* هناك حكمة عاقلة تقول " العقدة التى تستطيع حلها بيدك لاتحلها بأسنانك..! " وهذه الحكمة الرائعة تنطبق على حالنا وواقعنا فى مصر اليوم لأن هناك عقدا سياسية كثيرة يمكن حلها باليد الواحدة ورغم ذلك نحلها بأسناننا , وهذا سينتج عنه نزيف الدماء وتساقط كثير من الأسنان وقد تبقى العقدة بلاحل . إن الحل السياسى اليوم صار أمرا لافكاك منه حتى تسير سفينة الوطن وسط هذه الرياح والعواصف إلى شاطئ الأمان الذى يبدو بعيدا عن مرمى العين المجردة حتى اللحظة . إن شياطين الإنس اليوم فى مصر وخارجها يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا بضرورة النفخ فى رماد الفتنة وشرار الحرب الأهلية ويرفعون راية الفتنة فى لحظة فارقة من عمر الوطن . إن جذوة تلك الجمرة يغطيها الرماد وشرارة يقدحها الزناد فإن وجدت نافخا فى جمرها وقادحا لشرارها استيقظت وتحفزت واستعرت كالكلب المسعور الذى إن أفلت أتلف .
* ألا يوجد فى هذا الوطن رجل رشيد..؟ ألا يوجد فى هذا الوطن عقلاء وسياسيون يعلون مصلحة الوطن فوق أى مصلحة ..؟ ألا يوجد فى هذا الوطن حكماء يرفعون راية الوطن لتعلو فوق أى راية حزبية ..؟ . ألا يوجد فى هذا الوطن خبراء يجمعون شتات هذه الدولة..؟ ألا يوجد فى هذا الوطن سياسيون متجردون لله ثم لهذا الوطن يسعون لتضميد جراح هذا الوطن قبل أن يتسع الخرق على الراقع..؟ ألا يوجد فى هذا الوطن مفكرون وكتاب مخلصين يسعون بكل مايملكون لرأب صدع هذا المجتمع..؟ ألا يوجد فى هذا الوطن أناس لايخشون فى الله لومة لائم يقولون للفاسد أنت فاسد ..؟ ألا يوجد فى هذا الوطن رجال يقولون لمشعلى نار الفتنة أنتم تحرقون الوطن..؟ ألا يوجد فى هذا الوطن من يتقدم فى تلك اللحظة وسط هذا الألغام وتلك الأشواك ليبطل مفعول قنابل الفتنة وينزع الشوك من أرض الوطن..؟ هل من مجيب..؟
* إن أرض مصر اليوم تربة خصبة لشياطين الإنس الذين أراهم اليوم ينصبون خيامهم على أرض الوطن ويدقون أوتادها فى أعماق تربة هذا الوطن , ثم يوقدون فيها النيران ليأوى إليهم كثير من المشردين والمتشردين والتائهين والضالين والفاسدين والمفسدين . إنهم يجتمعون على دفء هذه النار , وسعير تلك النار , وشرار تلك النار , لالشئ إلا لحرق الوطن وتأليب هذا على ذاك , وهولاء على هولاء . إنهم يسعون فى الأرض فسادا ويخربون الوطن وتحويله إلى قبائل بدائية متقاتلة متصارعة . والخاسر الوحيد فى هذه الفتنة هى مصر وشعب مصر الذى يئن تحت وطأة الفقر والمرض الذى ينخر فى عظامه كالسوس ولامنقذ له إلا الله عز وجل .
