعرى وإحساسى..؟ لماذا تقتلون الطيبب الذى يداوينى , وتهدمون البيت الذى يأوينى..؟ لماذا تحرقون ملف قضيتى..؟ أتريدون أن تحددوا بأنفسكم تهمتى..؟ لماذا كل هذا وأنا جريح , أتريدون موتا لى بالتقسيط المريح..؟
* سواد الخوف يخيم على أجواء بلادى , وضباب الذعر يلف الوطن بين طياته , وشؤم اليأس يدب فى أعماق البشر , وعواصف المحن أحاطت بنا من كل جانب , وريح الإبتلاءات تدوى فى كل مكان . الناس شاخصة أبصارها , ترهقهم ذلة , وكأن الرجفة هوت بهم إلى مكان سحيق . الناس لاتتكلم مع بعضها إلا همسا من فرط الخوف ومن شدة القلق أن يكون وراءهم من يحصى كلامهم ويعد حروفهم ثم يلفق لهم قضية فى أقل من لمح البصر , يقفون بعدها أمام النيابة ناكسوا رؤوسهم , ينظرون باستحياء ووجل وخوف من طرف خفى إلى مصيرهم المحتوم وقدرهم المكتوب . والنتيجة الحبس على ذمة التحقيق . والحق أقول أنه لم يعد هناك ذمة ولم يعد هناك تحقيق , فالأمر كله تصفية حسابات وتلفيق فى تلفيق . إننا نموت فى كل لحظة بالتقسيط المريح..! ؟
* ماذا جنت أيدينا ليفعل بنا هكذا ..؟ أولسنا مصريين..؟ لماذا كل هذا الإقصاء..؟ لماذا استحلال الدماء بهذه الصورة البشعة المقززة..؟ لماذا نسجن ونعتقل بلاقضية..؟ لماذا تصادر أموالنا وتقتحم بيوتنا ويعتقل أبناؤنا بلاذنب فعلوه أو جرم ارتكبوه ..؟ بل من أعطى لهولاء الحق ليرتكبوا تلك المجازر الوحشية والمذابح الهمجية فى حق الإنسانية..؟ والأعجب بل الأغرب من كل ماسبق ذكره أن تجد من بين شرائح هذا الشعب من يبارك إراقة الدماء واستحلال الأعراض واغتصاب النساء , ولم تتمعر وجوههم غضبا على هذه الإنتهاكات البربرية , ولم يكتفوا بهذا بل أراهم يشمتون عندما يراق الدم المصرى وكأنه ماء رخيص لاحرمة له ولاثمن له ولاقيمة له . بأى وجه يقابل هولاء الله ..؟ وبأى دين يقابل هولاء الله ..؟ وماذا يقولون لله عن مباركتهم لسفك الدماء واغتصاب النساء..؟ إننى أشعر أننى جريح أموت كل لحظة بالتقسيط المريح..؟
* الحق .. والحق أقول .. أننا نموت فى كل يوم , وفى كل ساعة , وفى كل دقيقة , بل فى كل ثانية بالتقسيط المريح . ولما لا..؟ والذين استحلوا دماء المصريين قد قست قلوبهم فهى كاالحجارة أو أشد قسوة , وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار , وهولاء لاتتفجر قلوبهم إلا بالقسوة والغلظة والشدة . وإن منها لما يهبط من خشية الله . وهولاء لايعرفون لله خشية لأن خشية الله رزق يهبها الله لمن يشاء من عباده , وهولاء حرموا هذا الرزق فى الدنيا. لقد نسوا إنسانيتهم بل فقدوا بشريتهم عندما أكلوا لحومنا ومصوا دماءنا . فنحن اليوم بين قتيل وجريح ومعتقل وسجين ومطارد وشريد .
* لكن رغم الجراح , ورغم الألم , ورغم الدماء , ورغم كل المصائب والكوارث التى أحاطت بوطنى إحاطة السوار بالمعصم , فإن الأمل فى الله لم ولن ينقطع أبدا مادمنا أحياء وفى صدورنا نبض وفى أجسادنا روح . لن يسمح هذا الشعب مرة أخرى أن يستجدى بل ويتسول حريته من أى سلطة تحكمه حاضرا أو مستقبلا . لأن نموت أعزاء ورؤوسنا مرفوعة خير لنا ألف مرة من أن نحيا أذلاء ورؤسنا منكسة ونفوسنا منتكسة وقلوبنا منكسرة . لن تستطيع أى سلطة أن تحكم شعبها بالحديد والنار لأن إرادة الشعب أشد صلابة من أى حديد وأقوى من أى نار . الحرية هى أقوى ضمان لاستقرار الوطن . ازرعوا أشجار الحرية فى كل مكان , تجنوا ثمار الأمن والأمان والاستقرار . ولاتزرعوا الشوك لأن من زرع الشوك لايجنى إلا الحنظل..! . ودعوا الشعب يعيش ويستريح , ولاتدفعوه أن يموت بالتقسيط المريح..! ؟.