* وكأننا اليوم بقصد أو دون قصد نحذو حذو سحرة فرعون قبل أن يأمنوا برسالة موسى عليه السلام ونقول مثلهم " فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفا " * هل يدعو اليوم فى مصر كل فصيل ليواجه الفصيل الآخر ..؟ * هل يدعو اليوم كل حزب ليواجه الحزب الآخر..؟ * هل تدعواليوم كل جماعة سياسية لمواجهة الجماعة الأخرى..؟ * هل يواجه بعضنا بعضنا ونحن أبناء شعب واحد..؟ * هل يشحن بعضنا بعضنا اليوم بوقود الحقد والكراهية ..؟ * هل نسينا اليوم أننا كلنا مصريون..؟ هل ننسى أننا اليوم كلنا خاسرون..؟ * هل نسينا اليوم أننا كلنا سندفع فاتورة كل رصاصة تطلق فى صدور المصريين..؟ * هل نسينا اليوم أننا على حافة الإفلاس الاقتصادى ..؟ * هل ننسى اليوم أننا على شفا جرف هار من كل جانب..؟ * هل ننسى اليوم أن سفينة الوطن تترنح ومائلة ونصفها تحت سطح الماء والنصف الآخر فيه النيران مشتعلة..؟ أين فرق إنقاذ الوطن..؟ أين قوارب النجاة..؟ أين فرق الإنقاذ السريع لتنجو بهذه السفينة إلى شاطئ الأمان بأقل الخسائر فى المعدات والأرواح..؟ هل هانت علينا أنفسنا..؟ هل هان علينا الوطن..؟ هل رخصت عندنا الدماء لتصبح ارخص من كوب الماء..؟
* إن نار الفتنة فى هذا الوطن اليوم تأكل الأخضر قبل اليابس , والصالح قبل الطالح , والأصيل قبل العميل , والغنى قبل الفقير, والسليم قبل العليل . لن ينجو أحد من نار الفتنة ولن ينجو أحد من شرار الفتنة ولن ينجو أحد من سعير الفتنة وشرارها . فأين أنتم ياأولى العقول..؟ أين أنتم ياأولى الالباب..؟ أين أصحاب الأقلام العاقلة فى الصحف والمجلات والمنتديات..؟ أين الذين لايريدون إلا وجه الله ..؟ أين الذين لايريدون إلا مصلحة الوطن..؟ أين الذين يعرفهم الناس بسيماهم وحبهم وإخلاصهم لوطنهم..؟ لماذا ينزوون الآن..؟ لماذا يختبئون الآن..؟ لماذا يقولون الآن : نفسى.. نفسى..؟ أفى هذه اللحظة نتخلى عن وطننا وهو يحترق..؟ أفى هذه اللحظة نتخلى عن أرضنا وهى تزلزل..؟ أفى هذه اللحظة نمصمص شفتينا على مصير الوطن ولانفعل شيئا ينقذه من الخراب والدمار..؟ نحن جميعا ركاب السفينة ولافرق بين من فى أسفلها على من فى أعلاها , على من ينتظر أحبابه فيها على الشاطئ الآخر , فكلنا مسافرون وكلنا نحمل الجنسية المصرية وكلنا إما أن نغرق جميعا أو ننجو جميعا ..! فهل من مجيب وهل من منقذ..؟
* إن وساوس اليأس من إصلاح هذا المجتمع وإصلاح نفوس كثير من البشر بدأت توسوس فى صدور كثير من الناس . بدات تلك الوساوس تمرغ رأس المصلحين فى تراب الإحباط وتملأ أفواهم بقوالب اليأس والتثبيط حتى يحنوا رؤوسهم فلايرفعوها , ويمشون على أرض هذا الوطن كالذى يتخبطه الشيطان من المس بلا وعى أو فهم أو فقه . نعم.. الخناس القاتل يمسك بتلابيب الذين يرجى منهم الأمل , وينتظر منهم الإصلاح , الذين يرجى منهم دعوة كل الناس إلى الالتفاف حول راية الحق . الراية التى لايستطيع أحد أن يكسرها أو يحرقها أو يختلف عليها أو يجادل فيها . لاأطالب كل حزب أن يتنازل عن أيدلوجيته من آجل الآخر, ولكنى أطالب كل حزب وكل فصيل أن يتنازل شيئا يسيرا للآخر, لاضعفا ولااستكانة ولاذلة ولامهانة, ولكن من باب أن مصر تسع الجميع , وأرض مصر تحوى الجميع . ومصر أكبر من كل الأحزاب والفصائل والجماعات والهيئات والمؤسسات .
* سئل عمر بن الخطاب رضى الله عنه : أتوشك القرى أن تخرب وهى عامرة..؟ قال " إذا علا فجارها على أبراها..! نعم.. لأن الأشرار الفجار يدورون فى فلك مصلحتهم الشخصية ونزواتهم الفردية . الشرير أسير لتلك المصالح وهذه الأهواء وتلك النزوات . وأنا على يقين أن الخير فى نفوس الناس كثير . والصلاح فى نفوس الناس لايحصى . والرغبة فى لم شمل وشتات هذا الوطن أمر يموج فى نفوس كثير من المصريين كما تموج الأمواج الهائجة المضطربة والتى لاتهدأ حتى تصل إلى الشاطئ فتهدأ وتستكين وتعطى الأمان للجميع . إن مناجم الذهب فى هذه الأمة كثيرة ولكن تحتاج فقط إلى من يمد يده ويمسحها لأن تراب الزمن يعلوها . وساعتها ستلمع وتبرق وتضى وتشرق . فأين تلك الأيادى الحانية الطيبة ..؟ إذ لم تمتد اليد التى تبنى فستمتد اليد التى تفسد . وإذ لم تمتد اليد التى تعمر, ستمتد اليد التى تخرب . وإذ لم تمتد اليد التى تداوى ستمتد اليد التى تمرض . واذ لم تمتد اليد الناعمة ستمتد اليد الصلبة الخشنة لتدمى الجميع وتجرح الجميع . واذ لم نزرع الورد سيزرع غيرنا الشوك..! فأين أنتم ياعقلاء الوطن .؟ وأين انتم ياحكماء مصر...؟
* يقول أحد الحكماء المصلحين " شرط النجاة من الخسران جعله الله عز وجل متعلقا بمعرفة الناس للحق , وإذا عرفوه وألزموا أنفسهم به ومكنوه من قلوبهم , وعاشوا بالحق وللحق , ولايعفون من المسئولية ولاينجون بأنفسهم إذا عرفوا الحق ولم يبشروا به , ويدعوا الناس إليه ويحملوهم حملا على التمسك الحق واتباع الحق " ونحن كأصحاب أقلام حرة لاتريد إلا وجه الله ومصلحة الوطن ندعو كل الشعب المصرى إلى كلمة سواء نحقن بها دماء المصريين ونزيل بها كم الأحقاد المتراكمة فى قلوب الناس تجاه بعضهم البعض . إن الأحقاد قد بلغت الحلقوم عند كثير من الناس حتى وكأنهم يصعدون فى السماء من كم الإختناق الذى يشعرون به. الناس فى المساجد يتشاجرون على من يكون الإمام . وفى دوائر العمل يتقاتلون على من يخرج من البوابة أولا . وفى وسائل المواصلات يتناحرون بسبب اختلاف الوجهة . وفى البيت الواحد يتخاصمون بسبب تباين وجهات النظر . وفى السياسة فالحال لايخفى على أحد , التراشق والتخوين هو سيد الموقف .
* إننى أدعو كل أصحاب الرأى والساسة والقادة والحكماء والخبراء ورؤساء الأحزاب والمؤسسات والهيئات وأصحاب الأقلام الحرة والفكر المستنير والدعاة والعلماء والمفكرين وكل هولاء هم صفوة المجتمع بأن يدعوا جميعا لعقد مؤتمر عالمى عام يشهده المقربون والمبعدون , المؤيدون والمعارضون , لنرسم لمصر طريقا ديمقراطيا مستقيما يحترم إرادة الشعب واختياره بلاتزييف أو تزوير . يوقع على هذه الوثيقة التى يضع بنودها كل من سبق ذكرهم للخروج بمصر من هذا النفق المظلم العميق لكى تضع الحرب الدائرة الآن أوزارها قبل أن يشمت فى مصر الشامتون ونفوت الفرصة على المتربصين فى الداخل والخارج . وهذه الوثيقة تنص مبدئيا على حرمة الدم المصرى وسرعة تشكيل نيابة ثورة مستقلة تحاسب كل من تلوثت يداه بقتل أبناء الشعب المصرى منذ ثورة يناير حتى اليوم . ووضع ميثاق شرف إعلامى والإفراج عن كل المعتقلين السياسين وفتح جميع القنوات والصحف المغلقة . ووضع قانون يجرم القفز على إرادة الشعب فى أى استحقاقات انتخابية قادمة . هذه بداية فقط لما يمكن أن يؤسس عليه فى الخطوات السابقة لانتشال الوطن مما هو فيه . هذا ليس حلما بعيد المنال أو معجزة صعبة التحقيق أو دعوة تحتاج إلى تحقيق وتدقيق . فالأمر يتوقف على نية الإصلاح ولم شمل الوطن ونبذ الفرقة والخلاف والاختلاف . إلا تفعلوا تكن فتنة فى الارض وفساد كبير . هذه صرخة مدوية لكل من يهمه الامر وكان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد . اللهم بلغت ... اللهم فاشهد .